بقلم: الدكتور العيد بوده / الجزائر
هو الشيخ العلامة مولاي أحمد المعروف بالطاهر بن عبد المعطي السباعي الإدريسي الحسني. ولد بقرية أولاد عبد المولى بإقليم شيشاوة بالمغرب الأقصى خلال (1325ه-1907م). و نشأ بمسقط رأسه وحفظ فيه القرءان على يد أخيه مولاي عبد الله وأجاد حفظه وأتقن جملة من فنون العلم وهو دون الرابعة عشر من عمره. وغادر بلاده إلى شنجيط ليعلم بها خلال (1342ه 1923م
و استقر له المقام بشنقيط سنين، فَعَلَّمَ فيها وأفاد من العديد منهم، وغادر شنقيط خلال (1353ه- 1934م، إلى مالي حيث حل بتنبكتو وأقام فيها مدة يسيرة وذلك خلال 1356ه- 1937م، فتأهل فيها، ثم غادرها إلى أرض توات. التي دخلها مُعَلِّمَا ومُدَرِّسَا، فأقام أياما في تاوريت وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة (1359ه-1940م). ثم انتقل إلى منطقة سالي في في السنة ذاتها، و بدأ يُعَلِّمُ بها بجد واجتهاد. و أسَّس مدرسته الدينية (الطاهرية) بسالي سنة (1362ه-1943م).ومكث بها زهاء ستة عشرة عاما، وقد تخرج على يديه علماء أفذاذ؛ من قائمة العلامة الشيخ باي بلعالم، والشيخ مولاي الحبيب ابن عبد الرحمان خليفته الثاني، صاحب الزاوية القرآنية بتسفاوت.
ولاجرم من توجيه القول إلى دور الشيخ الجهادي ضد المحتل الغاشم، فقد أشاد به الحاج أحمد بن محمد الزيغم السراج ( أحد مجادي مدينة متليلي بغرداية، ومفتش تربوي سابق) حيث مدح وفاء الشيخ السباعي للوطن الجزائري رغم أنه مغربي مولدا، و ليس ذلك بغريب على رجل أصيل كالشيخ الطاهري، لأن المومنين كلهم إخوة بنص الآية، مهما تناءت ديارهم، وتباعدت أقطارهم. وهذا ما دفعه للمشاركة في الجهاد ضد العدو الكافر، وصبر على التعرض للإهانة من أجل الدفاع عن معاقل الإسلام ، علاوة على حكمته وذكائه في مخادعة العدو، وتجنبه التهور الذي كلف البلاد آنذاك أتعاب كبيرة، أخَّرت الاستقلال الوطني مدة طويلة، علما بأن العدو الفرنسي لما تحفظ في شأن قتله - رحمه الله - لم يكن حبا فيه، ولا رحمة به، ولكنه يعلم أن قتله سيكلفه ردا عنيفا من أهالي المنطقة الأشاوس.1
لقد غادر الشيخ السباعي مدينة سالي عائدا إلى مسقط رأسه مراكش أين استأنف مسيرته التعليمية مع أخيه مولاي عبد الله سنة (1379ه-1959م) وطلب منه أن يساهم في التدريس بجامعة بن يوسف بمراكش فأجاب إلى ذلك فكان محاضرة بها قرابة أحدى عشر عاما بداية من سنة1380م-1960م). ليعود بع دذلك إلى مدرسته الطاهرية بسالي سنة (1391ه۔1971م ، بقصد الإقامة فيها والتفرغ للتدريس ، لكن شاء الله أن لا تطول مدته أكثر من شهرين بها . حيث عاد إلى مراكش بعد أن وصله نعي أخيه ( خبر وفاته)، ومكث بمسقط رأسه مواصلا تدريسه ونشر رسالته التعليمية .
