الكاتب و الناقد: إبراهيم الأعاجيبي / النجف
يأخذنا الكاتبُ كعادته إلى سبرِ أغوار النفس من الداخلِ والولوج إلى عالمها الفسيح, هذه المرةُ تدور الرواية عن المرأةِ بكلِّ إرهاصات حياتها وصراعها من أجلِ أن تثبت قدرتها وكفاءتها في مجتمعٍ لا يقبل أن يتساوى الرجلَ مع الأنثى, قصتها مشوقة وذات بعد إنساني مونودرامي, المرأة تتقلب في دوامات كثيرة في فترة حياتها, كُتبت القصة بلسان السارد العليم الذي يعلم كل شاردة وواردة عن شخصياته التي انتقها ورتب أدوارها ومواقعها بحسبِ وعيه المعرفي, البطلة تتقلب كدمية تُحركها الأهواء والشهوات, وتفرض عليها الحياة أن تكون أنثى مقهورة مظلومة ليس لها إلا أن تكون شهية طرية لزوجٍ يشبع نهمه منها, عالجت الرواية مشكلة المرأة العربية عموماً من خلال شخصيتُها المحورية التي قامت مجمل الأحداث لها, أرادَ الكاتبُ أن يعطي مفهوماً آخر للمرأة ودورها الريادي في الحياة, هذه البطلة تحب ولها مشاعر لكنها تتزوج شخصاً يسومها الذل والهوان ويجعلها تكرهه وتمقت العيش معه, وتتقلب في تقلبات شتى, لأنها تزوجته قسراً ولم تعش معه كثيراً فسرعان ما ينتهي هذا الزواج بالطلاق, كانت مقيدة في كل شيء حتى بأنفاسها, أرادت أن تستنشق عبير الحرية وأن تدخل إلى فضاءها الواسع لكن أنّى والظروف لمّا تسمح لها, وعندما تكون أمُاً فإنها أرادت أن تعيش لابنتها وتكون أماً صالحة لهذه البرعمة الصغيرة, تتعرف على عدد من الرجال بحكم طبيعة شخصيتها, هي طالبة للماجتسير وعليها أن تستعد للدكتوراه, كان أستاذها المشرف شخصية مهمة ومؤثرة عندها رغم هامشية الشخصية إلا أن الكاتب جعل لها دور في نفسية البطلة, البطلة تخوض امتحانات عسيرة ومريرة, فهي بحاجة إلى الاستقلال المالي وبحاجة إلى الاستقلال الشخصي, عندما تحررت من زوجها الذي لم تألف العيش معه ولم تتحمله, المرأة نهضت وحررت نفسها بنفسها, كانت ترى الحجاب عائقاً فقامت بخلعه وبدأت حياة جديدة تلائم ما ترغب أن تكون عليه, ثلاثة من الأشخاص كانوا معجبين بها ويريد كلٌّ منهم أن يحظى بحبها والزواج منها إلا أنها كانت تميل لأحدهم دون الأخرين, هذه المرأة استطاعت أن تجد عملاً والذي وفرَّ لها هذا الاستقلال المالي الذي ترغب أن تحصل عليه, وذلك بأنها عملت في شركة معمارية وهذه الشركة كانت خير عون لها على مواجهة الصعاب التي مرت عليها في حياتها, غيرت مسكنها القديم وسكنت في منطقة جديدة أنظف وألطف وأحلى من مسكنها القديم, كانت الخالة توحه هي صندوق أسرارها الوحيد الذي تعرب لها عن كل ما يفرحها أو يحزنها, كان اسلوب الكاتب مشوقاً لدرجة تشدَّ القارئ إلى مواصلة القراءة وتتبع سير الاحداث حتى نهاية القصة, الكاتب لها اسلوب إنفرد به, البطلة تقلبت تقلبات شتى ولكنها كانت قوية الإرادة ولم تقع فريسة لشهوتها ورغبتها, استطاعت أن تتحكم بضبط مشاعرها على الرغم من كم الإغراء الذي تتعرض له إلا أنها تماسكت نفسها وجعلت مستقبلها ومستقبل بنتها نصب عينها لذا لم يستطع أن ينال منها أحد أولئك الثلاثة, نالت شهادة الماجستير ولما تبلغ الستة والثلاثين من عمرها حتى باشرت بالتهيؤ لمرحلةِ الدكتوراه وقد نالتها بكل جدارة, مما وفرَّ لها فرصة عمل مرموقة, هذه المرأة أرادت أن تصارع