د. سعاد الفقي أديبة تونسية
سوداء لا تنــزل الأحزان ساحتها… إذا مســها ضــرّ مسّتـه ســـراء
عذرا أبا نواس لقد استبدلت صفراءك بالسوداء فهذه الأوصاف تنطبق تماما على القهوة مشروب العصر هذا المشروب الذي يحظى بشعبية كبيرة في كافة أنحاء العالم فهي تشرب في البرد والحر وتشرب في كل المناسبات العادية والخاصة بل لعل وقع حياتنا أصبح على القهوة.
فهوة الصباح تلملم ما تناثر منا أثناء النوم تصفي الذهن وترتب الأفكار استعدادا ليوم جديد.
قهوة العشية تزيد في العقل وقية (وبالنسبة لي خاصة مع فوزية)
وتعطي عذوبة للمساء عندما تفوح رائحتها في الأرجاء و تداعب خلايا الرأس…
وتعتبر القهوة جزء من الحياة الاجتماعية او أسلوبا للعلاقات:
فحول فنجان قهوة يجتمع الناس ويتحاورون ويتناقشون و يتصالحون ويقضون حوائجهم:
ــ وقتاش نشربو قهوة؟
ــ ايجا نشربو قهوة.
ــ فرح بي جابلي قهوة
ــ لم يفرح ولم يحضر لي قهوة…
ــ مشيلي قهوة…
والقهوة أنواع و أشكال مختلفة باختلاف البلدان و ولها في كل مكان طقوس في تحضيرها و إعدادها و تناولها وقد اكتشفت في اليمن في القرن الخامس عشر ثم راجت وانتشرت و اتخذت آدابا وخاصيات عند الشعوب و اكثر الناس استهلاكا للقهوة في العالم هم الأوروبيون والأمريكان يستسيغونها طويلة أو قصيرة مقطرة بالحليب أو دونه و يقدمونها مع الحلوي أو الشكلاطة…
وفي تونس نفضل القهوة العربي… و لا يدرك متعتها الا أصحاب الذوق الرفيع . وعشاقها يعرفون أنّها لا تشرب على عجل بل تحتسى على مهل خاصة عندما تكون مع من ترتاح اليه وتقدم اليك في طاقم جميل و إطار بهيّ…
أو عندما تختلي بها مع كتاب أو فرجة…
ويشتد الاقبال عليها في ليالي رمضان.
أيّ متعة ولذّة يهبها لك فنجان قهوة بعد الإفطار تنفذ الى شغاف قلبك رائحتها مضمخة بماء الزهر قبل أن تترشّفها… و يسري مفعولها في جسدك فتبعث فيك الحيوية و تجدّد نشاطك للعبادة والسهر… فتتيقظ النفس و تسمو منصهرة في أجواء رمضان و حلاوة الإيمان فتطرد النوم والكسل الذي ألمّ بالجسد جرّاء الصيام.
ويظل هذا المشروب الساحر يصنع سعادتنا باقل التكاليف و أخف الأضرار
تونس في 21/05/2019