أ د أحمد بقار جامعة ورقلة الجزائر
كثيرا ما يحتاج الإنسان إلى ساعات صفاء روحي أمام هذا التكلس الواقعي الرهيب ، الواقع الذي لا يسعف الفردَ في الاتزان مع نفسه و روحه و عقله ، واقع يبعث إليه التوتر في كل آن و حين ، واقع في الحقيقة لا يشجع على الاطمئنان الفكري أو العاطفي ، لذلك فإن القلق في مجتمعاتنا هو الروح الشريرة التي تفرض نفسها في كل حديث ، و في كل عمل ، و في كل تناصح ربما ، و في هذا الزمن القاسي تمر الأيام سراعا و لا يستطيع الواحد منا حتى أن يحك جلدة رأسه ، ناهيك على الجلوس مع نفسه و لو قليلا …
تفطن كبار أهل الفكر و الفضل قديما إلى الخلوة مع النفس و سماع حديثها و نجواها و آلامها و آمالها و معاصيها التي تكبلها ، حديث الخلوة خزانُ طاقةٍ رهيبٍ ، و نور للإنسان المكبل في الجلوة ، الخلوة و طاقاتها الساحرة قوة للجلوة في مجابهة كل التحديات في المحيط ، و تجعل الفرد يتماسك أمام الهزات بشتى أنواعها و تبقي الرأس حليما و القلب واسعا و النفس عميقة .
ما أجمل أن يجرب الإنسان الخلوة إلى روحه أحيانا بعيدا عن الضجيج المادي و المعنوي ، خلوة يراجع فيها كل التفاصيل ، و يضرب بعصا اللوم على كل تقصير ، و يرش بالماء الطهور ذنوبا كبلت الروح ، و يمنح ماسا ثمينا لكل فعل طيب جميل ، و يتجدد ماسحا ما اعتلاه من غبار الهموم و الغموم و الأوجاع ، و يخطط بروح يزينها الصفاء و النقاء لقابل أيامه ، تجعله ينظر بوضوح للدقائق و الثواني التي يمتصها الزمن من حياته التي تمر سراعا .