بقلم: الدكتور العيد بوده / الجزائر
إن هذه الصحراء متحف ثمين مفتوح على الثراء الطبيعي المتنوع، وعلى المنجز الثقافي العابر للفنون والعلوم الإسلامية والإنسانية والفلكية والرياضية ، وما إقليم توات المتموقع بالجنوب الغربي لجزائرنا الكبيرة ، إلا نموذج لما يحتضنه الجنوب الجزائري المتكئ على ثروة وازنة من المخطوطات المتمددة على صفحات العراقة، وهذا ما دفع الحكومة الوطنية إلى تشييد أول مركز وطني للمخطوطات بولاية أدرار؛ بالنظر إلى امتلاكها أكبر قدر من المخطوط ، ضمن خزانة تراثية ثرية، قوامها ثلث مخطوطات الوطن الجزائري ، وليس من عجب أن تتوفر أدرار الراسخة في تقاليد المعرفة على هذا الكنز المخطوطي الهائل ، فقد كانت المنطقة منذ أزمنة عتيقة، مركزا لعبور القوافل التجاريه في العصر الوسيط والحديث، مما جعلها تحوز على حركه علميه وثقافيه لامعة، أسفرت عن تكوين مراكز علمية معطاء على غرار؛ الكتاتيب والمساجد والزوايا والمكتبات الخاصة للعلماء والشيوخ، ممن تركوا رصيدا علميا كبيرا، جعل أدرار تتمركز في المرتبة الأولى وطنيا في حيازة المخطوطات.
ولقد وجهني الشغف بتراث الصحراء، إلى محاولة الوقوف على واقع المركز الوطني للمخطوطات بأدرار، حيث جمعتني لحظات تواصلية ماتعة بأحد إطاراته المحترمة، فكان بيننا هذا الحوار الذي افتتحه ببطاقة تعريفية موجزة بالمركز المذكور:
المركز الوطني للمخطوطات بأدرار هو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، و هو تحت وصاية الوزير المكلف بالثقافة. أنشئ بمرسوم تنفيذي رقم 06 -10 المؤرخ في 15 ذي الحجة عام 1426 ه،ـ الموافق لـ 15 يناير سنة 2006م.
وقد تحدد التنظيم الداخلي للمركز وفقا للقرار الوزاري المشترك المؤرخ في 05 رجب 1429 الموافق لـ: 08 يوليو 2008م، والذي بموجبه تم تقسيم المركز إلى أربعة أقسام، وكل قسم به مصالح وهي كما يلي: قسم الإدارة و الوسائل- قسم الجرد والبحث- قسم الحفظ- قسم التنشيط
أما مهام المركز، فنذكرها على النحو الآتي:
– إجراء جرد عام للمخطوطات، وتصنيفها من خلال القيام بفهرسة علمية لها، ثم دراسة مكونات المخطوطات ( الورق. الحبر صناعة أدوا ت الكتابة .صناعة الكتاب ).
– حفظ المخطوطات بالطرق العلمية الحديثة، واقتناء جميع الوسائل الضرورية لذلك، وتوفير أحسن وأنسب الأوعية الحافظة للمخطوط. كما يقوم المركز بتحقيق أهم المخطوطات من طرف الباحثين المختصين . في خطوة عملية لتثمين المخطوط والحفاظ عليه بوصفه مؤشرا هاما في تحديد هوية حضارية وثقافية للفرد والمجتمع ، تحديد واختيار الرسالة الإعلامية المناسبة للتعريف بالقيمة العلمية والتراثية للمخطوط .
– يعمل المركز على تحديد الخريطة الوطنية للمخطوط ، وإبراز القدرات الفكرية والإبداعات الفنية المحلية من خلال المخطوط ( فن الخط. علم النقوش .التنميق). كما يسعى إلى إبرام جميع الاتفاقيات والعقود مع الهيئات الوطنية والدولية.
ننتقل بكم من الفضاء التعريفي بالمركز، إلى حوارنا مع أحد إطاراته ، وهو السيد بلفقير أحمد، الذي نطلب منه تقديم نفسه مشكورا للقراء الكرام.
يتواصل معكم بلفقير أحمد . من مواليد 05/12/1984م بأدرار . حاصل على ليسانس تاريخ عام، وماستر 1 تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء، و صفتي الوظيفية إطار بالمركز الوطني للمخطوطات منذ 2008م، برتبه مرمم في التراث الثقافي، تخصص صيانه وترميم وحفظ المخطوطات
ولديا عدة شهادات في ما يخص المخطوطات، على غرار: شهاده في الفهرسه والجرد، وشهاده في التعامل مع المخطوطات، وشهاده في حفظ المخطوطات والمطبوعات والوثائق النادرة، وشهاده في ترميم وصيانه المخططوظ، وشهاده في التجليد وصناعة علب حفظ المخطوط.
