بقلم الشاعر والناقد أ لطفي عبد الواحد/تونس
بمبادرة جيدة وغير مسبوقة من السيدة نجلاء العلاني المديرة العامة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة الكريديف Credif تولى هذا المركز الذي يعمل تحت إشراف وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن اصدار طبعة جديدة وممتازة لكتاب شهيرات التونسيات للعلّامة التونسي حسن حسني عبد الوهاب وهو علم من أبرز أعلام تونس في عهد البايات وفي دولة الاستقلال الحديثة والكتاب يعد الأول من نوعه من حيث المحتوى إذ اجتهد صاحبه في البحث عن النساء التونسيات الشهيرات والفاعلات والتعريف خصوصا بمن كان لهن ادوار هامة في تاريخ تونس العظيمة وحضارتها منذ آلاف السنين قبل مجيء العرب المسلمين إلى بلادنا وفي فترات الحكم المتعاقبة. وقد نشرت الطبعة الأولى منه زمن الاستعمار الفرنسي وتحديدا في سنة 1934 وتلتها طبعات أخرى بعد الاستقلال دلت على أهمية الكتاب واقبال الناس على قراءته اعتزازا بهوية البلاد وتثمينا لقيمة المرأة ودورها الريادي العظيم عبر العصور. لكن الملفت للانتباه ان هذا الكتاب رغم طبعاته العديدة فقد أصبح خاصة في السنوات الأخيرة شبه مفقود في الأسواق والمكتبات واصبحت الاجيال الجديدة من التونسيين والشباب بصفة خاصة لايعرفون هذا المصنف ولا يدركون قيمة مؤلفه ومكانته العلمية بل ان هذا الكتاب لم يعد له حضور كبير في معارض الكتب التي تنتظم في بلادنا وربما كان هذا من الأسباب الرئيسية التي دفعت مؤسسة الكريديف وعلى راسها السيدة نجلاء العلاني إلى المبادرة في إطار اهتمام المركز بشؤون المرأة والأبحاث المتعلقة بها والحرص على الوفاء لاعلام تونس والحفاظ على الذاكرة الوطنية إلى اصدار هذه الطبعة الجديدة والمختلفة للكتاب من حيث الاخراج الفني وإضافة بعض الصور والمنمنمات التي من شأنها ان تجذب اهتمام القارىء ولا نجدها في الطبعات السابقة.
السيدة نجلاء العلاني المديرة العامة للكريديف تسلم نسخة من الطبعة الخاصة لكتاب شهيرات التونسيات للسيدة أسماء السحيري وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن.
وفي هذا الإطار تقول السيدة المديرة العامة لمركز الكريديف في مقدمة الإصدار متجهة إلى القارئة رالقارئ ما يلي :
“يسعدني أن أضع بين يديك هذا المؤلف القيّم في ثوبه الجديد وهو ماكان حلما راودني منذ يقظتي لكونه غير متوفر بالدورة الخامسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب مقارنة بالطبعات المتجدّدة لكتّاب معاصرين لحسن حسني عبد الوهاب وإذ حزّ في نفسي أن العديد من العارضين لايعرفون الكاتب اصلا أو انهم في أحسن الأحوال لم يسمعوا قط بوجود الكتاب تحديدا فقد عاهدت نفسي على السعي لاعادة نشر “شهيرات التونسيات” وبدأت من ذلك الحين في العمل على وضع المسار والاليات الكفيلة بتحقيق الحلم إلى أن شاءت الاقدار أن التحق بمركز الدراسات والبحوث والتوثيق والإعلام حول المرأة الكريديف فبات اكتمال المسار لتحقيق الحلم ضرورة اكثر من ذي قبل حيث تجاوز الهاجس ليصبح حلما موسساتيا يندرج ضمن اولويةالكريديف الهادفة إلى حفظ الذاكرة النسائية واحيائها.. “ومما هو جدير بالذكر أن الطبعة الجديدة” لشهيرات التونسيات ” قد تم تقديمها بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة التونسية لسنة 2020 في إطار الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس الكريديف في حفل بهيج عُدّ مناسبة لتكريم الكاتب والاحتفاء به كعلم من أعلام تونس الذين بقوا فى الذاكرة وخلدت اعمالهم..
ونظرا لأهمية هذا الحدث واحتفالا بصدور هذه الطبعة استعدادا لعرضها في معرض تونس الدولي القادم للكتاب في دورته المقبلة أعرض في ما يلي ترجمة لحياة المؤلف وتعريفا بالكتاب عسي في ذلك مايشجع اكثر القراء عموما والشباب خاصة على قراءته والاستفادة من محتواه.
