الشاعر والناقد أ. لطفي عبد الواحد
من منطلق شغفي واهتمامي بالكتابة والحديث عن أعلام من جهة الوطن القبلي بقيت منذ زمن بعيد أنوي ان اكتب مقالة عن الصديق والاديب الدكتور جلول عزونة تعرف بسيرة الرجل وتبرز اعماله وجهوده العظيمة في المجتمع وكذلك نضاله في شتى المجالات وخاصة في المجال الابداعي والثقافي في جهة الوطن القبلي وكامل تراب وطننا العزيز ذلك ان الدكتور جلول كان ولا يزال إلى اليوم من الشخصيات الوطنية العظيمة ومن الاطارات التي لها اشعاعها الكبير ومنزلتها المتقدمة في أوساط المثقفين والمواطنين ويستحق بجدارة كل الاجلال والمحبة والتقدير الا ان الظروف لم تتهيأ لهذه الكتابة نظرا لكثرة مشاغلي من جهة وأنشطتي المختلفة في جمعيات المجتمع المدني إلى ان اطلعت اخيرا على خبر صدور كتابه الجديد عن دار سحر للنشر والذي خصصه للحديث عن مسيرة وانتاج صديق عزيز اعتززت أيما اعتزاز بصداقته اعتزازي بصداقة الاستاذ عزونة وهو الاديب والفنان التشكيلي المرحوم محمود التونسي ابن مدينته منزل تميم والجهة التي ننتمي معا إليها جهة الوطن القبلي اما عنوان الكتاب فهو “محمود التونسي مسيرة وانتاج” وفى نشر هذا الكتاب عن المرحوم دلالات عديدة أهمها في تقديري وفاء المؤلف لروح صديق جمعته به عشرة ونضال وصداقة حميمة تواصلت عقودا من الزمن واحساس بواجب التعريف بهذا الاديب الرسام وماخلفه من إنتاج يستحق التعريف والتثمين. خبر صدور كتاب الاستاذ جلول واطلاعي على الحديث الذي أجرته معه الاعلامية علياء بن نحيلة وخص به جريدة الصباح للحديث عنه ودواعي تاليفه اذكي في نفسي الرغبة في الكتابة عنهما باعتبارهما اديبين وصديقين لي اكن لهما كل الاعزاز والتقدير خاصة لما عرفت عنهما من وطنية صادقة ومحبة لتونس واعتزاز بامجادها ونضال مستميت في شتى المجالات ومواقف شجاعة. ووجدتني ابادر بالكتابة أولا عن الصديق الفنان المرحوم محمود التونسي واروي بعض الذكريات عنه خاصة وان الاستاذ محمود التونسي لم يلق حتى بعد وفاته والى الآن ما يستحق من التقديم والتعريف به وتكاد الاجيال الجديدة لا تعرف عنه شيئا مع الاسف الشديد وكتبت مقالي عنه ونشرته تحية لروحه ووفاء لذكراه لاجد نفسي فيما مدفوعا وبصفة تلقائية إلى كتابة مقال ثان أخصصه للحديث عن الاستاذ العزيز جلول عزونة-حفظه الله واطال عمره- واعتبره اي هذا المقال التفاتة تقدير وتحية متواضعة لأستاذ واديب جليل ومناسبة لتقديمه للمثقفين وابنائنا التلاميذ والطلبة والمواطنين وخاصة لاولئك الذين عرفوه سياسيا وحقوقيا اكثر من معرفته من الناحية الابداعية والثقافية. وها أنا اكتب مايلي عنه في الاسطر التالية.
الدكتور الأديب جلول عزونة شخصية فكرية وادبية متميزة. رجل تعددت اهتماماته ومجالات نشاطه وعطائه فهو مرب وجامعي وهو أديب وباحث وناقد وهو كذلك ناشط سياسي وجمعياتي وفاعل على الساحة الثقافية منذ المراحل الاولى من نشأته وتعود معرفتي به الي سنوات بعيدة وخاصة الى الفترة التي كنت فيها أنشط واتحمل لاحقا المسؤولية الأولى عن تنظيم ملتقى ادبي كبير كانت تحتضنه مدينتي مدينة دار شعبان الفهري وظلت تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية إلى تاريخ انلاع الثورة او الانتفاضة في جانفي 2011 وهذا الملتقي كان خاصا بقضايا الادب والنقد ويحمل إسم رمز من رموز الثقافة والفكر المرحوم محمد البشروش الصديق الحميم للشاعر الكبير المرحوم أبي القاسم الشابي وكان الاستاذ عزونة من الحريصين على مواكبة هذا الملتقى والمساهمة فيه وتحقيق الاضافة المرجوة ومن هناك بدأت اكتشف مالديه من المعرفة والثقافة واتساع الأفق ثم جمعتنا مناسبات ولقاءات اخرى في مناسبات وفضاءات متعددة جعلتني اتعرف على مجالات اهتماماته الاخرى في حياته ومسيرته العظيمة وهذا ماسيجرني الى تقديمه والتعريف بهذه المسيرة المجيدة التي جعلته يحتل مكانة فكرية متقدمة ويتحول الى شخصية وطنية مشهورة..
