الشاعرة فضيلة الشابي/تونس
أقول لسالخ الأثر الشّابّيّ من لُغته
نقول لناقل الأثر الشّابّيّ مِن لُغته إلى زمن نثرّيّ ممجُوج، لا تقترب مِن أحرف الشُّهُب قد تُحرق بوهج نُورها.
هل طال السّطْوُ والاستهانة بإنتاجنا الفكريّ فأمسى يُسلخ مِن لُغتِه كما يُسلخ الجسدُ من جلْدِه؟
لن نسمح نحن كتّاب العربيّة وكاتباتها بمختلف أجيالنا أن يُعبث بأدب أبي القاسم الشّابّي شاعر تونس الخالد وابن اللّغة العربيّة الفذّ وبأدب رموزنا الآخرين. لن نسمح لهذا الحقد الأسود على لغتنا العربيّة بأن يعِيث فسادا في إنتاجاتنا الفكريّة. أبَعْد السّطو عن ثرواتنا الطّبيعية يقع السّطوُ على إبداعاتنا.
يا ناقل الأثر من لُغته إلى زمن نثرّيّ ممجُوج، اللّغة العربيّة فكر، اللّغة العربيّة ملْك لمئات الملايين من البشر المُنتِجين للمعرفة قدِيمها وحديثها والرّاهن.
لَكَم قاوم أبو القاسم الشّابّي في حياته قُوى الرِّدّة في وطنه تونس وها هو ذا اليوم يقف غاضبا ساخطا – إذ الشّعراء الأفذاذ لا يموتون- ضدّ قوى تعمل على إقصاء اللّغة العربيّة وإفراغه منها، أي من فكرها.
أيُراد لثقافتنا التّونسيّة التّشويه المتعمّد لإنتاجها الفكريّ أن تُمسيَّ ثقافة شفويّة كثقافة بعض قبائل الأدغال؟
على وزارة الثّقافة أن تقف بالمرصاد لمثل هذه الجرائم التي تطال تراثنا الرّمزيّ بالانقضاض عليه والاستهانة به.
يا سالخ الأثر من لُغته.
يا ناقل الأثر الشّابّيّ من لُغتِه إلى زمن نثريّ ممجُوج، تصُمُّ أذنيْك عن سماع (أغاني الحياة) عن لغتها العربيّة المحمّلة بالمعنى، بالذّوق والشّوق وبالحكمة المتغنّية بجمال العالم وبعمق الوجدان الإنسانيّ. هذه لغتنا العربيّة، لغة بلَدي تونس ولغة شعبي تخبرك أيّها الغافل أنّها حيّة كأقصى ما تكون الحياة، يَسري نسغُها في النّسيج الحيّ وأنّها ما تنفكّ توسّع روافدها الحضاريّة.
ثمّ تقول:
“أنا لغة الضّاد
أنا لغة الانسجام والتّضادّ
اللّغة الضّائعة في التّحوّل
وأنا اللّغة المتفكّرة
المروّضة للّيل إذ يتوحّش
المكسّرة للّيل إذ يتكلّس
أنا اللّغة المولّدة للفجر إذ تنفّس
أنا اللّغة – الضّحى، اللّغة الضّاحكة
أنا اللّغة الحبّور
أنصتوا إنّه الشّحرور يشدو على جُملي
أنا لغة الحبّ، لغة الوجد، أنا اللّغة الوجود
أنا لغة العبور من الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة
من برد الجهل أقيكُم بنسيج أزماني
أنا لُغة الحدائق، لُغة الثمار والفاكهة
وأنا اللّغة الضاحكة
أنا اللغة الراّئية
أنا اللّغة الآتية
أنا اللّغة المتحوّلة بكم فيكُم
عيون أفكاري فجّرتها منكم
‘متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا’
نجم يضيء مدائنكم
أنا قمر الضّاد الذي يُنير لياليكم
حضارة الكلمة ما وُئدت تظلّ على تخوم أسفاركم تنمُو فلا تنسوْا انكم مني ولغتي حية بكم فيكم
(من كتاب حروب حرباء – شعر فضيلة الشّابّي عن دار ميّارة للنشر والتوزيع – 2018)