بقلم الناقد والشاعر أ لطفي عبد الواحد/تونس
في يوم 24 أوت 2020 تحل الذكرى الثالثة عشرة لوفاة علم كبير من أعلام الجامعة التونسية هو الاستاذ الدكتور العالم والاديب محمد السويسي المولود في مدينة دار شعبان الفهري في 21 فيفري 1915 هذا الرجل الذي يعد من العباقرة في مجالين مختلفين لكنهما يتكاملان ولا يتنافران في تصور الرجل وبناء شخصيته وهما مجال العلم ومجال الادب اللذين لمعا فيهما وقد تجلى هذا الجمع في احرازه على الدكتوراة في الرياضيات والدكتوراة في الادب.. ونظرا لشهرة أستاذنا وثراء سيرته الذاتية الحافلة والتي بامكان أي واحد منا الرجوع اليها للتعرف والوقوف على اعماله الجليلة ومؤلفاته العديدة التي اثرى بها المكتبة العلمية والادبية في تونس وخارجها رأيت بمناسبة الاحتفال بذكرى وفاته وباعتباره ابنا بارا من أبناء مدينة دار شعبان الفهري التي انجبته وهي نفس المدينة التى كانت أنجبت صديقه وابن جيله الأديب وخادم الأدب الأمين محمد البشروش رحمه الله ان اتوقف عند مقال طريف كان قد كتبه المرحوم ونشره في الأربعينات من القرن الماضي وتحديدا في عدد شهر افريل من مجلة المباحث لسنة 1945 ضمن السلسلة الجديدة التي اشرف عليها الأديب المرحوم محمود المسعدي بعد وفاة مؤسس هذه المجلة المرحوم محمد البشروش وعنوان هذا المقال هو “أثر الهندسة النظرية في فن البناء والنقش على الحجارة” وقد امدتني مشكورة بنسخة منه حفيدة المرحوم السيدة سيرين حفظها الله.
وقد توقفت عند هذا المقال بالذات لانه ذكّرني بمحاضرة كان ألقاها الاستاذ السويسي في مدينته دارشعبان الفهري في إحدى الدورات الأولى لملتقى الأديب محمد البشروش وفيها أشار إلى فن النقش على الحجارة الذي اختصت به هذه المدينة العريقة وقرأ للحاضرين من هذا المقال المفيد اللطيف فقرة لاتخلو من الطرافة وحسن الأسلوب وفيها يصور أحد النقاشين وهو بصدد نقش الحجارة وفي هذا مايدل على مدى إعجاب الاستاذ السويسي بكل مظاهر الفن بأنواعه وخاصة فن النقش على الحجارة الذي جلب اهتمامه واعتزازه به كفن حرفي له تاريخه وجذوره في الفن العربي والهندسة العربية الإسلامية. ونظرا لطرافة ما تضمنه هذا المقال من وصف جميل أورد فيما يلي هذا الفقرة كما وردت منشورة في مجلة المباحث كما يلي :
“.. وكذا يستمر حلم النقّاش الفنّان بين تشاجر الخطوط الهندسية : حلم لا نهاية له ولا مناص منه حلم روح حيرى متدفقة متصاعدة تريد لو امكنها ذلك النزوح إلى عالم الأرواح بل تروم ان تعانق روح الكون وان تناجي ربها راضية مرضية..
وتنشقّ الحجارة تحت نقر المقراض فإذا هي كالسيل المفعم تتفرع إلى عدة أودية بل هي ثعبان يسعى ويلتوي تئنّ كالمتالّمة ولكنها تخفق خفقانا لطيفا هو الحياة واذا وقف الصانع وتم المنظر إذْ انت مندهش محتار أمام قضبان متداخلة متعانقة تتراقص رقصا من ارقاص الالهة بل هي رقصة الروح كأنّ بها سحرا لا يكاد يجد الطرف معها مناخا ولا مستراحا يقول ليون :
“من ألقى نظرة على الأعمال الأدبية والفنية التي تمت على أيدي العرب تجلى له انهم حاولوا ابدا ان يزيّنوا الطبيعة وطابعه الذي يبدو وفي الفن العرب هو التخيّل والبهاء والضياء والتزايد في الزينة والدقة فالعرب عنصر شاعر وايّ شاعر لا ينطوي على فنان وقد تم لهم تحقيق جميع أحلام الشعر فاولدوا هذه القصور البديعة التي تبدو للعيان كأنها تضاريس من الرخام المرصع بالذهب والاحجار الثمينة.. “
رحم الله الدكتور محمد السويسى الأديب وعالم الرياضيات واسكنه فراديس الجنان وتحية من خلال روحه الطاهرة إلى كل أعلام دارشعبان الفهري ونابل وتونس العظيمة الذين خدموا وطنهم والإنسانية بما قدموه من صالح الأعمال وما تركوه من مآثر واثار تشهد بعبقريتهم ومساهمتهم في الحضارة الكونية..