بقلم : الدكتور العيد بوده
إنه أستاذي الحبيب، سليل الأجاويد الأماجد من آل التيدكلت :
اسمه محمد بن محمد الأمين بن منوفي، وهو من مواليد قرية أقبلي بولاية أدرار، خلال العام المبارك الذي صادف اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، سنة 1954م، وقد نشأ في عائلة دينية محافظة؛ فوالده محمد الأمين معلم قرآن، وقد تلقى على يديه مبادئ اللغة العربية ، ثم حفظ القرآن الكريم بِكُتَّابِ أقبلي على يد الشيخ الحافظ لكتاب الله عبد الرحمان بن مالك، أحد العارفين بعلوم اللغة و التجويد. ثم واصل تعليمه الديني على يد عمه الطالب بن منوفي عبد الله المعروف بالطالب المنوفي الذي كان إماما لمسجد الركينة بأولف وكان على درجة عالية من الورع والتقوى، مما جعله يكسب ثقة الناس فقدموه في أمورهم مثل تحرير عقود المعاملات، وضبط حسابات الفقارة، تقسيم التركات والحفاظ على ودائع الناس وأماناتهم. إضافة إلى فك الخصومات وإقامة الصلح بين الناس. وكانت له علاقات وطيدة بأعيان وعلماء المنطقة الذين كانوا يتبادلون معه الزيارات.
ثم واصل د. بن منوفي دراسة المتون الفقهية والأحديث النبوية على يد الشيخ أحمد بن مالك – قيِّم زاوية الشيخ بلعالم محمد باي- وهو ابن شيخه عبد الرحمان. وقد كان أستاذي الحبيب على اتصال دائم بالشيخ باي بلعام رحمه الله، حيث كان يحضر حلقاته العلمية، والثقافية.
التحق بإبتدائية أقبلي التي ظفر منها بشهادة التعليم الإبتدائي سنة 1960م، ثم شهادة الأهلية المتوسط بمتوسطة عين عين المعروفة حاليا بإكمالية محمد بن عبد الكريم المغيلي، خلال الموسم 1969-1970 م، ثم واصل تعليمه الثانوي بدائرة المنيعة، واجتاز امتحان شهادة البكالوريا في ولاية ورقلة ، وكان بفضل الله من الظافرين بالشهادة في شعبة الآداب.
شارك في مسابقة أساتذة التعليم المتوسط ،التي أقيمت بالمعهد التكنولوجي لتكوين اطارات التربية بولاية ورقلة، ثم انتقل بعد نجاحه فيها إلى المدرسة العليا للأساتذة ببوزربعة (الجزائر العاصمة)، أين تكون لمدة سنة كاملة كاملة مع مجموعة من طلبة الجنوب على غرار؛ قاسمي عبد المجيد من تمنراست وعقباوي الأمين الذي يشغل حاليا مدير ثانوية في رقان، والأستاذ عوماري وآخرون.
وقد كان من المتخرجين الأوائل في دفعته، بشهادة أستاذ التعليم المتوسط، حيث احتل المركز الثامن عشر من أصل مائة وعشرين متخرجا، وقد تم تخيير الخمسين ناجحا الأوائل بين الالتحاق بالجامعة أو التدريس في المتوسط، لكن أستاذنا القدير اختار الالتحاق بالجامعة المركزية لاستكمال مرحلة الليسانس وكان ذلك عام 1978م.
وقد درَّسَه آنذاك أرمادة من أفاضل الجامعة الجزائرية من قائمة علي بن محمدوزير سابق للتربية في الجزائر،و محمد ناصر و الدكتور الخلوي و عبد الحميد دودو و عبد الله الركيبي الذي أهداه كتاب القصة و الدكتور حمرونيو الدكتور محمد مصايف. الذي روى لي الدكتور بن منوفي أنه كان يقدم له نقدات عدة في كتابه عن المرصفي، فقال له د.مصايف مادحا: يا محمد أراك ناقدا قبل أن تقرأ النقد.
وبعد مسيرة أكاديمية جادة تحصل دكتورنا على شهادة الليسانس في الأدب العربي سنة 1982م، عن جامعة الجزائر، ثم شرع بعد ذلك في تحضير ملف الدخول إلى مرحلة مابعد التدرج الموسومة بالماجيستير، التي تم قبوله فيها إثر دراسة ملفه التي أسفرت عن معدل قدره 12.75. وقد نجح معه ستة طلبة من قائمة: بن زروق، ومحمد ساري، ومحمد الحباس، والسيدة بشي.
أما موضوع رسالته الماجيستيريالية التي ناقشها سنة 1988م، فكان موسوما بـ : دراسة تحليلة نقدية في شعر حسان بن ثابت، بإشراف د.موهوب مصطفاوي. الذي ترك الجامعة لظروف معينة، فاضظر أستاذي إلى تغيير مشرفه، وموضوع بحثه، الذي عنونه بـ: ابن سهل الأندلسي حياته وشعره. وإن مما ميَّز رسالته تلك، هو محاولة إثبات إسلام ابن سهل ، فقد قيل أنه كان يهوديا، وأنه رمز لليهودية في إشبيلية، لكن الباحث بن منوفي دافع عنه، وقال أنه كان يكتم اسلامه لظروف بعينها، وقد اقترح عليه الأستاذ درارجة –أحد مناقشي الرسالة- مواصلة بحث هذا الموضوع في أطروحة الدكتوراه. التي جاءت موسومة بـ: دراسة أسلوبية في شعر ابن سهل الأندلسي، بإشراف د. صلاح عبد القادر، وقد ناقشه فيها: د. عروج رئيسا، و د. بغورة مولود ممتحنا، ود. درواش مصطفى ممتحنا. ود. قيصر مصطفى ممتحنا. الذين اتفقوا على منحه شهادة دكتوراه دولة، بدرجة مشرف جدا. عام 2006م، ثم نصحه د. بغورة بطبع الدراسة؛ لأنه استطاع من خلالها أن يثبت إسلام الشاعر.
