الناقدة والشاعرة زينب الحسيني / لبنان
من الحياة:
***********
1*أين أنتَ ياقمَرُ؟
فالظَّلامُ يَنهَمِرُ
*والعيونُ ساهرةٌ
والقلوبُ تَنتظِرُ
كي تَراكَ ياقمرُ.
**********************
2*طائرانِ دُونَ سَمَا
القلوبُ،والفِكَرُ
*الرياحُ تَحمِلُها
حيثُ يَرغَبُ القَدَرُ
لاكَمَا نَوى البَشَرُ.
************************
3*قد رأيتُ مَنْ سَبَقوا
في البقاءِ ماظَفِروا
*عابرونَ نحْنُ هُنا
لحظةٌ هوَ العُمُرُ
مَنْ تُراهُ يَعتَبِرُ؟؟.
************************
4*الحياةُ أغنيةٌ
كالطُّيوبِ تَنْتشِرُ
*فلْتَكُنْ بها طَرِباً
لايُفيدُكَ الكَدَرُ
ولْتُجَنُّ ياوَتَرُ.
************************
5*لايَهُمُّ مافَعَلوا
والجِراحُ،والخَطَرُ
*إنني لهُمْ وطنٌ
لايَخونُ لو غَدَروا
منهُ يَهطُلُ المطرُ.
************************
6*لِلذين قد رَحَلوا
الحنينُ يَستَعِرُ
*لم يَزَلْ لهمْ أثَرٌ
الورودُ،والصُّوَرُ
كيف يُمَّحى الأثَرُ؟.
************************
7*النجومُ مُزهِرةٌ
والسماءُ،والبَصَرُ
*إنها لنا نِعَمٌ
والعقولُ تَبتَكِرُ
ليس مِثْلَها الدُّرَرُ.
************************
8*ياتُرابُ أنتَ أنا
داسَ فوقَنا التَّتَرُ
*في قلوبِنا وَجَعٌ
لاتُحِسُّهُ البَشرُ
منهُ يُجتنى الثَّمَرُ.
************************
9*الإلهُ مُقتَدِرٌ
رَغمَ قَولِ مَنْ نَكروا
*بالحنانِ مُنسكِبٌ
رافِعٌ لِمَنْ عَثَروا
هل تَليْنُ ياحَجَرُ؟.
************************
(البحر المقتضب)
العصفور الدمشقي:
8/10/2020.
القراءة:
قصيد رائع زاه بكل معاني وألوان الجمال استفز رغبتي لأن اكتب عنه ما أحسسته وسمحت به قريحتي .
نبدأ من العتبة
“اين أنت يا قمر ”
جملة اسمية فيها تجاهل العارف/الشاعر ،الذي يسائل القمر عن تواجده “أين انت يا قمر؟ ”
ذاك القمر بكل ما يحمله من رمزية الجمال والاشعاع والسحر ، ومن البهجة والدفء الذي يفيض من بهاء إطلالته التي تمحو الهموم والكدر ،ولا ننسى ايضا ما يعنيه القمر /البدر في لغة الرومنسيين والعشاق ولغة الصوفيين .
تعقب جملة
“اين انت يا قمر” جملة ف”الظلام ينهمر” الغاء للسببية ، وكأن التساؤل عن القمر جاء بسبب
“الظلام الذي ينهمر ” وتقول انهمر المطر اذا تساقط قويا سريعا،
“فالظلام ينهمر” يحمل معنى مجازيا ل”انهمار “المآسي والظلمة التي باتت تغلف العالم بأسره من جراء الحروب العبثية والأمراض المستعصية والنزاعات الدولية التي لا نهاية لها ولا حلول ..
الحقل الدلالي في القصيدة مكتنز بالجمل الفعلية المكثفة الدالة على ما اوحى إلينا الشاعر به منذ البداية .
الجمل الدالة:
(طائران دون سما ،عابرون نحن هنا، الحياة أغنية، إنني لهم وطن،النجوم مزهرة،في قلوبنا وجع، الإله مقتدر )
هذه الجمل تكتنز بالتعابير الرومنسية التي تقترب من الصوفية المحلقة في “السماء”
تغني للحياة رغم”الوجع”
وتفيض بأحاسيس المحبة “وطنا” للبشر .. متخطية حسدهم و قسوتهم وصلابة قلوبهم..
في القصيدة تأملات حكمية ذات دلالات واضحة :
(من تراه يعتبر،
‘لا يخون لو غدروا، كيف يمحى الاثر؟ وجع منه يجتنى الثمر.)
في الخاتمة ورغم الوجع واليأس ،هناك إيمان “بإله مقتدر ,بالحنان منسكبٍ”
يهون العثرات لكل محتاج يطلب منه العون .
وتنتهي القصيدة بسؤال:
“هل تلين ياحجرُ؟”
وكأن هذه الجملة هي بيت القصيد الذي أراده الشاعر .
-اللغة الشعرية لغة شفيفة التعبير ،
مموسقة إيقاعية،تدخل السمع والقلب بلا استئذان،نظرا لأسلوب الشاعر السهل /الممتنع، الذي يمتاز بعمق المعنى وجزالة التعبير وسهولته.
القصيدة عمودية نظمت على (البحر المقتضب) أبياتها مموسقة نحس وكأننا ندندنها نظرا لرهافة التعبير
بالكلمات المنتقاة بتأن و حرفية.
-الرسالة التي يهدف الشاعر إيصالها:
أحسست ولمست من خلال النص، أن الشاعر يبغي أن يعود البشر إلى إنسانيتهم التي فُقدت وتحولت في زمننا إلى وحشية مدمرة للإنسان نفسه وللبيئة الطبيعية من حوله ،
تدميرٌ للحجر وللطير والحيوان وتلويث للماء والغذاء والنبات.
وعدا عن كل هذا ،ما يحصل اليوم هو تدمير غير محسوب لنفسية الإنسان بتشويه طبيعته الخيرة ،وكأننا نشهد صراعا ابتدأ منذ الازل ولا يزال ،
صراع قابيل وهابيل الذي انتهى بمقتل الاخ الأضعف وتسيُّد الجشِع الظالم .
النص مكتنز بشتى المعاني الإنسانية والدعوات السامية إلى الخير والتآخي والمحبة الكونية نبذا للحروب المدمرة والجشع والنزوات الوحشية التي باتت تقلق الوجود البشري الإنساني بأكمله, بل وتهدد وجود البشر على هذه الكرة الأرضية .
تحيات تقدير واحترام للشاعر المبدع،ذو الإحساس الفني والإنساني الشفيف الأستاذ م.سليم الجط.