بقلم: خديجة أمتي
عندما طلبت مني الصديقة العزيزة، الدكتورة لطيفة حليم المشاركة، كعضوة في غرفة صديقات أجمل العمر، من أجل مناقشة موضوع تعليم البنات الذي اختارته المجموعة كتيمة لجلسة يوم الخميس 24 شتنبر2020 في إطار برنامجها الشهري، تساءلت عن مدى راهنية الموضوع و ما جدوى أن نثير مسألة تعليم البنات في القرن 21 ؟ ألم تصل النساء مراتب تنافس فيها الذكور في كل المجالات، و أن التعليم أصبح حقا للجميع. إضافة إلى أن كل المؤشرات تدل على أن الفتيات تجاوزت معدلات النجاح لديهن أقرانهن من الذكور و أن المدارس العليا تعرف حضورا مكثفا للفتيات؟
لكن مع ذلك أعتقد أن الموضوع يستحق العودة إليه، لا من حيث العدد و لكن من حيث شروط تعليم الفتيات في ظل ما يعرفه المجتمع من تحولات. بل إن للموضوع راهنيته في هذه الظرفية بالذات، أي في زمن الكوفيد 19، أي في زمن الجائحة و مخلفاتها من حجر وكمامة وحد من حرية الحركة و التجمع وإغلاق المدارس، على قلتها، والدعوة للتمدرس عن بعد.
إن الدعوة إلى التعلم عن بعد عبر وسائط الاتصال و ما تطرحه من إشكالات يمكن أن يعيد طرح سؤال تعليم الفتيات إلى الواجهة, لأن التاريخ علمنا أن أكبر ضحايا الأزمات هن النساء. و مما لاشك فيه أن الفتاة ستكون الضحية الأكبر في هذا النموذج “المفروض” في التعليم في غياب الإمكانيات و حضور ثقافة الأولوية للذكور على الإناث.
مما لاشك فيه أن التعليم و التكوين عن بعد جاري به العمل في الدول المتقدمة, أي أنه يتماشى مع روح العصر و لكنه في المجتمعات التي لازالت تتلمس طريقها نحو النمو و التي تزيد الهوة بين طبقاتها و فئاتها الاجتماعية اتساعا، حيث تتعمق الفوارق، مما قد يعرض الفتيات في القرى و المداشر و الأحياء الفقيرة للإقصاء مرة أخرى و يعيدهن للأدوار التقليدية، و يصبح التعليم فرض كفاية إذا قام به البعض يسقط عن الآخرين. و البعض هنا قد يكون ذكورا و اللواتي يسقط عنهن هن الفتيات في ظل تقلص الفرص! صحيح أن الأسر في غياب تام للإمكانيات : عدم وجود حاسوب أو هاتف ذكي، سيكون الكل معني بالإقصاء. ذكورا و إناثا. لكن إذا كانت الأسرة لا تتوفر إلا على جهاز واحد، ستضطر في عملية الاختيار إلى إقصاء البنات لفائدة الذكور في انسجام تام مع الثقافة التقليدية السائدة القائمة على التمييز بين الجنسين و تقسيم الأدوار و الفضاءات. على اعتبار المرأة كائنا بيتيا مهمته التاريخية الاهتمام بالبيت و تربية الأطفال. و بغض النظر عن أهمية نموذج التعليم عن بعد من عدمه، فإن سلبياته ستكون لها نتائج غير محمودة العواقب على جيل بأكمله.
لذا يعتبر مجال التربية و التكوين أهم تحد يواجه المجتمع المغربي من أجل تنمية حقيقية، و يبقى تمدرس الفتيات أهم أعمدة هذه التنمية, ولن يتيسر ذلك إلا بالقضاء على المعيقات التي تحول أو قد تحول دون ولوج فتيات الهامش للتعليم و خصوصا الفتيات القرويات اللواتي لا تتجاوز نسبة التمدرس لديهن، ما بين 12و14 سنة، 43% سنة مقابل متوسط معدل وطني لهذه الفئة العمرية يناهز 75%. و من المؤكد أن الشروط الحالية المرتبطة بجائحة كرونا لن تزيد الوضع إلا تأزما عبر إغلاق المدارس و تحويل بوصلتها إلى شاشة الحاسوب و الهواتف الذكية.