لكنه وبعد سنوات عاد زائرا إلى إقليم توات فطاف القصور والزوايا، ثم امتدت زيارته إلى إقليم الهقار بتمنراست ثم إقليم التاسيلي نازجر بإليزي فورقلة وغرداية ثم إلى بشار فوهران التي كانت محطة وداع للجزائر سنة (1395ه-1975م) ولم يعد بعدها أبدا إذ وافته المنية بمراكش يوم (18) من ذي القعدة1399ه الموافق ل 10 أكتوبر 1979م رحمه الله – تاركا رصيدا معتبرا من المؤلفات في مختلف العلوم المفيدة، كتابه الذي اقتبسنا منه هذه النبذة والموسوم بـ: نسائم النفحات من أخبار توات ومن الصالحين والعلماء الثقات. إذ يقول في تقريظ هذا الكتاب شيخنا عبد السلام الأسمر بن محمد عبد الله بلعالم ( إمام أستاذ بالمسجد الكبير بني ثورورقلة) حيث يقول:" وإنني لأرى في هذا الكتاب القيم بعد تصقحه صورة عظيمة تتجلى في خلق کریم، وهو خلق الوفاء، فمولاي أحمد الطاهر الإدريسي قدم توات واستقر فيها بضع عشرة سنة، وطاب له فيها المقام، وكان له فيها تلامذة و محبون و أتباع، ثم أجبرته الظروف قاهرة على مغادرتها، ولكن ظل حنينه حنين يربطه بتلك الديار وأهلها، فمن وفائه قام يتحدث بما أنعم الله به عليه من الحلول في توات، فأفرد مؤلفا وصف فيه تلك الربوع الواسعة من هذا الوطن وشخصياتها وعلمائها وأحداثها وعاداتها ، فكان هذا الكتاب تحدثا واعترافا بنعمة الله، ووفاء بحق أولئك الذين ارتبط بهم ارتباطا وثيقا ملؤه المحبة والاحترام، وهذا حال الكريم، وحال أهل النبل والفضل والوفاء."2
ومن مؤلفاته أيضا:
- فتوحات الإله المالك، على نظم أسهل المسالك، في فقه الإمام مالك.
- العقد الجوهري، على منظومة العبقري، في أحكام السهو في الصلاة.
- الدر المنظوم، على مقدمة ابن آجروم في النحو.
- عقد الجواهر اللآلئ، على منظومة أبي العباس أحمد الهلالي
وله رسائل متنوعة عديدة منها :
1. رفع الحرج والملام، في أكل المال المشكوك بالحرام .
2. النحلة والتحلية، في ما قيل في اللحية .
3. رسالة في الرد على ابن الهادي سماها (مورد الظمآن الصادي، في الرد على ابن الهادي).
4. رسالة في طرق حديث عبد الرزاق .
وله فتاوى عديدة، في نوازل سديدة، وهي مجموعة تحت هذا العنوان المذكور، وهي بأيدي الطلبة ولم تطبع بعد إلى يومنا هذا.
كما له نصائح وكتابات عديدة، كلها تحمل علما وافرا، وتربية كبيرة، وخيرا كثيرة، كما أن كلامه كله مفید نطقا وله قصائد شعرية في مختلف الأغراض الشعرية والفنون العلمية منها:
1. ألغاز في مسائل فقهية قال في مطلعها:
ألا حي دورا بالعلوشي للمهدي ... و عفتها روايا الدلو بعدك والسعد
فأصبحن لا يعرف إلا توهما ...و وصفو الليالي عهده أكذب العهد
2. قصيدة في آداب طالب العلم وهي رسالة لابنه عبد الله مطلعها:
عليك سلام مثل ما هب من نحد ... سلام ذگا من نفحة البان والرند
وقد كان للشيخ محامد كثيرة وخصال جمة شهد بها من عاصروه ، أو اغترفوا من فضل علمه حيث يقول عنه الإمام أحمد بومعزة (إمام بالمنصورة الجديدة ولاية غرداية) ... يعد شيخنا من العظماء الذين لم تتناولهم الأقلام تناولا كافيا، إذ يعرف عنه تلامذته ومحبوه صدق الكلمة، واستجابة الدعوة، وصدق الفراسة، وصلاح القول والعمل، وطيب الأصل والفرع والخلق والشمائل، وأنه أهل لتربية الأجيال والرجال.3
- نسيم النفحات من أخبار توات ومن الصالحين والعلماء الثقات، الشيخ مولاي أحمد الطاهري الإدريسي الحسني، مداد للطباعة والنشر، غرداية- الجزائر، ط2، 2011م، ص: 07
- نسيم النفحات، الشيخ الطاهري، ص: 28
- نسيم النفحات، الشيخ الطاهري، ص: 17