الشاعر والناقد أ. لطفي عبد الواحد
تحت هذا العنوان اخترت ان اتحدث عن فنانة تونسية لمع نجمها في أواخر السبعينات وتواصل عطاؤها الفني إلي اليوم دون انقطاع رغم قلة ظهورها مثل غيرها من الفنانين الكبار
في تونس.
هذه الفنانة هي في نفس الوقت مطربة وفنانة تشكيلية وامراة مثقفة لها حضورها واشعاعها الثقافي المتميز. اشتهرت بصوتها المطرب ونبرتها المختلفة عن نبرات غيرها من المطربات وتميزت بغنائها الجميل ولا يعرف الكثيرون أنها جمعت في الآن نفسه بين فنيين جميلين وعظيمين هما الفن التشكيلي والغناء فهي مطربة من برنامج تلفزي كان له شأن كبير هو برنامج نجوم الغد باشراف الموسيقار التونسي علي السريتي رحمه الله وهي فنانة تشكيلية موهوبة تخرجت من مدرسة الفنون الجميلة في تونس واشتغلت استاذة للتربية الفنية بعدد من المعاهد الثانوية وشاركت برسومها ولوحاتها في العديد من المعارض داخل تونس وخارجها ونشطت ولا تزال تنشط في العديد من الجمعيات بالاضافة إلى وجودها عضوة في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ورغم ولعها بالرسم فلم تقصر ابدا في النشاط الموسيقى بل ضاعفت العطاء فغنت واطربت وتالقت في العديد من المناسبات والمهرجانات وللتذكير أشير الى ان المطربة عايدة بوخريص التي انطلقت مسيرتها الغنائية كما ذكرت في سبعينات القرن الماضي تحصلت في الثمانينات على الجائزة الاولى لمسابقة المواهب وسجلت للاذاعة التونسية والتلفزة العديد من الاغاني الجميلة التي لاتزال حية وخالدة في ذاكرة التونسيين الي اليوم منها اغنية “فرحانة بحبك فرحانة” واغنية “مهما تبعد والا تهجر” وأغنية وطنية بعنوان “سئل الزمان عن الحبيب فأطنبا” كانت غنتها للزعيم الكبير الرئيس الحبيب بورقيبة وظلت تذاع باستمرار في الاذاعة الوطنية وقد عبرت لي في احدى المناسبات عن اعتزازها بهذه الاغنية وإعجابها بها وذكرت لي انها بحثت عن تسجيل لها ولم تعثر عليه وأنها نسيت اسم ملحنها وصاحب الكلمات لكني وباجتهاد شخصي قمت ببحث صغير اكتشفت من خلاله ان هذه الاغنية كتبها في ذلك العهد شاعر وطبيب من سوريا اشتغل بمدينة نابل هو الدكتور وائل الجندي ولحنها صديق وفنان من منزل تميم هو الاستاذ عبد الباقي الفيلالي ومطلع هذه الاغنية لمن يتذكرها كما يلي :
سئل الزمان عن الحبيب فأطنبا
وروى مآثره الخوالد مسهبا
وحكي على الأسماع قصة قائد
قاد الجموع وكان شهما أغلبا
الحكم ليس لمتعة في عهده
والحكم ليس مطية او منصبا.
ولم تقتصر مسيرة المطربة عايدة الفنية على تونس بل امتدت الى الخليج العربي وخاصة الى المملكة العربية السعودية بفضل تبنيها من قبل شاعرها الكبير المعروف ببابا طاهر وهو الشاعر طاهر زمخشري المسكون بعشق تونس والذي كنت تعرفت عليه في بعض المناسبات واهداني بعض دواوينه ومنها ديوانه “حقيبة الذكريات” وهو صاحب كلمات أغنية “الروابي في تونس الخضراء”التي لحنها الملحن السعودي الكبير طارق عبد الحكيم وغنتها المطربة السعودية ابتسام لطفي. وفي المملكة السعودية اشتهرت اغاني المطربة عايدة حتى لقبت بسفيرة الاغنية السعودية. واثر هذه المرحلة عادت الى تونس لتستقر نهائيا وتواصل نشاطها الفني التشكيلي والغناء ولم تتوقف عن الانتاج رغم قلة ظهورها وقلة بث اغانيها وقد علمت منها اخيرا انها عينت رئيسة لفرقة التخت العربي لمدينة تونس للموسيقى وسجلت ثلاث أغان جديدة للاذاعة الوطنية تنتظر البث. لكن يبدو مع الاسف الشديد ان هذه الفنانة والمطربة التونسية المتميزة لاتزال تشكو وغيرها من المطربين والمطربات الكبار من تواصل الاقصاء والتهميش وغياب الدعم المنشود والتشجيع المستحق من قبل وزارة الإشراف وزارة الشؤون الثقافية التي تراجع دعمها منذ سنوات للانتاج الموسيقي وحرصها على المحافظة على الطابع التونسي الاصيل للموسيقى والاغنية التونسية الامر الذي يستوجب الالتفات مجددا الى المطربين والمطربات التونسيين وايلائهم المزيد من العناية والرعاية باعتبارهم مكسبا للثقافة والفن التونسي اذا رمنا فعلا استرجاع مجد الاغنية التونسية والعربية المشرفة في تونس وخارجها..