الكاتبة: ليلى الورفلي / تونس
كانت خالتي زكية امرأة كبيرة في السن و لكن رغم ذلك كانت تعمل ليلا نهارا لتوفير قوت يومها خاصة بعد أن تركها أولادها وحيدة.
انطلق كل واحد منهم إلى حياته الخاصة متناسيا أمه العجوز التي تعبت في تربيتهم بعد وفاة والدهم. لقد ترملت خالتي زكية في الثلاثين من عمرها و افنت حياتها في العناية بأبنائها،و الحمد لله كلل مجهودها بالنجاح. لقد تحصل جميعهم على شهادات جامعية و اعتلووا مناصب مرموقة.
و لكن جميعهم تنكر لتلك الام المكافحة،فرغم مستواهم المعيشي المتميز لم يلتفت اي واحد منهم لأمهم الشيء الذي جعلها تعمل لتجد ما تقتات به.
و في هذه الأيام و مع انتشار الكورونا في البلاد،انتظرت خالتي زكية أن يتصل بها أبناؤها ليأخذوا بيدها في هذه المرحلة العصيبة،و لكن هيهات.
في بداية انتشار المرض كانت تبكي خوفا على ابناءها من العدوى،فقلب الام لا يمكن أن يقسو مهما صار. و لكن مع مرور الأيام أصبحت تبكي ابناءها و قساوة قلوبهم.
و في صباح يوم من الايام،اتصلت بفهمي ابنها البكر و طلبت منه أن يزورها و يقضي حاجياتها، فأجابها مقتضبا:
“هل أنت جادة؟اعذريني يا أمي! ابنتي لا زالت صغيرة، و أخاف عليها من العدوى. من يدري؟ لعلك مصابة بهذا الوباء. اتصلي بالجيران، فهم طيبون و لن يخذلوا امرأة عجوزا مثلك”.
اتصلت بسلوى،ابنتها التي باعت من أجل دراستها الغالي و النفيس،و لم تكن إجابة سلوى مختلفة كثيرا عن فهمي:”امي ؟ألم تسمعي بالحجر الصحى؟ بالله عليك كيف لي أن ازورك؟ “*
رفعت راسها للمولى سبحانه و تعالى و انهمرت دموعها من مقلتيها، و أعادت الاتصال باولادهاو قالت لهم:”حافظوا على أنفسكم و اهتموا باطفالكم فأنتم النور الذي يضيء حياتي “، قالت هذه الكلمات و العبرات تكاد تخنقها من شدة التأثر.
و كما يقال دائما” الي خلق عمرو ما يضيع” ، فإن جيران خالتي زكية أخذوا على عاتقهم العناية بتلك المرأة العجوز الوحيدة التي لا عائل لها.
و في ليلة من ليالي مارس الممطرة ،رن هاتف خالتي زكية و لما رفعت السماعة تناهى إلى أسماعها صوت ابنها فهمي باكيا:”امي ……..سلوى اختي ماتت بالكورونا، اما ابنتي فهي في العناية المركزية. امي سامحيني. دعواتك”.
و لكن اينفع الندم؟
و كعادتها رفعت خالتي زكية رأسها للمولى سبحانه وتعالى و انهمرت دموعها.
ADVERTISEMENT