بقلم: إبتسام عبد الرحمن الخميري/ تونس
“تجاعيد آسرة” هي مجموعة قصصيّة ضمّت تسعة عشر أقصوصة يمكن لنا تصنيفها بالقصص الواقعيّة حيث أنّها تجتمع كلّها حول عناصر توحّدها و تجعل منها قاسما مشتركا و هي المعاناة الإنسانيّة الوجوديّة،
إنّ مجموعة “تجاعيد آسرة” تتجاوز الزّمان و تكسر حواجز المكان فترسم لنا بلغة سلسة رغم بساطتها، آلام الإنسان أينما كان و في كلّ زمان تقريبا بالنّظر لواقعنا العامّ إجمالا، فهي مكتنزة معان عميقة غاية في العمق…
إنّنا آلينا على أنفسنا تقديم هذه الملاحظات بعد القراءات المتعدّدة و المختلفة في الزّمان( من سنة 2016، بعدها سنة 2017 ثمّ سنة 2019 كآخر فترة ) و تأكّد لنا رسمها لكلّ الآلام في كلّ الأزمنة… و سنغوص في بعض اللّوحات الّتي قدّمها لنا الكاتب “محمّد الكامل بن زايد”. مفردة : تجاعيد جمع “جَعْدَةٌ” كما في معجم “المعاني الجامع” يقال برزت تجاعيد في وجه الشّيخ ظهرت فيه غضون، ما ظهر على الوجه من خطوط و غضون سطّر العمر تجاعيد وجهه.
مفردة: آسرة، هذه التّجاعيد لم ترد في المطلق بل هي آسرة، أَسِرَ: قبض على شخص و أخذه أسيرا، بهذا المعنى نلمس أنّ الكاتب أراد القبض على خطوط العمر و تقديمها إلينا كمن نبش الغبار عن مشاعر مركونة أعطاها قيمة حين كتبها و لعمري هي كذلك.
“إنّها أثر أدبيّ نقف عنده لنزداد معرفة بالحياة” و الكلمة للنّاقد “حبيب مونسي” فالمجموعة القصصيّة “تجاعيد آسرة” هي تجاعيد مفزعة و غريبة، هي رسوم قد يكون الكاتب عاشها لكنّها متّصلة شديدة الاتّصال بالإنسان أينما كان، بغضّ النّظر عن مكان إقامته، فكانت لنا رحلات من الجزائر إلى تونس و مصر و كذلك فلسطين و غيرها من الأماكن العربيّة الطّافحة أوجاعا…
و كان للطّفولة مكان مهمّ بين القصص فالكاتب لم يهمل تواجده المحوريّ بين سطوره، حيث بدا لنا في صور مختلفة، إنّه الطّفل الصّغير الّذي جرفته المياه إلى الشاطئ غريقا (ص 14) و دعوة للاهتمام بأطفال فلسطين حين قال: ” سيّدي أيّها الصّحفي… يا من تملك القدرة على إيصالها إلى العالم… أرجوك أن تكتب بكلّ لغات العالم قصّتهم.” (ص 19)
و نجد حضور الابن/ الأبناء/ ابنتي/ طفلتك الصّغيرة في قصّة “وجه كرتوني” ( ص43 -44) و هو ما يبرز لنا قيمة العائلة عند الكاتب و مدى تعلّقه بهذا الراّبط المتين… و ذلك ما يفسّر لنا في المقابل الخوف من الفقد، حيث يمثّل الرّهبة العظمى عنده فهو الّذي فقد عقله في قصّة “حلم، إغفاءة… للبيع، و الخوف من فقدان الأمّ في قصّة السّتار (ص 34- 35) أمام هذه المرارة و الخوف و الحيرة الّتي تلبّسها الكاتب نجده قد كشف عن بعض الآمال و الأمان لهذه الحياة المعتمة إن صحّ القول، فهو القائل: “ما زال فيّ ما يَفرحُ… ما زلت قائما.” (ص 46) و ذلك لوجود السّند في الحياة: هو الابن، فهو الضّوء بما يرمز إليه من أمل و رغبة في العطاء و التّضحية في سبيله، فالكاتب يواصل تأكيد قيمة السّند خاصّة الأبويّ إذ يقول: ” لم يجد حرجا في أن يبتسم ابتسامة تشبه ابتسامة والده من قبل.”(ص 11) رغم وقوف الآخر بلا حراك، فالآخر هو مصدر الوجوم و الخوف لأنّه بلا قرار.
كما تبرز لنا قيمة أخرى بين هذه القصص: إنّها الضّحك و السّخرية من القدر مؤكّدة في قصّة “شفاه صغيرة” فبالرّغم من أنّه “الموت الحرّ” إلّا أنّه يبقى بصيص أمل… يشتاق إلى حكاية جميلة من الزّمن المرّ ( ص26)
على هذا الأساس، نستنتج أنّ الكاتب في “تجاعيد آسرة” يضع لنا أرجوحة لنعتليها، هي الأمل و اليأس، الأسى و المعاناة، الظّلمة و الضّياء، فبذلك يصرّ لنا “عيناي تحلم بأفق بعيد”. أفق متماوج بين الماضي و الحاضر، بين الجذور و ما يرمز إليه من أصالة و تراث… و بين حاضر متّصل به لأنّه الواقع الّذي لا مفرّ منه، هو الصّراع بين قيم مندثرة تربّينا عليها و أخرى عمّت الأمكنة اليوم: كالفساد و الحاجة و الخصاصة…
“تجاعيد آسرة” مجموعة قصصيّة عبارة على مجموعة من اللّوحات الفنيّة لمشاهد طبيعيّة أعادت رسم الواقع و أجاد كاتبها الرّسم مستعملا لغة سلسة بسيطة يسهل على المتلقّي فهمها و استيعابها بما تحمله من دلالات و رموز و هو الشّاعر الّذي برع في الرّسم…
هل تراه يبحث عن واقع أجمل؟؟ هل تراه يسلّط الضّوء لإيجاد حلول؟؟ فهل من حلول فعلا؟
و تبقى “تجاعيد آسرة” بوّابة أخرى لنوافذ مترعة حكيا…