الشاعرة والكاتبة أ.لطيفة الغراس/مكناس المغرب
مكناس تاريخ وعلامات، مكناس ولمة للأمازيغ وعبيد البخارى وفلول الأندلس المنهزمة
كان أبي رحمه الله يعتز بنسبه وبهجرته من موطن جده( المولى سليمان) بالبليدة ومكان ضريحه،لأن هذه الهجرة هي رد فعل على الاحتلال الفرنسي للجزائر،وكانت هجرة أسرته التانية من جبال البرانس إلى أرض وهبها الملك الحسن الأول لرافضي الاحتلال الفرنسي،وكانت بشراقة نواحي فاس،والهجرة الثالثة كانت بعد دفاع عن الشرف وهاجروا إلى مولاي إدريس زرهون،وبعد صراع مع القايد الغالي في عهد الاستعمار ،هاجروا لمكناس بعد أن كان والدي رحمه الله يوزع مناشير الحركة الوطنية بزرهون،كل الهجرات كانت تتسم بالنضال ،ونسمع اليوم حكومات عربية تبيع نفسها للشيطان…
في مكناس أثرت طرق العيش الأندلسية على أسر منها من وفد من جبال الريف ومنها من وفد من جبال الأطلس ومنها عبيد البخارى الذين أتى بهم الملك المولى إسماعيل وهو الذي جعل من هذه المدينة عاصمة عظيمة.
وإذا كنا نعرف أن من الأمازيغ من استعرب،فمكناس هي الدليل على المقولة،ويمكن الرجوع للعالم المؤرخ المرحوم عبد الرحمان بن زيدان ،حيث كتب بتفصيل عن قبائل المغرب.
كنت أندهش لمعرفة أصول الأسر المكناسية من لدن أبي رحمه الله،وكيف كانت بداية وفودهم إلى مكناس وكان البعض يعتقد أنه أمازيغي الأصل وهو عربي الجذور والعكس! وذات يوم لا حظت تأففا من أمازيغية استعربت وشربت من حضارة الأندلس وهي تتلفظ بكلمات غير محمودة…
مكناس جاء سكانه من نواحي تازة واشتغلوا بالفلاحة وتربية المواشي ،وكان حي الحبول وفران النوالة وروى مزيل زرائب لتربية المواشي ،بل كانت بعض المنازل في مولاي أحمد الشبلي وفي سيدي قدور العلمي وزاوية مولاي التهامي ،يسكنها الناس ومعهم بعض البقر لبيع الحليب،وغيرهم اشتغل ببيع زيت الزيتون ووضع أحواض كبيرة لها وبقيت هذه العادة إلى وقت قريب في مدينة مولاي إدريس زرهون، كانت الناس في منزل واحد مع أصهار أو أعمام وقد يجعلوا بعض الغرف للكراء.
لم تكن التجارة إلا بين اليهود حيث امتهنوا صياغة الذهب والفضة وكانوا سادتها، وإلى جانبهم أهل سوس في تجارة البقالة.
اشتغل اليهود بخياطة الأفرشة وأجواق الموسيقى وترقيع آنيات الخزف.!كما اشتهروا بخياطة الملابس التقليدية،وبدأت تنتقل هذه الحرف إلى بعض الأسر وخصوصا الذين كسدت تجارتهم بفاس وحجوا إلى مكناس،كانت بعض الأسر تعرف بموطنها الأول أو بحرفتها،خصوصا الفلاحة هي مورد الرزق بمكناس، ضيعات كبيرة أنشأها المستعمر بعد ذلك بنواحي مكناس،وجعلوا من حمرية بلدة جديدة على الطراز الفرنسي.
أتذكر جداريات لرسامين بمركز البريد الرائع الهندسة،وللأسف الشديد فقد تعرضت لهمجية التدمير فيما سُمي بالإصلاح..! ولا زالت جدارية بسينما كاميرا ولست أدري هل بقيت بثانوية المولى إسماعيل.
جاءت الثورة على الاستعمار وكان من المكناسيين من تميز باقتناص الفرص،وقد غادر المقيمون من الفرنسيين وباعوا أملاكهم برخص التراب،وكان الفكر المهيمن إذاك بمكناس هو اكتناز المال والذهب،وكان أبي يحكي عن أحد الفاسيين المقيم بمكناس،أنه بالصيف يُخرج ذهبه في عربة صغيرة يدوية تستعمل في البناء ليعرضه للشمس..!
في حمرية بدأ بعض المغاربة يتعلمون مبادئ عصرنة البناء المعماري على يد مهندسين فرنسيين،وبدأت حرف جديدة في ميدان الكهرباء وغيرها.. وهكذا بدأت طرق المشروعات واستثمار المال،بعد أن كان يُجمد في الصناديق.
التأثير الفرنسي كان أقوى في مكناس ولذلك اكتست طابعا حضاريا يميل إلى الأرستقراطية،وهكذا ظهرت الفروق بين الشرائح الاجتماعية من حيث التمدين..
تدهورت أحوال مكناس وحل محل العلم والحضارة ،المال السهل وطال التهميش هذه المدينة بغياب الحس الوطني وحل محله الفكر الانتهازي والباقي يعرفه كل المكناسيين،وحتى الذين اغتنوا بالتجارة بطرق مختلفة،لم يحافظوا على هذه المدينة ولا اهتموا بحالها إلا من رحم ربك..
هذه مكناس التي قامت بعد زلزال لشبونة وبعد حياة في ظل الاستعمار وبعد انحطاط في ظل مسؤولين وفدوا عليها ولا تربطهم بها علاقة حب ولا غيرة…