صلاح الحضري
لاتعتبر ما سأقوله لك دفاعًا عنهم ولن يكون بدافع التأثير عليك كي تصفح وتغفر لهم ما نسجه خيالك. حدّثني يا سيد “زاهر” هل تملك دليلا واحدًا لما تدّعيه ؟ دعك ممّا سمعته حين كنت ترقد في غيبوبة طال مداها. ألا يمكن اعتبار ما تخيّلت سماعه افتراء واتهامًا باطلا؟ لم تحاكمهم عن شيء لم يقترفوه وقد يكون تهيّؤات وليست حقائق تمّت بصلة إلى واقع الحال؟ عموما آمل ألاّ يغير كلامي حرفا واحدًا ممّا قررت فعله. انسَ ما سمعته منّي وتصرّف كما يحلو لك. سأدافع عنك وعن مصالحك ولن أسمح لأيّ كان بالإساءة إليك. لا أدري لم يداخلني شعور باليقين بأنّهم ليسوا في أسوإ صورة كما وصفتهم أو ربّما تعمّدت تشويههم. أكرّر فأقول بأنني لست بصدد الدّفاع عنهم. تقبّل الرأي الآخر بروح رياضيّة عالية.
نزل كلامه على فؤادي نزول الغيث النافع على أرض جدباء وسرعان ما أفرغت ذاكرتي من كلّ ما كان يضيّق الخناق على أنفاسي ويدفعني إلى الانتقام أوحتّى التشفّي. استأنف كلامه قائلا :
ـــ أحيانا نتخيّل أشياء تبدع شياطين هذا الكون في تهويلها وفي زخرفتها لتكون بمثابة القنابل الموقوتة والقابلة للانفجار في أي وقت كان. لا تتسرّع في هدم أسرتك بمعاول من صنع يديك واعف عنهم إن كنت مقتنعا ببراءتهم. ولاتنسَ أنّ عقابهم سيزيد من عذابك وسيضاعف حيرتك وقد يعود بك إلى نفس المصحّة حيث كنت ترقد. سَلْ نفسك لم لم يقدموا على قتلك منذ شهرين أو أكثر؟ لم لم يفعلوا ذلك وأنت في نظر الآخرين ميت ولست ضمن الأحياء. لاتجب بحرف واحد. فكّر مليّا في ما سمعته.
تضاعفت حرارة جسدي وداخلني إحساس بأنّ سهما حادًا يغرس في صدري فارتجّت الدنيا أمام عينيّ ولم أعد أشاهد غير خيوط سوداء تتشابك في ما بينها. وفجأة يقبل صقر عملاق في اتجاهي ويحطّ إلى جانبي فأتردّد في بداية الأمر في صعود ظهره. وفي النهاية أتمكّن من ركوبه ليحلّق بي في فضاء رحب لا نهاية له. ويظل الصّقر يرتفع ويرتفع عاليًا حتّى يختفي خلف سُحب دكناء كثيفة الألوان.
يا إلهي.. هل سقطت ثانية في غيبوبة قد يطول مَداها فتكون نهايتها مدخلا لحياة يحدّثوكم عنها أهل القبور لو سُمح لهم بذلك؟ هل أنتظر معجزة لأعود ثانية إلى العالم الحسّي الذي شرعت في فقدانه ؟ قد يحدث ذلك إن سلّمنا بإمكانية عودة زمن المعجزات بعد غياب دام مئات السنين. لحظات قليلة هويت بعدها على أرضيّة المكتب أبحث عن جرعات أوكسيجين تحتاجها رئتاي.