أ. عبد الرحيم بيضون
كنت جالسا بمقهى” الموجة الزرقاء” بشاطئ أكادير. أتأمل مغيب الشمس. أسمع موسيقى الجاز ل (لويس أمسترونغ) في انتظار صديقي نبيل…أخيرا جاء متأخرا كعادته. لكن على ما يبدو كان حاملا بين طياته نزقه المعتاد، مقترحا علي إنجاز مشروع /عمل، الذي راوضنا منذ زمن العطالة وفرحت لهذا الخبر السار. ففتح لي شهية الشروع في تحقيقه. ثم أخذ يحدثني عن علاقته الجديدة مع الشابة “حياة”. التي ستتكلف بتمويل المشروع. وهي الأخرى طموحة لتحقيق حلمها هذا، بعد أن اكتسبت تجربة في تسيير المقاولة بفرنسا، وتبحث عن شابين ثقة وحنكة ورجولة. وسيتكلف نبيل بالشق المالي، وسيسند لي الشق التربوي. ثم أخذنا الحديث عن حيثيات، وشرعنا في وضع خطاطة أولية لمشروع/حلم.
وفي نهاية جلستنا الطويلة، قلت له بحماس:
– والآن يمكن لك الاتصال بها لتحديد وقت مناسب للتعرف عليها. وللإصغاء الى رؤيتها الاستراتيجية في تسيير مؤسسة تعليمية. أجابني بكل برودة:
– إنها مسافرة الآن، وستكون لا محالة متفقة على الخطاطة. وسأتصل بها لإخبارها بالمستجدات. وأعطيتها رقم هاتفك وعنوانك الإليكتروني، وستتصل بك لا محالة. ثم نهض للذهاب لقضاء حاجة، قائلا:
– بيننا الهاتف. وبقي نبيل كهمزة وصل لتحديد موعد اللقاء.
وتركني مشتعلا في انتظار مكالمة منه أومنها. وفي انتظار الخيط الناعم، تلفنت لي و عرفتني على نفسها بأنها متدينة، وذات مال وجمال، عرض عليها الزواج كم من مرة، ورفضته، كما رفضت ابن عمها خوفا من استغلال مستواها الاجتماعي، وأنا الآخر أعربت لها عن حسن نيتي، وعن رغبتي في تحقيق مشروع/حلم. الذي وافق عليه نبيل، وسرنا على بركة الله…وعبر الهاتف الذكي و”الواطساب” تواصلنا وتعارفنا وتبادلنا الحديث حول مسارنا ومستقبلنا. كما جمعتنا اهتمامات مشتركة؛ كحبنا للموسيقى والشعر والسفر.
وبعد أسبوع، أفاجئ باتصال نبيل المتكرر والملحاح يترجاني بأن أكف عن التواصل معك، وأن أسارع في انجاز خطة العمل، وفي أقرب الآجال. وفي عشية وضحاها انقلب علي كظهر المجن. كما أخذ يجادلني في تخصصي. لتنشب بيننا مشادات كلامية نابية حد القذف. مما سيؤدي الى انقطاع خيط التواصل لمدة أسبوع. لأكتفي بهذا الخيط الرفيع الراغب في مداعبتي. الذي وعدني باللقاء بك. وأنا مشتاق لرؤيتك من لحم ودم. وليس مجرد أنثى افتراضية.
وفجأة، اختفيت. وعز اللقاء الموعود، مكتفية بمكالمات متقطعة ومختصرة لمعرفة ما ألت إليه علاقتي بنبيل في الآونة الأخيرة. بعد أن كنا لا نفترق كالظل. صرنا ندين متصارعين حول أمور هامشية. لا علاقة لها بمشروع/حلم. ولا علاقة لها بأخلاقيات المهنة. ولا يقدر المسؤولية الملقاة علينا لإنجاح خطة عمل. وإذا به يتأجج غيرة عمياء من علاقتنا. وفكرت في الانسحاب كي لا أخسركما. واتصلت بي وألححت علي البقاء وأن أخوض التجربة الى آخرها. وقلت:
-“الله اسخر”.
وبعد يومين، اتصلت بي شابة منتحلة اسمك وعنوانك، وراغبة في التعرف علي. وقدمت لي نفسها، على أنها كانت في علاقة مع نبيل، قبل أن يتعرف عليك، وينحاز اليك طمعا في مستواك الاجتماعي والاقتصادي. ومستعدة لتعرية أوراق نبيل، الذي خانها وأحبك.
وبعد احدى عشرة دقيقة، اتصل بي نبيل، وبطريقة منفعلة، يأمرني بإغلاق خيط التواصل في وجه المنتحلة، كي لا تشيع مزاعمها. وفتح جسر التواصل بيننا، وبالتالي فتح الخيط الراغب في مداعبتي. ومع ذلك، أخلف وعده ولم يفي بعهده، بل تمادى في اقتناص ميساجاتي التي كنت أكتبها لك بعفوية وحرارة. ونسي المشروع المؤجل. وما زاد الطين بلة حين أخذ يعلق عليها بطريقة فجة، ويدعي أنه استطاع أن يدغدغ مشاعري نحوك.
