بقلم الشاعرة والناقدة أ هدى كريد/تونس
غور الوجع في المسافات حيث الكتابة تنغل في جرح وجرح .وذاك سرّها أو سحرها،
تمنح الكاتب أكاليل الغار ولو فوق هوّة نجيع ،دوما تقيم في مهبّ الشكّ، يكفيها أن تكون سؤالا حاسما لاجابات معلّقة مهزوزة . أصدق إيمانه حيرته .أليس العجز برأيه بوّابة التمكّن ؟
تورّط الاستاذ حسن بيريش في صولات لغويّة تحمله إلى المعارج دون السّفوح.حراك على الدّوام ،حمم بركان فوق جغرافيّة الوطن ،هناك ألفته وعزلته الطائعة وفوق الجسد بلغته المسكّنة لأوجاع السّفر .كلاهما” جنون
كخلسة المختلس
جولات في مدن مشبعة بغوايتي” على حدّ قوله.
طائر الفينيق قلمه يولد من رماد، ويتحرّش بالانثيين المدينة والمراة،يرتعش عند المداخل ويلوذ بالرّحم الدّافئ ،طفل لم يفطم من الحبّ ولم يقطع الحبل السّرّي أبدا.لانّ المدينة” أنثى بحجم كلّ النّساء ” يعسر عليه ان يتصوّر حياته دونها جوّالا أومقيما.
ملعون هذا القلم الذي لم يثلم في عرف الرّجولة الغاشمة وتحجّر القروسطيّة ،يعرف صاحبه مغبّة فتح الغرف المحظورة وعقاب السّاحرات غرقا اوحرقا ،لذا ينتشلهن من وهدة القلق وفوهة العدم المفغورة على الدوام تلتقم نثار النّساء وهشيم أكثر الذّوات رهافة على مدار الأزمان.
عشق متطرّف لايقاوم حدا به إلى يكتب عن ابنة الوجود وعروس الاساطير وبها، كتابة بالذّات والجراحات والفتوحات أيضا ، كلّ حروف الجرّ في حضرتها قاصرة عن اكتناه العمق، لا يني عن الاندفاع نحوها والنّظراليها بعين واحدة لاترى إلّا جمالا أو فتنة ولا تقتنص الامكرمة.وحين يدان بتهمة الأنوثة يبتسم بمكر لغوي” هذه تهمة لا انفيها وشرف لا أدّعيه” . حسين بيريش يغتاب صمتنا ،صمت أجيال من النساء على مخلعة القهر ويقيم إمارتهنّ على نحو شعريّ .اصابه عشق ورمي بأسهم الإبداع . الكاتب الأوّل في مجال البورتريه يحوّل الحروف إلى دهشة متكرّرة ومكيدة لغة متجدّدة .
بين شهقة وشقهة تتشابه علينا الصّفات، تأنّث القلم حتى هتك الأسرار وأزال كلّ الحجب وتخلّصنا من وصمة الأنوثة في غلمة رؤاهم تائقات إلى مراقي الإنسانية.تزمّلنا بين ألف وياء .ولم تكن الكتابة عنده رقيم ماءبل ريحا هوجاء.المرأة هي أنثى البورتريه وبيت القصيد،تستثير خياله بخيالها الختّال،يلاعبها ،يراوغها يجوس داخل أحراشها الوعرة،فيتقن لغة الانثى والقصيدة معا ،وحين يبذر حرفه يلق أناه جماعنا ويكون المعراج الجمعيّ بيد تداعب الغيوم إلى مرتعنا العلوي،شعرا طهورا وإن أولم من الجسد.
العتبات غواية أولى تنضاف إلى غوايات لاحصر لها، مترافدة مع النّصّ.
ومع كلّ عتبة مفاجأة من عيار الادب الثقيل معجماوتسريدا وتوصيفا،
تتعالق المفردات قلائد عقيان، في تماسّ بين الصّورة والكلمة.ولعلّ الشّعر هو الرّوح القدس، الاقنوم الاوّل، مشحون بالرغبة والطرّب
والغضب ، شرعة الأنوثة الحاكمة بأمره.يخطّ الفرمان الخالد مارد الشّعر وقد دكّت العزائم الهزائم، وهانحن نتأهّب لانفجار كونيّ جديد.التّسريد حركة ضديدة للتغريبة والتّشريد ،مخاصيب تدحر عجافا،لم تعد الأرض فوقنا ولاحتّى مجالا لحركة تقتضيها بشريّتنا .إنّما التّحليق قدر لمن شكّلتها الأحبار المباركة .نغرق في عرق المجازات ونداءات العبارات ،نرقص ،ندوخ، فالس تموسقه اللّغة وشهوة الرّقص على شراشف السّماء وداخل معابر الضّياء ، نهفو معه إلى الانفلات من عقال المسالمة والتّدجين ورتابة العادة وغبار الرّكود.
الزمن في البورتريه تعرّجات تعانق المطلق، والمكان شفيف بغير أبعاد كي تضخّ الأثداء القدسيّة رموزا لا تتشابه وإن اقتربت ولاتتنافر مهما تباعدت. هذا نسيج اللّغة في البورتريه نواة معاريج ،اهتزازات شبق، رجّات دهشة ،أصداء تتناهى إلى مسامع القلوب لذّة في ألم ، ،وجيب سقوط مدوّ لما اهترأ من قيم حشرجة المحتضر وضحكة الوليد لحظة المناغاة منذرة مبشرّة تعصف بالتّليد . أمّا الطّارف فنصّ /وجود،به ينطبع الكيان الأنثوي ولا مجال لولادة خارج مدائح الحياة كانّنا نقف على أعتابنا للمرًة الأولى.كلّنا نسل إيراتو ،تهذي كلّ واحدة بأكثر من هويّة .تكون هي وغيرها، امتلاء كفيل بقتل كلّ خواء.نون نسوة اتّسعت تهندس العالم بأسره أو تلوّح له مهدّدة ،كوّرها قلم نفذ بما أوتي من بصائر إلى كلّ المصائر.قلم يرواد البيان وفق اشترطاته ومقتضيات حالها.
لامناص مع كلّ بورتريه من رحلة في المجاهل واكتواء بجمر الحروف وانقلاب مشروع على السّكونية .فالكتابة استئناف ضدّ الكائن إلى ما ينبغي أن يكون،حراك اللّغة وثورة النّفس كي تميد الأرض أكثر من مرّة تحت اقدام العتاة وتنتشل سفينة حسين بيريش من الطّوفان امرأة وحلما وقصيدة.
يبقى البورتريه كتابة لا تخشى مواجهة الغرباء ولا تنذر كلّ لحظات الحزن للأصفياء،يدرك صاحبها أنّه يقدّم حياة بدرجة يقين مستراب يكون عندنا أوفى مشتهى.