الأستاذة: سوزان سامي جميل
هي حرة في الجري بين التلّ والجبل، فهناك فكرة تتدحرج كلما سكن زفير أحدهما. بعد أن ضغطت أصابعها على بعضها بحركة عصبية، هزَّ وريد نافر جسدها الشفيف بفعل الاحتكاك . جسدها الذي لا تراه ولا تتذكر متى كانت آخر مرة نظرت فيها إليه في المرآة! إنها لا تتذكر أو ربما لا تريد أن تتذكر، حتى ثوبها الأحمر الطويل ! “أين صار ذلك الثوب ياترى؟” همست لنفسها. دنت من الشباك الوحيد في الغرفة، أطلقت سراح أصابعها وبحركة سريعة فتحته على مصراعيه، حدقت في الشارع الذي يمتد أمامها ويصل حتى الجبل البعيد. تطلعت الى شيخ يقتعد المصطبة الخشبية القديمة على الناصية الأخرى من الشارع. لا تدري ما الذي دفعها لتصرخ به: “قم من هناك، اترك ذلك المقعد القذر، إذهب إليهم ، إنهم في انتظارك.” لكن الرجل لم يلتفت الى ندائها، كررت نداءها وبصوت أعلى هذه المرة لكن دون جدوى، إنه متسمر، يهز رأسه إلى اليمين والشمال كرقاص الساعة.
قررت أن تسافر إليه عبر الرياح الشمالية وتنقر على رأسهِ بعصاها الطويلة وفعلاً اقتربت منه، لمست كتفه وهزّته بخفة: “لماذا أنت صامت هكذا؟” أوقف الشيخ رأسه قليلاً، نظر إليها ثم الى الأرض، أغمض عينيه وبدأ يشخر ومالبث الشخير أن توقف، تحركت الأرض، الشوارع صارت تجري والأشجار تتقافز حتى الأحجار صارت تطير في كل الاتجاهات. بعض المارة نبت له ذيل طويل والبعض الأخر اختفت ذراعاه وهناك من امتدت عيناهُ إلى الخلف، وسرعان ما توحدت الألوان في لون رمادي فاتح! إنه لون تمقته هي وتنعته بالحياد المقرف. من خلف التلة القريبة ظهر شبحان يرتديان قبعة واحدة؛ كبيرة تتسع لكل الرؤوس المقطوعة المرمية بإهمال على حافة الوادي. جمعت قواها وسارت بتؤدة نحو النهر القريب حاملة الشيخ على ظهرها وحين اقتربت جداً تركته على الضفة ورمت بجسدها الذي لا تراه في النهر.