ذاتها البسيطة وتجعل من نفسها عنصر قوة وحيوية , كانت تنظر للحياة بمنظار المرأة المستسلمة لقدرها ومصيرها إلا أنها بعد أن رأت ما رأت من أمور في حياتها جعلتها تكون أكثر جلادة وقوة, غيرت كثيراً من عاداتها وطباعها وذلك بعد أن غير كل ما يمت بصلة إلى سابق حياتها, كانت أنيقة وجميلة مما جعل الكثيرين يميلون إلى وصلها وإقامة علاقة حب وزواج معها إلا أنها حكمت عقلها وأعطته الرأي في هذا الشأن, تعلمت دروساً من ماضي حياتها وأخذتها عبرة للجديد من أيامها, هذه الإرادة القوية والشخصية الأقوى أعطتها ميزة جمالية كأنها تحاكي الأنثى بألا تكون مكسورة مستسلمة لحظها وقدرها بل عليها أن تعطي لعقلها الرأي الفصل في مجمل قراراتها وبالأخص التي تتعلق بكيانها كأنثى, المرأة ليست عورة, وليست أقل منزلة من الرجل بل هي نصف الدنيا ولعلها هي الدنيا برمتها, فالدنيا أنثى ولعل مكونات الحياة أنثى, هذا ما أرادت أن تثبته الشخصية وتعطي درساً لكل النساء في العالم العربي, أن تكوني امرأة لهو شيء ليس بالعار وعليكِ ألا تشعري بالدونية في نفسك, انظري إلى نفسك بكل زهو وكبرياء فأنت كل الحياة وربما سرها الأعظم ولغزها الذي لم يكتشف بصورة واضحة, البطلة رفضت أن تتزوج وبقيت تنتظر الظروف, فهي كانت تبعث عن الاستقلال والحرية وقد نالتهما, أرادت أن تعيش لنفسها ولابنتها, السرد كان يحاكي المرأة ويضع لها منزلة أعظم مما وضعته الأنثى لنفسها, ربما تكون الحياة صعبة ومعقدة إلا أن الكاتب رسم من خلال شخصيته خريطة جديدة للأنثى لتشق طريقها في هذه الحياة التي تحارب المرأة حروباً كثيرة حتى تجعلها تستسلم ولن تستسلم, اللغة كانت آية بالعذوبة فتارة تكون الفصحى لغة يمضي عليها السرد وتارة تكون اللهجة المصرية المحلية هي لغة الحوار بين شخصيتين يتحاوران في حدثٍ ما أو موضوع ما, الرسمُ المتقن للمنولوج كان يتسم بالعمق وسعة الغور داخل عوالم النفس, فهذه المرأة قد تحدثت عن أسرار كثيرة من طبيعتها وذاتها, ذكرها الكاتب وألم بكل ما يمت بصلة إلى الموضوع, الأحداث كانت منتظمة جداً وطبيعة السرد كانت تصاعدية بهدوء, يستخدم الكاتب بعض الجمل والعبارات الدينية وكثيراً ما يستشهد بها تعبيراً على لسان إحدى شخصياته أو قولاً له, الحكمة كثيراً ما تردُ في الرواية لأنَّ القاص لا يريد أن يجعل من قصته مستهلكه عند أولِّ قراءة بل لا بدَّ أن يعيد القارئ القصة لأكثر من مرة حتى يحقق المتعة عند كل قراءة, القاص يفاجئنا كثيراً, كثيراً ما ورد ذكر الدكتور أبو اليزيد المشرف على رسالة الدكتوراه والذي يعد شخصية هامشية لكنها تساعد على تطور الأحداث للشخصية الرئيسية, لكن القاص بجملة واحدة يقول أن هذه الشخصية في العناية المركزة وهذا يستدعي أن تتأخر مناقشة الإطروحة وبجملة قصيرة يخبرنا أنه توفي, هذه الصدمة أو الإنبهار كثيراً ما ورد في القصة الذي يجعل القارئ يتساءل وينتظر قليلاً ليعيد مجرى ترتيب السرد في مخيلته, هذه الميزة كانت ميزة واضحة في مجمل الرواية وبالأخص قسمها الأخير, والذي يعد عنصر التفكيك والنتائج الأخيرة في القصة, إن طبيعة اللغة شاعرية بامتياز واضح وبين, القاص على دراية كاملة وعلى معرفة واعية بلغتهِ وهندسة سرده .
الكاتب يوسف زيدان