الكاتبة والشاعرة أ. لطيفة الغراس/مكناس/ المغرب
ركبتْ مكناس آلة الزمان تريد الفرار من عبث الأقدار،ولكن دوران العجلات حط بها في برج معزول،تنظر البساتين فلا تجد شتلات الورود والأزهار والرياحين! لم يبق إلا أغصان زيتون تذكرها بجبال فاكهة مقدسة من عهد الرومان..
تساءلتُ وأنا أرى مدارات كئيبة بلون كالح كقلب الثكلى!
أتذكر مكناس بجمال من نوع آخر كانت الحضارة قد بصمته،لأن الآثار العظيمة للعاصمة الإسماعيلية خالدة لن تطالها يد الفاقد لروح التاريخ،لن أكتب اليوم عن باب منصور العلج ولا عن باب ثلاثة فحول ولا عن قبة السفراء ولا عن صهريجها الخالد،ولكن سأتحدث عنها وهي تحلم بالبهاء والجمال،ولكن داخل زنزانة،حيث لا قوارير عطر ولا مرآة ولا فرشاة زينة..!
أتذكر عندما كنت أذهب لسينما أمبير أنا وأختي وبعض صديقاتي وقد يكون الفصل شتاء،ومكناس غادة تحب الألوان الزاهية ،كانت رائحة القسطال المشوي تدخل خياشمنا،وصاحب العربة البيضاء الجميلة يضع قبعته البيضاء ،فنتهافت على سلعته،في فترة استراحة أثناء العرض كنا نلجأ إلى متجر مونوبري لنبتاع الكراميل،،في فصل الصيف كانت العربة تتحول لبيع المثلجات وبالأخص ( بانكوان).
ليست هناك طقطقة حبوب البذر ،فالكل في سرحان في ملكوت الجمال مع أفلام،ذهب مع الريح،إيزادور، كوخ العم توم ،أفلام مقتبسة عن روايات لكتاب عظام !
كانت رائحة العطر والملابس النظيفة والأحذية اللامعة تضفي على المكان هالة من الجمال والسكينة،الحديث يتم همسا بين المتفرجين!
بعد السينما نلف بشارع محمد الخامس،دون خوف ولا وجل وندخل متجر التازي أو الترجمان أو جاما،لنتفرج على المعروضات.
وكان يوم الجمعة هو يوم ألعاب القوى بملعب مشلي،وكان الذهاب إليه رحلة حديث ولهو وكنا بالمدينة القديمة،والملعب بحمرية( المدينة الجديدة) حيث كنا نمر بعقبة كابوبلان.
ويوم الأحد هو لممارسة ( كرة الطاولة) بنادي الشبيبة الاستقلالية بدار السمن بالمدينة القديمة،إننا كنا ندرس بمدرسة النهضة الإسلامية وهي من المؤسسات التي أنشأها حزب الاستقلال،ولذلك كانت دروس التقوية بهذا النادي.وأحيانا كنا نتابع أنشطة الكشفية الحسنية وقتها. ونمارس رياضة السباحة مع الشبيبة والرياضة،تحت إشراف مدربة إسمها مليكة العلوي.
أتذكر مدربة ذات جسم ممشوق كنا نسميها جمال فريال،نسبة لبطلة مسرحية. وكان المسرح حاضرا في سينما ريجان حيث شاهدنا وقتها مسرحيات مثل مسرحية أوديب !
كانت مكناس رائدة الحضارة والثقافة بكل ألوانها.
كانت المحاضرات بالغرفة الصناعية والتجارية الواقعة بنهاية عقبة الكومسير!
اليوم أجد شارعها الجميل كئيبا بزليج لقيط غير متجانس وإضاءة باهتة ومعروضات متخلفة ومدارات لا تخضع لمنطق الشوارع القديمة الضيقة التي لم تتغير منذ عهد الحماية.
هذه المدارت تتلاءم والشوارع الجديدة الواسعة،ونحن كامرأة سمينة نحشرها في ثياب ضيقة،غابت الزهور والورود من هذه المدارات وتوقف الإبداع عند الزيتون فهو لا يحتاج عناية ولا سقيا ! ولوتلفتنا قليلا لجارتنا فاس سنجد ما يرضي الذوق،للأسف علم الجمالوجيا لا يعرفه البعض !
وللحديث بقية إن شاء الله.