ولد الدكتور جلول عزونة في مدينة مشهورة من مدن ولاية نابل الوطن القبلي هي مدينة منزل تميم التي تغنى بها احد أبنائها الفنانين الكبار المرحوم يوسف حمام المعروف بشحرور الخضراء يوسف التميمي. منزل تميم المشتهرة تاريخيا بكثرة شيوخها وعلمائها ومبدعيها وبمقاومة أهلها للمستعمر الفرنسي وكانت ولادته تحديدا في يوم 24 جانفي 1944 وفيها تلقى تعليمه الابتدائي لينتقل بعد ذلك الى العاصمة لمواصلة تعليمه العالي في كلية الآداب فدار المعلمين العليا اختصاص اداب ولغة فرنسية ثم يسافر الى فرنسا حيث توجت دراسته بالحصول على دكتوراة المرحلة الثالثة ليتفرغ اثر ذلك للعمل في مؤسسات ومعاهد التعليم. اما في مايتعلق بنشاطه الثقافي والجمعياتي والسياسي فقد بدأه في سن مبكرة ولم يتوقف الي اليوم وفي هذا دليل على ان الاستاذ عزونة كان حريصا على ان يكون شخصية فاعلة ومنفتحة على محيطها الاجتماعي والانساني فكان حضوره متميزا في المنظمات ومنها منظمة الشبيبة المدرسية التي تعد من أعرق المنظمات التلمذية والتربوية في تونس ومدرسة لتكوين الناشئة. ومن هذه المنظمة والجمعيات ومن منطلق محبة الوطن والنشاة في عائلة وطنية دستورية مناضلة انتمى الى الحزب الاشتراكي الدستوري بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة لفترة زمنية امتدت من سنة 1965 الى سنة 1974 تخللها تجميد نشاطه الحزبي مدة ثلاث سنوات وانتهت علاقته بالحزب إثر تقديم استقالته كتابيا في سنة 1974 والسبب هو اعتراضه على إعلان ينص على تعيين الزعيم الحبيب بورقيبة رئيسا للبلاد مدى الحياة ليعلن انتماءه لحركة الوحدة الشعبية وليكون من المساهمين في تاسيس الحزب في مطلع الثمانينات من القرن الماضي ويترأس الجريدة الناطقة باسمه جريدة الوحدة لسنوات عديدة الى حدود سنة 1988 بعد سنة من ابعاد الزعيم الحبيب بورقيبة عن الحكم ودخول البلاد مرحلة حكم الرئيس زين العابدين بن علي وخلال هذه الفترة عرف مضايقات من النظام الجديد بسبب مواقفه السياسية المعارضة ادت به الى الحكم عليه بالسجن مدة سنة ثم خرج منه قبل استكمال المدة وواصل نشاطه السياسي إلى حين حدوث تحول الحكم او الثورة ليكون فيما بعد من المؤسسين للجبهة الشعبية في سنة 2012. ولئن عرف الدكتور جلول عزونة بكثافة نشاطه السياسي فانه في الحقيقة كان معروفا كذلك في أوساط المثقفين والمبدعين بنشاطه الادبي وتحمله المسؤولية في الجمعيات الادبية فهو عضو اتحاد الكتاب التونسيين في مرحلة هامة من مراحل تاريخه وعضو كذلك في نادي القصة بالوردية.. ولعل الملفت للانتباه في سيرة حياته حضوره المميز والمكثف في كل انواع النشاط وابداعه في الكتابة باللغة العربية التي ظل يتقنها رغم تخصصه في اللغة الفرنسية هذا بالإضافة الى الكم الهائل من الكتابات في مجالات ومواضيع متنوعة يمكن حوصلتها كما يلي من خلال بعض اصداراته وهي :
ويبقى السؤال : مجموعة قصصية
الخبز والحب والهذيان :مجموعة قصصية
عشقي لمن يبقى : مجموعة قصصية
الغار والجراد والقردة : رواية
منزل تميم عاصمة الدخلة : كتاب حول تاريخ المنطقة واعلامها وهو بحث صدر له في سنة 1984
كتاب بعنوان محنة السجن أو عروق الحرية صدر له سنة 2017
كتاب بعنوان ريح الحياة فصول من السيرة الذاتية للمؤلف صدر في أفريل 2020
كتاب بعنوان محمود التونسي سيرة وانتاج.
هذا هو الدكتور جلول عزونة الرجل المفرد بصيغة الجمع اجتهدت في تقديمه وتقديم جانب من سيرته وأعماله تقديما من منطلق رؤيتي له وتقديري له كمبدع تونسي ووطني صادق عرفته كما عرفه الكثيرون مناضلا حقيقيا وصاحب رسالة وشخصا متواضعا ومثقفا فاعلا يؤمن بالاختلاف ويحترم معارضيه من المثقفين والسياسيين احتراما كبيرا ويقدر رموز البلاد واعلامها ويتحلى بصفة الوفاء لمعارفه واصحابه الوفاء الذي أصبح للأسف في زمننا عملة نادرة ومعدنا ثمينا لايتوفر الا للمؤمنين بعظمة تونس وشعبها ولا شك ان الدكتور جلول عزونة من هؤلاء الذين تعتز بهم جهة الوطن القبلي وكامل ربوع هذا الوطن التونسي العظيم..