ذ. بوزيان موساوي. وجدة/ المغرب
نص قراءتي في المجموعة الشعرية “عندما يعشق آدم” للشاعر المغربي عزوز العيساوي
تمهيد:
“عندما يعشق آدم”… هو زمن التحدي المصيري للانسانية جمعاء (؟).. هو زمن الخطيئة العظمى (؟) .. زمن القصاص (؟).. و زمن العبور الكبير(؟)، ليس بمعنى:
« La traversée »، أي تخطي مسافة ركام جغرافي و زمني بحدود معينة و ملموسة، و إنما بمعنى: « La grande trajectoire »، أي مسار كمرادف لمصير: قصة العبور الكبير، العبور من الجنة إلى الأرض.. أو من الأرض (في حالة الشاعر) إلى جنة أخرى.
و لأن التيمة الرئيسة، من بين تيمات أخرى، للمجموعة الشعرية ” عندما يحب آدم” تكرس هذا العبور الأبدي من “الأنا” الشاعر / العاشق.. للاستغراق في الآخر (الحبيبة/ المعشوقة)، و لأن للأنا العاشقة تمظهرات عدة في أدبيات دينية / صوفية، و فلسفية، و شعرية، و سيكولوجية، و تقافية تتشكل من تراكمات ذات طابع فكري، و عقائدي، و سلوكي…، ارتأينا تبني منهجية مختلفة تماما عن المتداول في المقاربات النقدية التطبيقية للنصوص الشعرية.. منهجية قراءة تشرك أكثر من قارئ مفترض (أغلبهم شاعرات و شعراء “مفترضين” من أكثر من قطر عربي) في محاورة نصوص “الديوان” بالإجابة على السؤال / الإشكالي المحوري (عنوان قراءتنا هنا):
كيف تتحول اللغة الشعرية إلى تأشيرة عبور من الأنا .. لأجل الاستغراق في الآخر؟
ستكون مقاربتي ـ منهجيا ـ إذن من وحي “نظريات جمالية التلقي”، عبر تقنية “العاصفة الذهنية” (Brainstorming):
1 ـ تفاعل القارئة / الشاعرة المفترضة من سوريا:
سألتني: اقرأ لي ما تراه من مفاتيح الديوان.. فقرأت لها هذا المقطع من نص: “تأشيرة سفر إلى عينيك” (ص. 53 ):
“… رتبي لي موعدا
لأرتب أحلامي لديك
امنحيني تأشيرة حب
(…)
انشري جناحيك لي ظلا
يقيني حرقة الانتظار
اجعلي أشواقك و أشواقي
رسائل سلام و جسرا معلقا
يحملني إليك…”
و في تفاعلها مع السؤال المحوري، و رؤيتي للديوان، و هذا النص، قالت:
هو نص “حرقة الانتظار” و “الشوق”.. محطة ما قبل “العبور” إلى الآخر.. عبور يلزمه “موعد”، و “تأشيرة حب”، و “جناحان”، و”جسر معلق”.. و هو عبور في “الحلم” (“لأرتب أحلامي لديك”) إلى الحبيبة… وظف الشاعر عزوز العيساوي لغة بسيطة متداولة مفهومة، لكن “زواج المفردات” منها في كل سطر (أو أكثر) نسج صورة، و قالت البلاغة كلمتها بلغة انزياحها: فللحبيبة جناحان يقيان الشاعر من حرقة الانتظار، و كأنها ملاك، له ظل… هي لغة الخيال تسرح، تسافر في ملكوت الحلم بحثا عن “عبور” ممكن ل “الاستغراق في الآخر”…
2 ـ تفاعل القارئ / الشاعر المفترض من فلسطين:
سألني: اقرأ لي ما تراه من مفاتيح الديوان.. فقرأت له هذا المقطع من نص: ” أسرج فوانيس ليلي” (ص. 35 و 36):
” أسرج فوانيس ليلي
بزيت الاشتياق
و أكسر دروب ظلي
بين متاهات و أنفاق
يخذلني الخطو…
(…)
أقلب بصري و أبحث
عن خيط الفجر الجديد…”
و في تفاعله مع السؤال المحوري، و رؤيتي للديوان، و هذا النص، قال:
تيمة “الظل” تلازم نصوص صاحبك، فتارة ظلها (الحبيبة)، و تارة ظله (الشاعر/ العشق).. و فزيائيا (حسب تموقع الشمس أو القمر فوقنا)، طالما يسبقنا ظلنا و كأننا نسارع لملاحقته، و طالما يصغر و يسكننا و لا يتحرك، و طالما يتخلف ليلحق هو بنا وراء ظهرنا.. جعل له الشاعر العيساوي في نصه هذا “دروبا” قابلة ل ” الكسر”، و كأنها مجرد انعكاس لشعاع في زجاج.. مجرد أطياف ليل..