وفي رصيدي عدد من المشاركات الثقافية والعلمية في ملتقيات وطنيه وولائيه وأيام دراسيه، وكذا القيام بورشات تكوينيه لفائده طلبه الجامعه والمعهد في كل جامعة أدرار وتلمسان.
كيف يتم عمل المركز؟
تجدر الإشارة أن أغلب المخطوطات يملكها أرباب خزائن خاصه، ولا يمكن للمركز التدخل فيها؛ لأنها ملكيه خاصة لأصحابها الذين توارثوها أبا عن جد، وعليه فإن دور المركز ينحصر في جرد وإحصاء هاته المخطوطات، وكذا إحصاء عدد الخزانات التي تحوز عليها.
وبعد استيفاء عمليتي الجرد والاحصاء، فإننا نقوم بدراسه الخزانات وحاله المخطوطات المتواجده بها.
أما المخطوط الذي لا يتبرع به أصحابه للمركز فإنه لا يحفظ داخل المركز ، وإنما يحتفظ المركز بنسخة رقمية منه بعد نسخه ضوئيا، أما المخطوطات التي تبقى داخل المركز، فتترك في متناول الباحث، ولكن لا يتم منحه النسخة الأصلية، وإنما تُسَلَّم له نسخه رقميه، يتطلع من خلالها عن محتوى المخطوط، بغرض الاشتغال عليه.ذلك أننا تعرضنا لعملية سرقة المخطوطات الأصلية التي تمت إعارتها، ولم يتم إرجاعها.
كم تعداد المخطوط الذي تم إحصاؤه إلى الآن؟
لقد أحصينا ما يقارب 80 خزانه عبر إقليم ولايه أدرار فقط، عبر مواقعه الثلاثه المتمثلة في قوراره، توات، تيدكلت، وقد أسفرت العملية عن إحصاء ما يقارب 9700 مخطوط، خلال مدة زمنية قدرها أربع سنوات، انطلاقا من سنة 2009م، وصولا إلى سنة 2013م.
وتجري حاليا عملية جرد وإحصاء المخطوط المتواجد في ولايتي تمنراست وتندوف.
ماهي المضامين التي تضمنتها المخطوات التي قمتم بجردها؟
يجب الإشارة أولا إلى حقيقة مؤسفة تعكس مأساة التراث الجزائري، ويتعلق الأمر بإتلاف مخطوطات الجزائر عامة، وفي الجنوب على وجه الخصوص، حيث شهد المخطوط حمله استعماريه هدامة قضت على قدر كبير من الكنوز المخطوطة.
أما بخصوص محتويات المخطوط المجرود، فمعظمها تتعلق بالمعطى الديني ؛ فيما يتصل بالعقيده والقرآن الكريم والسنه النبوية الشريفة، وبعض الأوراد والمتون، والفقه، والخُطب، والأدعيه، وبعض كتب الطب البديل، وعلم الفلك ومن ذلك التنجيم.
أما غالبية الكتب العلميه، فقد نُهِبَت من طرف المستعمر، أو سرقت، أو أهملت بسبب الجهل وعدم الدرايه بقيمتها.
هل يمكنكم إبراز أهم المشاريع المستقبلية للمركز ؟
يعتزم المركز تحقيق تقدم مهم في مجال العناية بالمخطوط، ومن المشاريع التي سطرها لذلك، أذكر:إحصاء المخطوط عبر كامل التراب الوطني، لا سيما بوسعادة وبسكرة وورقلة والأغواط ، وغيرها من المناطق الآهلة بالمخطوط، فنحن الآن بصدد إنشاء خريطه وطنيه لخزانات الوطن وعدد المخطوطات التي تحتويه، أو نتمنى أن نقوم بعمل جدي نحاول من خلاله إزاحة اللبس عن هذا التراث التليد، ونفض الغبار عن العقول التي تكتنزه.
وقد أبرمنا عدة اتفاقات مع جامعة أدرار لإقامة مشاريع مشتركة مستقبلا، على غرار الملتقيات وزياره الباحثين، وتبادل الخبرات.
