ذ. الكاتبة والشاعرة لطيفة الغراس/ مكناس
ذات يوم قلت لتلاميذ الأقسام العلمية،إنكم من سيحمل مشعل العلم واللغة العربية،ولكن بالمحافظة على قيم الخير،لأن العلم قد يسخر للشر ولاستعباد الضعفاء،وأتيت لهم بنص من مجلة المختار يتحدث عن الاستنساخ الجيني وعن حرب الجراثيم،وما يمكن أن يحدث من تجاوزات تهلك حضارة الإنسان على الأرض،فبالعلم والتدخل الجيني قد تُصنع جيوش،دون عواطف ودون أي تفكير!
وسألتهم هل يمكن أن تستغني الحضارات عن الدراسات الإنسانية؟ كيف يمكن أن يتطور العلم دون خيال أدبي، يعيد صناعة التاريخ ؟ ألم يسبق الأديب العالمَ في تصورلكثير من المخترعات؟ تعجب بعضهم،ولم أترك لهم فرصة الاستغراب،وأردفت قائلة : هل قرأتم حكاية علي بابا ؟ كيف كان يفتح باب المغارة؟ أليس بالصوت،قالوا نعم،هل قرأتم عن بساط الريح في الحكايات القديمة؟ كل خيال الأدباء تحول إلى مخترعات علمية! العلم والأدب متكاملان،نوابغ العالم عملوا في المختبرات ونوابغ هارفرد في الأدب صنعوا السياسة وحكموا العالم!
وأنا معجبة ببعض السياسات التعليمية الأنجلو سكسونية،لأنها تدرس مواد التخصص،وإلى جانبها مواد للتفتح الحضاري،مثل دروس الحضارة،دروس التاريخ،تاريخ المعمار عبر العصور،اللغة والأدب. وبهذا فالطالب يتلقى أسسا ينفتح بها على الفكر ولا يتحول إلى آلة علمية دون لغة! التواصل يحتاج للغة واللغة وعاء الفكر،ولهذا عليكم تنمية مهاراتكم اللغوية من أجل التواصل وتغيير العالم،وأمامكم أمثلة لا حصر لها وهي خطب السياسيين،وما فيها من حيل التواصل المؤثر في نفسية الجماهير،هل تلك الخطب مجرد رموز علمية ومعادلات،أم هي فن الكلام في مخاطبة الناس!
أكبر خطأ أن نتصور أن التلميذ الموجه للدراسة في الشعب الأدبية،هو من لا يصل إلى معيار الجودة في التحصيل ! هذا التصور البليد قادنا لسياسة تعليمية فاشلة ! هل سمعتم عن أبناء السياسيين الكبار،تخصصوا في العلوم التي لن تمكنهم من مواصلة السير في درب التحكم والتسيير؟
العلم والأدب متلازمان،طبعا إذا كانت الغاية هي التكوين الجيد.
أثناء اجتيازي لامتحان في مادة التاريخ بكلية الآداب،سألني الأستاذ وعي أربعة طلاب،عن مفهوم القومية عند جمال عبد الناصر،طبعا السؤال لا علاقة له البتة بمقرر التاريخ ؟ وأعجبت بذكاء الأستاذ ومعياره في ربط الأحداث بدل ترديد ببغاوي للدروس،ومن حسن الصدف أنني كنت أنتمي للاتحاد العام لطلبة المغرب وكنت أتابع تدخل الرئيس جمال عبد الناصر في اليمن باسم القومية فأجبت انطلاقا من تصوري وما أومن به،دون خوف ولا وجل،ورأيت ابتسامة غير واضحة المعالم على وجه المُمْتَحِن،وصرفني وبقي باقي المُمْتٓحَنِين في صمت مطبق.
التكوين الجامعي ليس ( بوليكوب) أضمومة فقط! كنت أنزل من ظهر المهراز للمدينة القديمة وأشتري أمهات الكتب،ولم أعتمد فقط على دروس الدكتور شكري فيصل ولا أد الطرابلسي ولا صالح الأشتر وعلى باقي الأساتذة الذين كانوا لم يدخلوا تصنيف الدكاترة.
أن تتصدق بسمكة كل يوم،ليس هو ما يصلح حالة المحتاج،والبقية أنتم على علم بها،كان يدرس معي مبارك بودرقة وعبد السلام بودرقة وكنا نخرج زرافات من ثانوية النهضة وكنت إذا قدمت صدقة،ينظر إلي مبارك ويقول أنت ( أالسليمانية هذه سيئة وليست حسنة)،وكنت أجادله أنا والمرحومة فاطمة حميش بقوة بعد أن بقينا في صفوف حزب الاستقلال، وغادر هو إلى الاتحاد المغربي للقوات الشعبية.
كان يقول تأخير التغيير يبدأ بالتصدق على الفقراء،ولم يكن يعلم أن التجهيل والتأخير سيأتي من منظومة التعليم وقد تناوب عليه أناس من جميع الأحزاب..!