من هو العلّامة حسن حسني عبد الوهاب؟ هو حسن حسني عبد الوهّاب الصمادحي التجيبي ولد في تونس العاصمة يوم 21 جويلية 1884 وتوفي يوم 09 نوفمبر 1968 مؤرخ ومختص في اللغة والادب وهو ينتمي إلى عائلة مشهورة وغنية هي عائلة بني صمادح من ملوك الطوائف في الأندلس. تلقى دراسته الابتدائية في الكتّاب ثم التحق بأول مدرسة فرنسية بالعاصمة وتحصل على شهادة العلوم الابتدائية سنة1889 ليلتحق بالمدرسة الصادقية وهناك درس العربية والترجمة ثم هاجر إلى فرنسا حيث التحق بمدرسة العلوم السياسية ثم عاد إلى تونس سنة 1904
تحمل حسن حسني عبد الوهاب العديد من المسؤوليات الإدارية منها ما يلي :
ادارة أملاك الدولة في ما بين 1905 و1910
رئيس لخزنة المحفوظات التونسية فقايد اي وال على المثاليث وكان مقر القيادة منطقة جبنيانة وواصل عمله هناك من سنة 1928
إلى سنة 1935 وانتقل إلى الوطن القبلي نابل بنفس خطته سنة 1935 إلى حدود 1939
وفي ماي 1939 عيّنه الباي محمد الأمين وزيرا للقلم واستمر في الوزارة إلى سنة 1947 وفي مرحلة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة عُيّن رئيسا للمعهد القومي للآثار والفنون وفي هذه الفترة أسّس خمسة متاحف أربعة منها للآثار الإسلامية والخامس للآثار الرومانية في قرطاج
شارك حسن حسني عبد الوهاب في العديد من المؤتمرات العالمية وتحمل العديد من المسؤوليات في المجامع اللغوية مثل مجمع اللغة العربية في القاهرة. ومن أشهر ماترك من مؤلفات نذكر
خلاصة تاريخ تونس ط أولى سنة 1918
بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق
ورقات عن الحضارة العربية بافريقية التونسية
شهيرات التونسيات…
التعريف بكتابه “شهيرات التونسيات”
شهيرات التونسيات بحث تاريخي أدبي في حياة النساء النوابغ بالقطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى الزمن الحاضر”
هذا الكتاب الهامّ صدر في طبعته الأولى سنة 1934 زمن الاستعمار الفرنسي وهي السنة نفسها التي انعقد فيها مؤتمر الحزب الدستو ي بمدينة قصر هلال والسنة التي تأسس فيها المعهد الرشيدي للموسيقى وهي أيضا السنة التي توفي فيها الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابّي وفيها وفي فترة الثلاثينات عموما نشطت الحركة الفكرية والثقافية في تونس وظهر كبار رموز الحركة الأدبية الإصلاحية وفي مقدمتهم الطاهر الحدّاد(1911- 1935) وجماعة تحت السور
وقد صدر كتاب شهيرات التونسيات في طبعته الثانية بعد الطبعة الأولى في عهد الاستقلال وقد أشار المؤلف إلى ذلك في المقدمة حيث يقول :”مضى على إنشاء هذا الكتاب خمسة وأربعون عاما وكان الوضع السياسي والاجتماعي وقتئذ في البلاد التونسية على غير وضعه الحاضر ولما استقر العزم على إعادة طبع هذا التأليف لنفاذ نشرته الأولى أوحى القلم بكلمة موجزة أشير فيها إلى ما آلت اليه حالة المرأة من الرقيّ والانعتاق في عصر التحرير والانطلاق”
ونظرا لأهمية محتوى هذه المقدمة التي وضعها حسني عبد الوهاب خصيصا الطبعة الثانية التي صدرت بعد تسع سنوات من تاريخ الاستقلال رأيت من المفيد ان أحيل القارى عليها لانها تعتبر شهادة حق من المؤلف على الوضع الجيد الذي أصبحت عليه المرأة بعد تحريرها وصدور مجلة الأحوال الشخصية بقرار من الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله.
و المطلع على كتاب شهيرات التونسيات يجده قد اشتمل إلى جانب المقدمة على اهداء إذ أهداه المؤلف إلى ابنته التي كنّى عنها بأم الكرام وجاء في كلمة الاهداء مايلي :
“إلى أم الكرام نائلة عبد الوهاب
بنيّتي!
لم يرزقني الله من البنات لحد الآن بغيرك لذا وددت أن أهديك عقدا تندمج في سمطه جواهر حسان ويواقيت ثمان. حور مقصورات في الخيام يزري شعاعها بالكواكب والنجم الثاقب
فطالعي بنيّتي إشراق سناها تجدي سراجا وهّاجا يضيء حياتك ويهديك صراطا سويّا فتنالين مرضاة ربك وابتهاج تربك
والباريء اسأل أن يلهمك اقتفاء أثر الفاضلات من التونسيات فتكوني من الباقيات الصالحات إنه تعالى مجيب الدعوات….. أبوك
واذا عدنا إلى مقدمة الكتاب نجد حسن حسني عبد الوهاب يتحدث عن الظروف والأسباب التي دفعته أو شجعته على تأليف كتاب شهيرات التونسيات ويعيد سبب تأليف هذا الكتاب إلى أحد أصدقائه من خلال حوار جرى بينهما حول كتاب صدر في مصر ألفته كاتبة مصرية شهيرة انذاك هي زينب هانم فوّاز تحدثت فيه او عرّفت بالنساء المتقدمات في كل قطر ومصر وقد حزّ في نفس هذا الصديق عدم وجود كتاب أو مؤلف تونسي يعرّف بالنساء النابغات في بلادنا ويباهي بعبقريتهن ويفاخر به الشرقيين وكذلك الغربيين. هذا الصديق الذي لم يفصح حسن حسني عبد الوهاب عن اسمه كان هو القادح والمشجع له على وضع هذا الكتاب الذي تحوّل إلى مرجع هام للتعريف بالتونسيات العظيمات الشهيرات في العصور المتقدمة.
اما بالنسبة لمحتوى الكتاب فإننا نجد الكاتب قد قسمه بعد المقدمة إلى مجموعة من المحاور نذكرها تباعا:
1)الدور العربي
2)الدور الاغلبي
3) الدور العبيدي
4)الدور الصنهاجي
5)الدور الحفصي
6)الدور التركي
7)الدور الحسيني.
واستعراض في كل محور او دور أشهر النساء التونسيات دون استثناء شهيرات تونس قبل الحضور الإسلامي وفي المقدمة يذكر الكاهنة البربرية ويسميها صنديدة البربرية..
لطفي عبد الواحد