بقلم الشاعر والناقد أ عبد الله شبلي
مقدمة : صورة المرأة بين شرارة الابداع ومكابدة الأوجاع :
المرأة كائن بشري يقطر عذوبة وشفة ، ينشر طعم الوفاء والدعة ، يتسلح بالسكينة ويتخذ الطيبوبة والرقة ميسما ، بل هي منبع الإلهام وترياق الحرف ، زاد القصيدة وتفاعيل العروض ، هكذا اعتاد الشعراء والأدباء أن ينظروا إلى ” المرأة ” ، يتغزلون بها ، ويحيطونها بهالة من التقدير والتبجيل ، حتى غدت، في أحايين كثيرة ، رفد إلهام ، ومنهل إبداع لا يكاد يتوقف إلا ليبدأ من جديد.
هذه صورة المرأة في مخيال بعض من حملة أقلام الإبداع. لكنها صورة هي أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.
” المرأة ملهمتي ” “المرأة نصفي الآخر ” المرأة سر إبداعي ” هذه امرأة من سراب، وليست ابدا من لحم ودم. هنا فقط بين أوراق الرواية توجد صورة واقعية لامرأة على قيد سراب. صورة قد يراها هائم بحب امرأة تمنحه السكر والابداع ، بعيدة عن التحقق والتشكل ، بل حتى عصية على الفهم والإدراك ، لذا وسمها مصطفى بوغازي بكونها ” إمرأةٌ على قيد سراب ” .
إنها تعيش بيننا هنا، وبين صفحات الرواية هناك. لقد استنبتت بين الأوراق استنباتا فذا متفردا ، لا يليق إلا ب ” واقعية جديدة ” رسخها الكاتب ، حتى غدت من لحم ودم لا من حبر وورق، هي مشاعر تئن صارخة فاضحة ، تصرخ لتسمع ، وتفضح لتنصف، امرأة يستوطنها الكمد والعذاب ، يسكن قلبها الوجع ، وتتغلف حياتها كلية بأصناف الخيانات ، وضروب الآلام ، تصير امرأة بنصف كيان ، بعد أن كانت في الدين نصف مجتمع، فأريد لها أن تكون امرأة من ورق ،” امرأة تعيش على قيد سراب ” .
1. تمظهرات استنساخ صورة المرأة عبر الأجيال : حضور المخالفة وغياب المشاكلة.
حين ارتوت الأرض واهتزت وربت ، وانبتت من كل زوج بهيج ، حرمت ” راوية ” زوجاً مشتهى ، لأن المسيطر في مجتمع الشرق قال : ” لا “،*5 وهكذا حرمت ارتواء صنعته ذات قحط باسمها تيمنا ، اشتهته فما ذاقته ، ليحضر ” الآخر ” بديلا مفروضا في زيجة بطعم العزاء ( عزاء المشتهي وعزاء المشتهى) ، فيحضر” الديني ” في خليط عجيب مع ” الوثني ” ، لتستقيم الجراح ، وتتقرح نشرا لدمامل غرست في جسم غض طري ، سيولد اشتهاء غير ذي استواء ولا ذي ارتواء ، لينجب ” حنان ” بلا حنان .
وهكذا حصل الرجل المحاصيل ، وحصد الخصب ، ليزرع الخصب في غير موضعه ، نطفة مشتهاة بزفرة ورعشة ، موجودة لكنها مسلوبة معدومة . لقد كانت ” راوية ” أم حنان بدون ارتواء مذ صرخت في بيت ” شعبان ” ذاك الذي يبدو أن عينه سبقت باءه سهوا ، فهو إلى الشبع والشعب ( بالكسر طبعاً) أقرب ، وعن حرمة شهر أبعد ، ” اعتادت منه على وجه متجهم ، ينم عن ملامح تعدت بواعث الحزم ، إلى قسوة المزاج ، يمارس التسلط على كل من تقاسم معه العيش في هذا المكان “*6 .
ومادامت القابلة ” عويشة ” تصغيرا لعائشة ، فقد جاء عيش ” راوية ” منقوصا ، عويش لا عيش فيه ، منقوصا منذ ولادته العسيرة والعتيرة.
كل ذلك لن ينفع باستقامة الحب ارتواء ، فما الحب إن لم يحقق ارتواء ؟
ويظل الرجل متسيدا في تراتبية هرمية ، رصت فرعونية حجرا حجرا ، وقد أراد لها عن حنكة وحذق ” مصطفى بوغازي ” أن تتفاقم وتلتهم النص السردي التهاما كاملا ، ليمنع الاشتهاء والانتماء ، ويمنح الانكفاء والانمحاء . فيغدو الزواج تزويجا ، ركوبا في قطار بديل يمشي بحريق بنزين الخرافة منكها بطعم الدين ، فهو بشير الفارس ، الذي ظفر بالجسد – المتعة بديلا ونظيرا. معالج معمم بالدين مؤمن بكرامات المجاذيب. ” بشير هو أبي الفارس الذي حارب الجن وجيش آل مجذوب ، لطرده خارج جسمها ” *7