الكاتبة د. سعاد الفقي بوصرصار
بعد الاستماع الى الصناعة والملاحة نُودي على السّياحة.
ـــ محكمة. السيّدة سياحة نستمع الى شكواك.
تقدّمت السيّدة سياحة وهي في أتمّ أناقتها تنقر أرض المحكمة بكعبها العالي وقد اشرأبّت اليها الأعناق تتأمّل طاقمها الأزرق انعكست عليه ياقة القميص الأبيض فبدت كأنّها مضيفة طيران:
ـــ شكرا سيّدي القاضي.
أنا السّياحة. لا أحد ينكر مساهمتي في الاقتصاد العالمي وتطوير الناتج المحلي للدّول التي تعوّل عليّ. علاوة على ما أوفّره من تشغيل اليد العاملة وترويج البضائع وخاصة الصناعات التقليدية
وتعدّ الاستثمارات العالمية في السياحة من أفضل وأنجح الاستثمارات إذ يفوق عدد الزائرين الدوليين بالعالم ملياري زائر سنويّا.
كلّ هذا ضاع وتلاشى بانتشار الكورونا وتوزعها في ربوع الأرض وزرعها الرعب والموت. فاضطر محبّو السفر والرحلات الى لزوم بيوتهم صاغرين متوجّسين فأغلقت الفنادق والمتاحف والحانات والبارات وحتى المعابد والمساجد والكنائس وأُلغيت الندوات…
اختفى السوّاح وهجروني فانكسرت وأصبح الضياع يتهدّدني ولا أعلم أن كنت سأستطيع النهوض من جديد أم هو الفناء ومغادرة الميدان وتخلّي البشر عنّي بلا رجعة.
ما عساه يكون مصيري ومصير الآلاف من البشر الذين أشغّلهم. إنّها كارثة حلّت بي وبأتباعي لذا أنا أطالب الكورونا بالتعويض عن خسائري وشكرا.
ـــ شكرا سيّدة سياحة. الكلمة الآن للسان الدفاع تفضّل.
تقدّم محامي الكورونا الأخير في خفّة وحيّى المجلس القضائي ثمّ قال:
ـــ سيّدي الرئيس حضرات المستشارين.
لا يغرنّكم هذا المظهر الجذّاب للسيّدة سياحة فكلّ ما نسب من تُهم لمنوّبتي هو باطل من أصله. وما حلّ بالسياحة إنّما هو بسبب خروجها عن جلّ القيم المتعارفة وحرصها على إرضاء الحريف والغنم من دولاراته القذرة حتّى ان استعملت أحقر الأساليب وأكثرها دعارة في إذلال البشر والتعدّي على كرامتهم…
لم تعد السّياحة للثقافة والاطلاع والاقتراب من الآخر والتعرف عليه والاستفادة من حضارته بل السّياحة الرائجة التي تدرّ الأموال الحمراء هي سياحة الفسق والمجون والعربدة التي تنفق فيها أموال الشعوب في فضاءات خيالية شبقية من أجل نزوة أو شهوة…
فتحتِ أبواب اللذة الحرام لأثرياء العالم وتفنّنْتِ في جعلهم يرتكبون أقذر الفواحش في أجواء ألف ليلة وليلة.
ماذا فعلتِ بهذه الأموال غير تدعيم التفاوت الطّبقي وتنمية العُقد النفسية ومضاعفة آلام المقهورين والبؤساء فلم تنتصري لقضيّة عادلة ولا وقفتِ في وجه حاكم ظالم جائر سكتِّ على الظلم وجبروته ودعّمته…
حتّى أموال السّياحة الدينيّة ــ وهي ليست قليلةــ ولا أتحدّث عن الحجّ والعمرة بالنسبة للمسلمين فقط لأنّ لكلّ الشعوب مزارات مقدّسة تنفق من أجل الوصول اليها والتعبّد فيها الأموال الطائلة في الهند والصين وأمريكا وأوروبا… حتّى هذه الأموال تنفق في شراء الأسلحة لاستعمالها في قمع الشعوب حتّى يضمن الحكّام بقاءهم في كراسيهم.
سيّدة سياحة، نظرتِ الى العالم من برجك العاجيّ ودُستِ على القيم وجعلتِ همّك الوحيد المال ولو أنفقت جزء ضئيلا من المرابح لتقليل نسبة الفقر والمجاعة في العالم أو مقاومة التلوّث والقضاء على الأمّية لكان وضع العالم أفضل ولكانت الشعوب استمتعت بالسعادة التي هيّ حقّ للجميع. لذا أنا أبرئُ منوّبتي لأنها كشفت زيفك ونفاقك وإجرامك… وشكرا.
ـــ ترفع الجلسة
يتبع…