الشاعر صالح أحمد (كناعنة)
عِندما يَنكَمِشُ الصَّوتُ، لا يَعودُ يَنفَعُ الصّدى.
بعيدًا أحِسُّكَ أيّها الرَّجعُ؛
قريبًا أراكَ أيُّها الأفقُ؛
إلى دَرَجَةِ الخَوفِ مِن أن يكونَ لي صِلَةٌ بِك.
؛؛؛
ألا ارتَعِش أيّها الجَسدُ ، ألا انتَفِض…
فهَكذا أشعرُ أنّكَ -ورَغمَ النّزفِ- مازلتَ تُعاقِرُ الحَياة
؛؛؛
قابَ قَوسَينِ أو أدنى مِنَ الوَصلِ كُنّا…
ثمّ تَقاذَفَنا الطّريق..
ومَشَينا…
كُلُّ المِياهِ تَغدو غَريبَةً حينَما تَجوعُ الرَّحى لِصدى الطَّحين.
أحلامُنا سُحُبًا سَتَغدو حينَ يَسكُنُنا النُّضوب.
كُلُّ المَعابِر تَشتَهينا؛
حينَما تَغدو المَسافاتُ انحِناءاتِ الضُّلوع،
والمَلامِحُ بعضَ ألوانٍ بِخارِطَةِ الغَريق.
؛؛؛
كُلُّ المَدى خُطَبٌ تَصَعَّدُ في مَيادينِ السُحُب.
أعطِني… أعطِني أيُّها الجُرح طينا؛
لِأَستَميلَ الغَيمَةَ السَّكرى إلى شَفَتي؛
وأستَجدي اللَّقاحَ.
أعطِني لُغَةً لا تَموتُ على أرصِفَةِ الليل؛
وحَكايا لا تَضيعُ بها مَفاتيحُ الدُّروب.
أعطِني… أعطِني أيُّها الصّمتُ طينا؛
لأغسِلَ عِندَهُ عُذرِيَ المُلوَّثَ بالخِطاباتِ السَّقيمَة .
؛؛؛
أنا كلّما داعَبَني الموتُ تَوَلّدَت بي أبجدِياتٌ جَديدَة؛
وتَرَنَّحَت غَيمَةٌ ما راقَها وَطَري؛
فتَقاذَفَتني كُلُّ أطيافِ الغُروب.
؛؛؛
أيُّها الصّوتُ المُغَرَّبُ عَن دَمي؛
لا صَدى لَكَ تَشتَهيهِ مَلامِحي
أنا كُلّما تَعتَريني الذّكرياتُ
أرى مَلامِحي تَتلو طُقوسَ الضَّيمِ في ذاتي،
وتَهديني رَصيفًا أبجَدِيًا
يَحتاجُهُ دَهرُ المَنايا والذّنوب.
؛؛؛
هي الرّيحُ…
هي الرّيحُ يا صاحِ،
وهذا صَوتُها الأوحَدُ في المَدى.
يا صاحِ كلّما عانَقتُ العَتمَ؛
غَرَسَت بي سِكّينَها يا صاحِ؛
وأهدَتني قَبيلَة!
فأعطِني… أعطِني أيُّها الصّوتُ طينا؛
أَكسو بِهِ وَجَعي،
وَوَجهَ غَمامةٍ..
أوّاهُ كَم حامَت لِتُمطِرَنا طُقوسا!
فَمَدينَتي سَكِرَت لِتَستَهوي العَبيد.
؛؛؛
أَتعَبَني المَيلُ عَن لُغَتي حَبيبي
لَعِبَت بي أطيافٌ شَتّى
فَأعطِني… أعطِني طينًا حَبيبي
أكسو بِهِ عُريي؛
لِتَعرِفَني الدُّروب.