ما المشكلات والتحديات التي تعترض جهود العناية بالمخطوط؟
– تهديدات مختلفة تحدق بالمخطوط، على غرار العوامل الطبيعية التي أدت إلى هشاشة أوراق المخطوط واتساخها أحيانا، وتغير لونها في أحايين كثيرة ،ناهيك عن تلف بعض المخطوطات، والتصاق الحشرات ببعض حروفها، وطمسها لبعض الكلمات،، إضافة إلى تلف المخطوط بفعل انتشار الأردة أو بعض القوارض.
– عدم امتلاك أصحاب الخزانات لتقنيات صيانة وتوثيق وحفظ المخطوطات.
– الذهنيات الاحتكارية لبعض أرباب الخزانات الخزانات التواتيه التي تزخر بكنوز ثمينه تجعلهاحبيسه الأدراج والصناديق، وعرضة للتلف؛ ذلك أن بعضهم يرفض تسليم المخطوطات، أو إتاحة الخزانة للصيانة على الرغم من أن القانون لا يمنحنا حق التصرف في المخطوط أو الاستحواذ عليه. فهناك من يطلب مقابلا ماديا أو خدمة ما مقابل فسح المجال للإلمام بمكونات خزانته المخطوطية.
– غياب التوعية والتحسيس الإعلامي بأهمية وقيمة التراث المخطوط خاصة والتراث الثقافي عامة، ومن ثمة فإن المخطوط الذي بحوزة المركز يتمتع بالحماية والصيانة، أما المخطوطات التي بحوزه أرباب الخزائن فهي غير محمية، حيث يمكن لأي كان أن يتحصل على المخطوط من صاحب الخزانه دون الرجوع للمركز، وهذا ما يجعل المخطوط في خطر من حيث التعامل معه وطريقه حفظه بلا شك.
ما المقترحات التي تراها مناسبة لترقية نشاط المركز في تثمين وحفظ المخطوط؟
للحديث عن المقترحات لابد من التركيز على بالإمكانات وضرورة توفيرها من أجل تحقيق الغاية من الاقتراحات المرطوحة، إذ لابد لأي مشروع من أرضيه يقوم عليها.
– اعتماد قانون خاص يحمي المخطوطات التي يحوزها أرباب المخطوطات، وكذا المخطوظات التي تمتلكها المؤسسات الثقافية والعلمية.
– تكثيف عمليات التحسيس والتوعية بقيمة المخطوط وضرورة الحفاظ عليه؛ فللتحسيس دور كبير في تذليل العقبات ويسهل على الباحث الباحث للوصول لضالته، وعلى المتخصص الحفظ وصيانة المخطوط سواء داخل الخزانه أو خارجها، ومن هنا فإننا نؤكد على استثمار المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها في الشأن التحسيسي، على غرار الإذاعه المحليه والوطنيه ، والصحافة المكتوبة والمرئية، إضافة إلى النشاط الجمعوي، لاسيما الجمعيات المختصة بالتراث .
كما لا ننسى في هذا الصدد أننا قدمنا برنامجا تحسيسيا لتلاميذ المدارس، وقد لمسنا منه نتيجة حسنة.
– على الجهات المعنية والمختصة أن توفر الامكانات البشريه والماديه لحماية المخطوط.
– على أرباب الخزائن تسهيل عملية الوصول للمخطوطات؛ وذلك بفتح المجال للدارسين والمهتمين بالشان التراثي والثقافي، والسماح لهم بدراسه حيثيات هذا التراث، وإخراج ما أمكن إخراجه للعامه من تحقيق وغيره.
– تنظيم النشاطات العلمية والبيداغوجية المتعلقة بالتراث المخطوط؛ كالأيام الدراسية، والورشات وإقامه الدورات التكوينيه داخل وخارج المركز.
كلمة الختامية نُنْهِي بها هذا الحوار الماتع :
أقول ختاما إن التراث مكسب مهم وأن الحفاظ عليه مسؤوليه مشتركة بين الجميع كل حسب موقعه، ومن ثمة يجب علينا مظافرة الجهود من أجل تذليل الصعوبات، وتحدي العوائق الحائلة أمام تثمين وحفظ الموروث الثقافي من الضياع، لأن التقصير في ذلك يعد تضييعا للهوية، وتفريطا في عمقها.
ولا يفوتني أن أشكر الدكتور العيد بوده على مشاطرته إيانا الاهتمام بالموروث المحلي، وعلى إتاحته هذه المساحة الحوارية لتوعية المواطن بقيمة ووزن المخطوط بوصفه أحد أوجه التراث.