استعار الشاعر عزوز العيساوي في الكثير من نصوصه الشعرية على طول ديوانه، كما في هذا النص، حقلا معجميا دلاليا بصور بديعية منها الطباق المعنوي (ليل و ظل و متاهات و أنفاق/ فوانيس و زيت و تكسير و خطو وبصر و فجر..) يصبو بحركية مقاصدها و رمزيتها إلى العبور عبر “دروب” و “متاهات” “العتمة” كما في “حلم / كابوس” إلى “فجر جديد” للارتماء في حضن الحبيبة…
3 ـ تفاعل القارئة الشاعرة المفترضة من المغرب:
سألتني: اقرأ لي ما تراه من مفاتيح الديوان.. فقرأت لها هذا المقطع من نص: “ذاك الأحمر القاني” (ص. 70 و 71):
“ذاك الأحمر القاني
الذي مسح سواد السماء،
و أطفأ نور و نار النجوم،
ذاك قمري الذي
أحدثكم عنه دوما
و أنتم عنه غافلون.
(…)
و كم عنه أخبرتكم و أنتم لا تصدقون،
قمري الذي أسكنه و يسكنني،
فلماذا عنه تسألون؟…”.
و في تفاعلها مع السؤال المحوري، و رؤيتي للديوان، و هذا النص، قالت:
شاعرنا عزوز العيساوي، من خلال هذا النص خاصة، يطلق العنان للغته الشعرية ل”عبور” من نوع آخر.. “عبور” في ملكوت “سماء الشعر” إلى “شريعة الحب”، فتراه:
أ ـ شاعرا رومانسيا بشبه (عبر “كناية”) صاحبته ب “ذاك الأحمر القاني”، أي “القمر” (“ذاك قمري”)، و يخلي السماء من كل نجمومها (” و أطفأ نور و نار النجوم”)، حبيبة بدون منافسة، هي وحدها العشق..
ب ـ شاعرا متصوفا وظف مبالغة في التشبيه المجازي جعل الحبيبة (القمر) تتربع وحدها على “عرش سماء الحب” (“الذي مسح سواد السماء”).. غلو في مغزى المعاني وصل حد “تأليه” الحبيبة، إذ تجاوزت هويتها مجرد بشر، وفاقت في قيمتها ” الجن” (وهي من نار): (” و أطفأ.. نار.. النجوم”)، و “الملائكة”(وهي من نور): (“وأطفأ نور.. النجوم”).. شاعر متصوف صاحبك لأنه ذكرنا بمقولة “الذوبان”، و “الحلول”، و التوحد”، و “التماهي”، حين يقول: ” قمري الذي أسكنه و يسكنني”..
ج ـ شاعرا يدعي النبوة في “شريعة الحب”، و نلمس ذلك من خلال تركيب جملي يشبه التناص، أو “الاقتباس الغير مباشر” من النص الديني (إن لم نقل من القرآن).. بعض جمل النص تشبه إلى حد بعيد مقتطفات من ” آيات” (“أنتم عنه غافلون”، و “أنتم لا تصدقون”، و “فلماذا عنه تسألون؟”..)…
و كأن السؤال الأخير (“فلماذا عنه تسألون؟”) إحالة على “الروح” (” و يسألونك عن الروح…”)، روح الحبيبة في “شريعة الحب”…
4 ـ تفاعل القارئ/ الشاعر المفترض من العراق:
سألني: اقرأ لي ما تراه من مفاتيح الديوان.. فقرأت له هذا المقطع من نص: “الأسطورة الخالدة” (ص. 41 و 42 و 43 ):
“(…) يسألنني عن أميرتي بلا حياء أو حذر،
و عن عنوانك و الوطن (…)
و عن خارطة الطريق إليك التي
إن عرفنها شاع عنك الخبر. (…)
لكني أخبرتهن أنك باريزية الثقافة و الحضارة،
أندلسية التاريخ،
مشرقية المنبت و المنارة. (…)
يكفيهن أن يعرفن أنك السلطانة و الأميرة.
و أنك شهرزاد عصري و الأسطورة الخالدة..”.
و في تفاعله مع السؤال المحوري، و رؤيتي للديوان، و هذا النص، قال:
يظهر جليا، و من خلال أكثر من محطة في الديوان، و من خلال هذا النص خاصة، أن “عبور” صاحبك
(الشاعر/ العاشق عزوز العيساوي) لا يكترث لمسافة جغرافية معينة، هو “عبور”، كما أسلف غيري، إلى “ملكوت حبيبة”.. حبيبة بهوية واحدة، و يأويها أكثر من وطن جغرافي، و تنتمي لأكثر من زمن، فهي “مشرقية المنبت و المنارة”، و “أندلسية التاريخ”، و “باريزية الثقافة و الحضارة”… حبيبة شاعرنا، صديقي، امرأة “استثنائية”، أليس هو القائل:
” و لأنك امرأة استثنائية
جعلتني رجلا استثنائيا مثلك،
كلماتي استثنائية
و قصائدي استثنائية (…)
استثنائية أنت في
حبك و حزنك و البكاء (…)
استثنائية حين تكتبين
فتبدعين و تغردين
حين تحضرين أو تغيبين
لأنك استثنائية
كان حبي لك استثناء…” ( نص “استثائية أنت”، ص. 31 و 32 ).
حبيبة شاعرنا، صديقي، ليست مجرد أنثى ملهمة.. هي “أسطورة” من صنع الخيال، هي “كائن ورقي” من صنع اللغة و البلاغة.. هي “شهرزاد” تحكي لكي لا تموت… هي الشاعر: يكتب، إذن هو موجود…