والمدهش، أنك أخذت تغريني بالخروج معا، بعيدا على متن سيارة أبوك. وتبدين استعدادك التام لتحقيق مشروع/حلم بمعية نبيل. وأنا أنتظر اللقاء بك لوضع اللمسات الأخيرة لخطة العمل. التي أنجزتها طيلة العطلة الصيفية. والتي سال لعاب نبيل حين علم بإتمامها. ويتصل بي مرات عدة كي يأخذها مني، ويتبناها ليعرضها عليك، وكأنه هو من أعدها. لكن هذا لم ينفع معي. واحتفظت بجهد عملي لنفسي. ما دامت الأمور تسير بعشوائية. وما دمت مجرد شخصية افتراضية.
قلت مع نفسي: هل كل ما تقومين به إنسانية منك؟ وما سبب كل هذا الكره الذي يكنه لي نبيل؟ لحد الساعة لا أدري. والمهم أنني أرفض اغراءاتك التي يغلب عليها التسويف (حرف سوف). وأمقت هذا التواصل الافتراضي الراغب في مداعبتي. حد الاعتداء على حقي المدني.
وبعد غد سأفاجئ باتصالك في ساعة متأخرة من الليل، تبشريني بمجيئك الى أكادير، وسنلتقي لتكسير هذا العالم الافتراضي الذي صار يرعبني. فبعد أن كنت مجرد دعابة وردية صرت رمادي. وأخاف أن تتحول الى خيوط عنكبوتية مكبلة حريتي. ولا أريد أن تتحول نافذتي الى فسحة تبادل الاتهامات والخزعبلات والدخول في المتاهات.
وبعد غد، اعتذرت على المجيء إثر وعكة صحية مفاجئة لأبيك ألزمته الدخول إلى المستشفى العسكري بالدشيرة. وعدت أدراجك الى مدينتك. وحين جلست مع نفسي محاولا جمع فتات “الميساجات” وتركيبها وردود أفعالك، لاحظت أن جلها تحتوي على تمفصلات صوتية لغوية متقاربة وصوت صديقتك. وانك تكررين كلمة ( العيل) ناسية أنك قلت لي مرة أن أصلك ( وجدي ) مع أن نبرة صوتك ( مكناسية) مشابهة والنبرة ( المراكشية) التي هي صنو النبرة ( الرودانية) . أنت إذن فسيفساء مغربية.
كما لاحظت أن هناك تناقض صارخ بين الصورتين اللتين أرسلتهما. في الصورة الأولى؛ كنت فيها محتشمة، بلباس أبيض يليق بك، وشال أزرق مفتوح على عنقك كملاك. وفي الصورة الثانية؛ ظهرت ب (لوك) جديد، بشعر طويل مسربل على كتفيك العاريتين، وهناك الصورة الأهم التي ترغبين في تمثلها عنك، زادت من شكوكي في هذه العلاقة الافتراضية غير المتكافئة التي أراد نبيل أن تبقى على ما هي عليه. فكيف لك أن تبقين مختفية وراء قناعك؟ كيف تحاولين تكبيلي واسقاطي في غيرة مفتعلة؟ مما جعلني أمقت مثل هذه العلاقات، بل تشعرني بنوع من الغبن والسذاجة لمداعبتي بهذه الطريقة الماكرة، ومن أعز صديق؟ كيف له أن يسقطني في لعبته القذرة؟ ومن كان صديقي بالأمس صار عدوي، وتواطؤه معك لنسج سيناريو التفاهة. أنت بطلته وهو مخرجه. ففكرت بالرد عليكما عبر القرصنة. لكن تراجعت على الفكرة كي أغلق النافدة والليل قصير. وليس عندي أي استعداد للاستمرار في هذه الدعابة الوردية التي صارت رمادية ميالة الى السواد.
وقليلا من المنطق والكيمياء – ما دامت عواطف الإنسان كيمياء وانجذاب – وجدت أن الطمع والغيرة أخذا مساحات شاسعة في مكالمات نبيل وميساجاتك. لتحقيق انتصارات وهمية للظفر بقلبك، وللأسف كان قلبك فارغا من محتواه. وتحول نبيل الى عنكبوت سوداء تتلذذ بقتل ذكرها شنقا. وأنت. من أنت؟ …مجرد فكرة افتراضية جهنمية.
عفوا، الواحدة بعد منتصف الليل، حان وقت النوم، قبل أن أصاب بالزكام. وأتمنى من القارئ أن لا يصاب هو الآخر.