الدكتور: أحمد بقار
كثيرا ما تمر بالإنسان محطات في حياته و تشد إلى الذاكرة بحبال مفتولة لا تأبى أن تزول مع مرور الأيام و كر الليالي ، فيجد القلم نفسه بخيلا و الروح شحيحة إن لم تسجلها .
حديثي في هذه السيرة عن صبي كنته و عن أحلام تمنيتها ، و قساوة أيام على شدتها عشقتها ، فعلا تمر الأيام قدما لكن الذكرى لا تمحي ، لذا جاء العنوان : ( و تمر الأيام … ) و ليس مرت بالماضي ، فلو آمنت أنها مرت لماتت ، و لكن جاءت بصيغة المضارع ؛ لأنها حية منتعشة في الذاكرة ، بدأت السرد فيها منذ بدأت تعي الذاكرة ما يحوط بها من أحداث و تتعامل مع أشخاص ، سجلت فيها الحقيقة و بعضا من مزيج خيال خدمة للسرد الفني .
دبجتها هكذا عريا من كل ماكياج فلربما كانت في حكاياها أنموذجا و قدوة لجيل ربما لم يعش ما عشناه ، و قسوة أيام لم يكتو بنارها ، قد يتلقاها سماعا على أكثر تقدير إن سمع بها في أحسن الأحوال .
لم أكن أومن كثيرا بتغير الحال مع تغير الأجيال ، و الذي جعلني أذهب إلى ذلك تسارع الأيام و جريها ، فلا يلاحظ الفرد أو يأبه مع هذه السرعة الفروق التي تحدث ، فمن كان صغيرا يكبر ، و ما كان قديما يستحدث ، و ما كان عتيقا يزال و يحول إلى صورة مغايرة لما كان عليها قبلا ، و كأن شيئا لم يكن ، مع إحساسه أنه هو هو لم يتحرك به الزمن قدما ، لكنه يصطدم ببعض المظاهر و بعض الأنواع من البشر يجد أنه لم يرها أو لم يعايش مثلها فيم مضى ، فتعيده الذاكرة راغما إلى ذلك الزمن الذي يجد أنه حقا مغاير لزمن يحياه في راهنه .
الحياة تحتاج إلى تفانٍ و إتقان و مجالدة لتستمر جميلة ، و الجمال قيمة متفردة ليس من السهل أن ينالها من لم تحنكه التجارب ، و تعركه المحن ، و الإنسان بطبعه ميال للاحتكاك ، و النظر إلى تجارب الغير بنظرة الريبة و التوجس مرة و بنظرة الإعجاب و الإكبار من جهة أخرى ، و يأخذ مما يريد منها كفاءه . و ما يتلاءم مع ميولاته و طباعه ، فكانت هذه السيرة من هذا الباب نسجلها لأبناء جيل جديد لعله يجد فيها الأسوة و القدوة ؛ في حب الوطن و تمجيد تاريخ الأجداد و المثابرة و الجد ؛ لأننا نريد جيلا يستقيم عوده بالصبر على المكاره ، و تشحذ همته المجالدة و المثابرة ، و أن يمتلك قلبا قويا يمكنه من مجابهة كل المصاعب ماديها و معنويها ، و أن يعرف كيف يحافظ على وطن يسكنه ؛ لأن وطنا لا نحافظ عليه لا يحسن بنا أن نعيش فيه .