إنها مسيرة علمية مشعة تقاسمتها ربوع الوطن المختلفة، عبر رحلات بدأها الدكتور منذ يفوعه، مرابطا على ثغور السفر في سبيل العلم والمجد، وكذلك كانت مسيرته المهنية التي بدأها بالتدريس في الطور المتوسط خلال مرحلة الليسانس(1979-1982م) في بئر توتة التى قضى فيها أربع سنوات؛ ثلاث منها للتدريس، وعام واحد في منصب مراقب عام.
ثم استجاب كغيره من شباب الوطن لنداء الواجب الوطني، فانخرط في أداء الخدمة الوطنية سنتي 1983-1984م، حيث قضاها مدرسا في إطار الخدمة المدنية في الطور المتوسط بمنطقة الدويرة (العاصمة)، ثم انتقل للتدريس في الطور الثانوي بعد إنهاء الخدمة الوطنية، ومكث بذات المنطقة، عامي.1985-1986م.
ليتم توظيفه في قطاع التعليم العالي، في منصب أستاذ معيد في قسم اللغة العربية، الجزائر العاصمة، خلال الموسم الجامعي 1986- 1987 م، لينتقل في الموسم الموالي إلى ولاية تيزي وزو، وأقام بها زهاء عقدين من الزمن أستاذا بمعهد الأدب العربي (1988- 2006م).
في رصيد الدكتور منجزات وأعمال وهاجة، فإلى جانب عمله أستاذا للتعليم العالي ( أعلى درجة علمية في الجامعة الجزائرية)بكلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية جامعة الجزائر 2 ( قسم اللغة العربية وآدابها- الجزائر العاصمة ).تخصص النقد القديم في جامعة الجزائر، فقد درَّس أيضا في جامعات وطنية أخرى بوصفه أستاذا زائرا أو مشاركا، على غرار جامعة مولود معمري بتيزي وزو
وجامعة المجاهد أق أخموك بولاية تمنراست، وجامعة أدرار
ناهيك عن الإشراف على العديد من بحوث التخرج الجامعية؛ من مذكرات ليسانس وماستر ورسائل ماجيستير وأزيد من عشرة أطاريح دكتوراه، يُضَاف إلى هذا عضوياته في هيئة التحرير لدى العديد من المجلات العلمية الاكاديمية المحكمة كمجلة.حوليات بجامعة بشار، و مجلة الآداب واللغات بجامعة الأغواط .و مجلةالأثر بجامعة ورقله. ناهيك عن مشاركته العديدة في جميع ملتقيات أدب الثوره التي أقيمت في جامعة تيزي وزو، وملتقيات أخرى بجامعة أدرار وجامعة بشار ، وجامعة الجزائر ، وجامعة تندوف وجامعة ورقلة ، وجامعة تمنراست .
كما حقق قصب السبق في ترأس أول ملتقى وطني يعقد في مدينة أولف منذ الاستقلال سنة 2013 م ، بإشراف وزارة الشؤون الدينية، وتحت وصاية والي ولاية أدرار، وهو الملتقى الموسوم بـ: الشيخ الإمام بلعالم محمد باي حياته وآثاره.
لأستاذي الحبيب عدد من المؤلفات المطبوعة، وهي:
– ابن سهل الأندلسي حياته و شعره – ملامح اسلوبية في الشعر الأندلسي
– دراسة تحليلية في شعر جرير – دراسة تحليلية في شعر الفرزدق
– شرح و تعليق على ديوان طرفة بن العبد – دراسة تحليلية للشاعر القبلاوي ابن سيد الحاج
كما له كتب تحت الطبع، وهي :
– الشيخ باي بلعالم شاعرا و أديبًا – شعراء أقبلي في الماضي و الحاضر
– نبذة تاريخية عن قبائل الانصار في منطقة توات.
ألا يحق لي أن أفخر بمسيرة وازنة طرازها الصبر، وقوامها الجدية والعمل الدؤوب؟ ألا يحق لي أن أفخر بكوني تشرفت بالجلوس على أعتاب سيدي الجليل البروفيسور بن منوفي على سنوات التدرج بالجامعة المركزية بن يوسف بن خدة بالعاصمة، حيث درَّسني مقياس الأدب الجاهلي؟ ألا يحق لي أن اعتز بإشرافه على مذكرة التخرج التي نلت عنها شهادة الليسانس عام 2012م؟ ألا يحق لي بعد كل هذا أن أفخر بجلوسي إليه في مناقشة أطروحتي الدكتورالية بجامعة ورقلة حيث أكرمني خلالها بتوجيهات ثرية، ونقدات ثاقبة أشكره عليها، وعلى ما سبقها من أفضال أسبغها علي مذ عرفته نهاية سنة 2008م؟ يقينًا يحق لي ذلك وزيادة .
تلميذك وابنك الذي يقبل جبينك ويدك، ويسير على نهجك وخطاك. بوده العيد