بقلم: الكاتب محمد آيت علو
اِنتهى به المطاف أخيراً ـ بعد انتظارٍ طويلٍ مُمِّلٍّ عَقِيمٍ في طابور حَشْدٍ هائلٍ أمام الصَّرَّافِ الآلي، قَرَّرَ أن يَسْحَبَ كل ما يملِكُ من مال، لِعِيَّالِه ولكل الصُّفوفِ المُتَرَاصَّةِ مِنَ المُتَسَوِّلِين هُناكَ على جَنَبات الطَّريقِ المُؤدية إلى مسكنه، بِما يَكْفِيهم مَؤُونةَ السُّؤال، ومَا يلزَمُهُم منَ الدَّواءِ والغِذاء..
مدَّ يدهُ وهو يحاولُ الْتِقاطَ ابتسامةٍ جديدةٍ لكائنٍ خُرافيٍّ…وقبْلَ أن يَبُوحَ بأرقامِه السِّريةَ، لم يصدقْ نَفْسَه حين تسلَّلَت إلى أُذنيه كلمة هَـزَّتْهُ بقوةٍ “أهْلاً بكَ يا طَيِّب أنا مِلْكُ يدَيْك، إِفْتَحْ دِرَاعَيْك..!” إخْتلس نظرةً سريعةً ليتأكَّد، ضَغَطَ على الأزْرَارِ، فجأةً انْغَلقَ الجِهَازُ بَعدَ أن رَمَى بالبطاقةِ محدثاً رنَّةً خفيفةً، وانطبقتْ شفتاهُ بشيءٍ مِنَ الإنْدِهاشِ…! وأَغْمَضَ عَيْنَيهِ كمنْ لا يُصَدِّقُ! ثم غَمَرتْهُ سَعادة لاَ تُوصَف وهو يسْحَبُ الأوراقَ النَّقديةَ المُتَسارعةَ في خِفَّةٍ نَحْوَهُ…
– كان الصَرَّافُ الآليُّ هذه المَرَّة سَخِياً كَريماً بمَا يَكْفِيهِ ويكْفِيهِم، كَما لَو أَنَّهُ أَحَسَّ بِهم، جعلهُ يَنْظُرُ إليه نظرةً طويلةً واجمَةً ثم حشرج بالبكاء، وتساءل: هذا يكفيني ولكل هؤلاءِ الصَّابرينَ على الجِراحِ….
هنا عَصَفَتْ في ذهنِـهِ احْتِمالاتٌ شَتَّى، كأنها تَلْعَن أو تشتم، أزرت بدنياه ولم ترحم….
– هُنَا قتلت الأحلام أحلامه، وكأنَّها عدم!