د. الكاتب سعاد الفقي
إنّها الحرب العالمية الثالثة. حرب مختلفة عن كلّ الحروب السابقة. حرب ناعمة بطلها فيروس صغير حقير لعين لا لون له ولا رائحة ولا يرى بالعين المجرّدة ولكنّه يسبب وباء ينتشر بسرعة ويزرع الموت الزؤام. يطال الغنيّ والفقيرالرجل والمرأة الصغير والكبير الأبيض والأسود المؤمن والكافر لا يفرق بين حاكم ومحكوم.
لا يفرق بين البشر وكأنّه في مهمّة لإفنائهم جميعا.
إنّه الكورونا وباء خارق للقارات لم تلجمه قوانين ولا دساتير ولا معاهدات ولا حدود ولا قمارق. انه الكورونا غيّر خارطة الأحداث وأصاب العالم بزلزال على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. زعزع المفاهيم وكوّن أنماطا من الحياة لم يعهدها البشر.
وحيثما حلّ الكورونا نشر الخوف والذعر والإرهاب.
هو إرهاب من نوع جديد. فالارهابيّ العادي يتمنطق بحزام ناسف أو يمسك بقنبلة يفجّرها في مكان ما فتحصد بعض الأرواح ويبيد على اقصى تقدير قرية أو حتّى مدينة مثلما حدث في هيروشيما أو ناكازاكي باليابان. لكن الإرهابي كورونا يستهدف الكون. العالم بأسره. لا فرق عنده بين الصين وأمريكا، وأوروبا وله فيالق وكتائب وصولات وانتصارات في كلّ ربوع المعمورة.
انتشر الرعب وعمّ البلاء وو قف الانسان عاجزا أمام هذه الجائحة التي هدّته وأذلّته
لقد قدر الفيروس اللعين على ما عجزت عليه أعتى الدكتاتوريات المدججة بالسلاح والعتاد فقد أوقف الحرب في ليبيا وسوريا واليمن أوقف الحراك في الجزائر نصر أصحاب السترات الصفراء في فرنسا ومكّنهم من مطالبهم المتعلّقة بالتغطية الاجتماعية. ألزم الشركات الكبرى بتخفيض أسعار المواد الأوليّة وكبّلها خسائر ثقيلة. أقفر الحرم المكي والحرم المدني. واغلق دور العبادة. أقفر الطرقات لا في مدننا الصغرى بل في العواصم التي كانت لا تنام ليلا نهارا في القاهرة ومنهتان وووول ستريت. صارت مدنا تتجوّل فيها الأشباح. شلّ الملاحة الجويّة فخمد هدير الطائرات وربضت في المطارات هامدة. سبب خسائر خيالية للبورصات والاقتصاد العالمي الجائر. عزل العالم وأجبر الناس على البقاء في بيوتهم
فرّق الكورونا بين المرء وأخيه بين أمه وبنيه وصاحبته وذويه. وأجبر الناس على حجر صحّي ألزمهم البقاء في البيوت كالفئران صاغرين خائفين.
وقفت البشرية عاجزة عن التصدي لهذا الفيروس المستجد لأنّها لم تجد له لقاحا وقائيا ولا علاجا شافيا. وقفت البشرية حائرة ذليلة مهزومة أمام هذا العدو اللابس لطاقية إخفاء.
2/2
أن تواجه عدوّا تعرفه فهذا يمنحك القدرة على التفكير ورسم خطة للهجوم أو الدفاع حسب الظروف والمواقف أمّا أن تحارب عدوا لا يرى فهذا يجعل الهروب – بما فيه من مهانة- هو الحلّ.
لزم الناس بيوتهم يُتخمون ممّا تكالبوا على اقتنائه وتكديسه من المواد الغذائية وينظرون الى المستقبل بريبة وشكّ لا يدرون ما هم فاعلون إن أخطأهم الموت الذي لا يخطئ أحدا ولو كان في بروج مشيّدة.
اعتبر البعض هذا الوباء أحد جنود الله جاء ليصفع الإنسان ويوقف استهتاره ولا مبالاته بما حقّقه من ظلم وعتوّ في الأرض وفساد وتلوّث. هذا الإنسان الذي انتشى بانتصاراته العلمية وما وصل اليه عقله من اختراعات سيطر بها على الكون إثر الحرب العالمية الثانية. فادعى الألوهية واستقوى بالمادة. فطغا وتجبر هازئا بآلام المحرومين والمستضعفين ينهب خيراتهم ويصنع الأسلحة ويطورها من أجل القتال والاستيلاء على الخيرات ويدفع الحكام الغفّل الى شرائها وتخزينها على حساب قوت شعوبهم بلا رحمة. يلقي بفائض محصوله الفلاحي في البحر وفي بقاع من الأرض ويموت أخوه جوعا حتى يحافظ على اقتصاد السوق.
غدا ينجلي الكابوس لأنها سنّة الكون. وستفقد الأرض الكثير من البشر وستسترجع عافيتها وصفاءها وبهاءها. وسيكون أمام النّاجين أن يبدؤوا من جديد وبقيم جديدة. تكون فيها الأولويّة للعلم سيعطي الأولوية للبحث العلمي وسينكب على إيجاد السلاح الذي يقيه من الفيروسات التي اثبتت أنّها أقوى من الهاون والكلاشنكوف وغيرها…
سيستردّ الإنسان انسانيته بعد أن أوغل في التوحش والحيوانية سيلفظ الباقين والناجون الجشع والأنانية ويؤسسون لعالم أجمل بلا ديمقراطية ولا كذب على أذقان الشعوب بلا وطنيّة يهدر من أجلها الانسان حياته ليوصل فاسدين جُدد الى سدّة الحكم. ستكون الأرض للجميع والخير للجميع والأمان للجميع. وتنتصر قيم التآخي والتآزر ويرجع الإنسان الى الله
سعاد الفقي تونس في25 مارس2020