الكاتبة د. سعاد الفقي بوصرصار
بعد أن استمعت المحكمة الى شكوى الاقتصاد العالمي متمثلة في الصناعة والملاحة والسياحة واستمعت كذلك للسان الدفاع عن الكورونا ، اجتمعت المحكمة من جديد للاستماع الى صوت نائب الحق العام ثم التصريح بالحكم.
ـــ محكمة.
ـــ الكلمة لنائب العام تفضّلي سيدة الأرض.
ـــ شكرا سيدي الرئيس.
أنا الأرض. أريد أن أشكرك عزيزتي آنسة كورونا. فقد قدّمت لي خدمة جليلة وانا مدينة لك بالصحة والتعافي. لقد قدرت على ما عجزت عليه الجمعيات البيئية والخيّرون من أبناء البشر على تخفيف آلامي… نجحت حيث عجز الجميع عن إراحتي. أشعر في هذه الأيّامبتعاف في جسدي. صفاء وحياة في مياهي وفي جوفي وفي باطني وعلى وجهي.
سيّدي الرئيس حضرات المستشرين، الآنسة كرونا ليست بالغة الخطورة، وفي العالم من الأخطار ما يفوقها بكثير. فضحايا التلوّث مثلا أكثر عددا ممن يموتون نتيجة الكورونا
لكنّ سرعة انتشارها هيّ التي أرعبت النّاس فالتزموا بالحجر الصحّي وبقوا في بيوتهم فلم يذهبوا الى المدارس ولا اشتغلوا في المصانع كما أغلقت الأماكن العامّة وتوقفت الرحلات وشلت المواصلات وهكذا دفعتهم جميعا الى احترامي والوعي بآثامهم وإجرامهم في حقّي
فكانت فرصة لي تمكّنت من أن أتنفس وأتنظّف من الغازات السّامة التي ترسلها المصانع ووسائل النقل والسموم التي ينفخون بها الخضر والغلال والنفايات التي يدفنونها في أعماقي ومحيطاتي…
كرونا لم تفعل أكثر من بثّ الخوف والرعب في النفوس والخوف أصعب من الموت أحيانا فحبّ الحياة غريزة في الانسان والخوف من الموت دفع الناس الى الانضباط وأيقظ فيهم حسّا افتقدوه حتى فقدوا انسانيتهم.
سيّدي الرئيس حضرات المستشارين.
خلق الانسان جزوعا إذا مسّه الضرّ هلوعا. المصائب والكوارث هيّ التي تدفع الى التغيير والتفكير تذكّر الانسان أن له عقلا ميزه الله به وعليه أن ينفض عنه غبار الرخاء والخمول حتى يعود الى العمل والتدبير ويراجع أفعاله عوضا عن التيه والتجبّر أو الخنوع والاستسلام للدعاء و طلب التوبة والغفران وانتظار رحمة السماء. حتى إذا مرت الأزمة عاد الى غيّه وانغمس في أخطائه
عند انحباس الخلق قسرا في بيوتهم فكّروا في بشاعة حياتهم وجريهم المحموم والمتواصل من أجل الكسب لتحسينها وإغراقها بالكماليات وما دروا أنّ الحياة تفرّ منهم وهم غافلون.
عرّتهم الكورونا وكشفت عوراتهم وبؤسهم ودعتهم الى الوعي بأخطائهم والالتزام بالعناية بأسرهم والاحساس بإخوة لهم في الإنسانية والتعايش معهم هم عائلاتهم وأجوارهم ومساعدوهم ووو وعلّمتهم خاصّة أن يتّصلوا بأنفسهم وبالطبيعة التي نسوها…
أنسة كورونا أحدثت صدمة للعقل والضمير البشري أستطاعت أن تدفع الانسان الى مراجعة نفسه عندما حبسته برفق في بيته فما أفادته الأموال التي أفنى العمر في الجري والتعب لجمعها فنبّهته الى قيمة العلم والبحث. كلّ الأسلحة الأسلحة المتطوّرة وقفت عاجزة عن القضاء على فيروس ضغير لا يرى بالعين. فتفطّن الانسان بذكائه الى ضرورة تحويل جهوده الى تشجيع البحث العلمي وإيجاد السلاح المناسب لحمايته لم تعد البابات والطائرات النفاثة والمدافع مصدر الخوف والموت وإنّما أصبحت ضمّة أو قبلة أو عناق يسبب الموت الزؤام.
ما أوحش أن تقبل على حبيب فاتحا ذراعيك لاحتوائه فيصيبك بالموت. أملي أن يستفيق الانسان ويراجع نفسه فتكون الآنسة كورونا قد أسدت له خدمة جليلة تشكر عليها بدل وقوفها في قفص الاتّهام.سيدي الاقتصاد العالمي لقد عرّتك الكورونا فأنت متّهم وكان أحرى أن تكون واقفا في قفص الاتهام بدلها.
لو فكّر الانسان في تخصيص جزء صغير من مرابيح الاقتصاد العالمي الجائر لحماية كوكبه الذي يعيش عليه وبه لو خصص جزء لمقاومة الفقر والبؤس لو وقف الى جانب المقهورين والمظلومين لما وجدت الكورونا سبيلا الينا ولحافظ على جمالي وسلامتي أرجو أن يعي الانسان الدرس وشكرا.
ـــ رفعت الجلسة للتفاوض
عادت الجلسة للتصريح بالحكم.