بقلم الناقد والشاعر أ.عبدالله شبلي/المغرب
من وجهة نظر ابستيمية خالصة تبتغي تحصيل المعرفة كونها ارتقاء بالجنس البشري ونيلا ونبلا. بعيدا عن الخلفية والتسييج ودرءا لسقطات التمترس والتنميط ، وجب تتبع تأثيرات الوضع الكوروني على الجانب السوسيوثقافي ومحاولة تلمس بعض المداخل الأساسية التي سيتم إثراء النقاش فيها مع مجموعة من الزملاء الباحثين والمهتمين في هذا المجال.
ولعل من أساسيات الأشياء التي وجب التنبيه إليها، في زعمي المتواضع ، هذا الإهتزاز القيمي الذي صاحب ” الكورونا ” .
وسأنطلق من ثالوث رئيس حكم هذه الفترة هو ثالوث الحجر-الحجز-العزل.
سينظر إلى مفهوم الحجر لغويا باستحضار معنيين اثنين حجر قانونا الذي يفيد عدم قدرة المحجور عليه على التصرف وفقدانه الأهلية بسبب من الأسباب. ونحن نعلم ارتباط الحجر في زمن الكورونا بالحجز ايضا فقد استعمل مرفوقا بالاحتماء بالمنازل فصار الحجز المنزلي رهينا بالانكفاء على الذات والتقوقع داخلها ، هروباً من الخارج-الآخر الذي صار مرفوضا. بهذا الطرح نستطيع الخروج بتملص الآدمي وتنصله من الآخر-المخالف والمشابه. وهذا السبيل ذاته قمين باعادة طرح مقصدية الإنسان المتمدن من الإجتماع ، أ ليس التداخل والتمازج بل وحتى التدافع إن اقتضى الحال ذلك ، مطلبا الإنسان المدني ؟
لأنه السبيل الأوحد الذي يتأتى من خلاله جلب المنفعة عبر اجتماعية بني آدم المتعارف عليها والمسلم بها سوسيولوجيا .
فحجر الإنسان وحجزه منزليا يدفع بلاشك إلى اعادة التفكير في هذه الخلخلة القيمية التي مست مجموعة من الأسس المتعارف عليها ثقافيا واجتماعيا ونفسيا.
لن نذهب بعيدا عن مفهوم الجذر ” حجر ” ولا حتى “حجز ” خاصة وقد استعمل المصطلحان في ارتباط وثيق بالمنزل (حجر منزلي ، حجز منزلي) * ونلاحظ هنا أنه لم يتم ربطهما بالبيت أو السكن والبون شاسع بين المنزل دلالة والمصطلحين السابقين في ارتباطهما بالسكينة والديمومة خلافا للمنزل الذي يحيل على العبور الظرفي والنزول بمكان معين ، وكما يعلم فإن الحجز ياعتباره مفهوما كان متداولا في أوساط القضاء يرتبط بحمولة سلبية محضة تدفعنا إلى سلب الآدمية عنه حين ربطه بالإنسان ،* نشير هنا إلى ” حجز الممتلكات ، حجز السيارات ، المحجوزات : أشياء غير قانونية يتم استخدامها وترويجها ، تهريب ، مخدرات.. ..” إذا قلنا أن الحجر والحجز في ظرفية الكورونا شكلا حجر الزاوية في الطرح العلاجي والاستباقي عند جل الدول. وهذا تحديدا هو ما من شأنه أن يؤدي إلى تناسل الأسئلة حول ماهية العلاقة بين الإنسان وذاته ، بينه وبين الآخر ، بينه وبين الكون.
إن حجر الانسان وحجزه داخل المنزل هو إبعاد للآدمية وقتلا للاجتماعية وفي أحسن الأحوال تحييدا للرسالة التي يجب أن يؤديها البشر في نشر التعمير بالصالحات وبناء القيم داخل الجماعة .
هذا العزل عن الآخر والذي هو في حقيقته أيضاً وبمفهوم أعمق عزل عن الذات ، هو ما سيؤدي بلاشك إلى إعادة تشكيل القيم من جديد أو ” كورنة القيم ” بتسكين الواو طبعاً ، وقد لاحظنا ذلك في تتبعنا لتطور انتشار المرض إلى أن تم وسمه ب ” الجائحة ” ، حيث تم ايقاف كل الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والترفيهية ، وهكذا صار التباعد شعارا عوض التقارب ، وأصبح الخروج جرما يعاقب عليه ، وأغلقت دور العبادة ، وتساوت في ذلك كل المعتقدات : المساجد والكنائس والبيع .بل إن أنشطة إنسانية اجتماعية اعتيادية كان يمارسها الناس باعتبارها طقسا يوميا “مثل المصافحة والسلام ” ، صارت مبعثا على الفزع والهلع حتى نالت درجة الفوبيا عند الناس في أغلب قارات العالم.
ولعل في هذا التشكيل الجديد للقيم قضاء على كل ماهو اجتماعي كائن في الإنسان ، مقابل تسييد ماهو فردي في أفق قيادة وسائط التواصل عن بعد وسيطرتها ، مستقبل يطبعه الفزع لم يعد يتسيد فيه العلم ، دليل ذلك عجزه التام في دول متقدمة عن ايجاد علاج للمرض ، بل أن العجز أيضاً تمثل حتى في عدم القدرة على حصر المرض ومحاصرة انتشاره.
واذا كان الإنسان قد فرض عليه الحجر والحجز في سياق معالجة فريدة للحفاظ على النسل الإنساني ، فإن هذا الديدن نفسه صار يهدد مسلمة “الإنسان كائن اجتماعي ” بل يهدد الكائن البشري في انسانيته وفرادته وسيادته داخل الكائنات الحية ، نمثل لهذا بتواري الإنسان واختبائه وراء الجدر بينما ظهرت مجموعة من الحيوانات في مناطق مختلفة فغزت الشوارع وسيطرت على رموز المجتمع الإنساني .