ذ.خديجة ناصر/ القنيطرة
بعدما أنهيت قراءة رواية “ابن السماء” للكاتب مصطفى لغتيري، وجدت نفسي مشغولة باسم بطلة الرواية “لؤلؤة”. شيء ما جعلني أقلب هذا الاسم في زمن ومكان وقوع أحداث الرواية ثم أقارنه، في نفس الإطار، بأسماء شخصيات روايات أخرى لنفس الكاتب: “رجال وكلاب” “ليلة افريقية” “أسلاك شائكة” و “زنبقة المحيط”.
نجد في رواية “رجال و كلاب” التي تدور أحداثها في منطقة الشاوية والأحياء الهامشية لمدينة الدار البيضاء بعيد استقلال المغرب، أسماء شخصيات الرواية على التوالي: علال، ميلود، الضاوية، العم أحمد، وكلها أسماء شائعة في البوادي المغربية في المنطقة الغربية إبان تلك الحقبة الزمنية حيث لم يكن التواصل مع المجال الحضاري يسيرا لقلة قنوات التواصل وبالتالي محدودية التأثير. ولنا عودة مع اسم “علال” في رواية ” ابن السماء”.
أما في رواية “ليلة افريقية” التي تدور أحداثها في العواصم المغربية: الدار البيضاء، فاس والرباط في العقد الأول من الألفية الثالثة فنجد أن أبطال الرواية شخصيات مثقفة وهم:
– الكاتب “يحيى البيضاوي” والروائية الشابة ” أمل المغيث” ثم الطالبة ذات الأصول الأفريقية” كريستينا”.
– يذكرنا الاسم العائلي للبطل بالمدينة التي ينحدر منها أما اسمه الشخصي “يحيى” فقد يوحي لنا بأنه يستمد شرعيته من مهنته . فاسم ” يحيى” الذي هو على صيغة فعل مضارع, يرمز للحاضر والمستقبل و الكاتب،وأيا كان، فهو حي بتواجده الفعلي في حاضره وحي بعد مماته بفضل مؤلفاته التي تخلد ذكره
– الروائية الشابة ” أمل المغيث”، اسم ” أمل ” اسم جميل، يوحي بالتطلع إلى مستقبل مشرق للمرأة المغربية. رمز لانعتاق المرأة من براثن الجهل والدونية من اجل المضي في طريق المعرفة بكل أنواعها و التحرر الايجابي الذي يجعلها عنصرا فعالا في تقدم البلاد وازدهارها.
– ” كريستينا”، اسم الطالبة الإفريقية، اسم مشتق من اسم المسيح بالفرنسية، اسم يذكرنا بما عرفته إفريقيا من حملات التبشير مع حلول الاستعمار الفرنسي الذي خلف بصمته في أسماء الأفارقة السود.
ونجد في رواية ” أسلاك شائكة” التي يتقاسم بطولتها أشخاص مغاربة وجزائريون و تدور أحداثها بين المغرب والجزائر في سبعينيات القرن الماضي:
-” احميدة “: شاب مغربي ينحدر من مدينة ” صفرو” القريبة من مدينة “فاس” والغريب في الأمر إن هذا الاسم شائع في المنطقة الشرقية التي سيلتحق بها بطلنا و يعود إليها بعد ترحيله من الجزائر ليضل قابعا قرب الحدود المغربية- الجزائرية، حامدا الله على ما الم به إذ لم يغير إبعاده عن زوجته و الابن الذي كان ينتظره من إخلاصه لهما فلم يفكر في تكوين أسرة جديدة.
– ” الزاهية”: زوجة “احميدة”، جزائرية الأصل، أخذت من المصدر” زهو” الذي اشتق منه اسمها صفة الشموخ و الكبرياء. لقد كانت معتزة بوطنية والدها وبحبها لزوجها المغربي الذي ظلت مخلصة له حتى هلكت حزنا عليه.
– ” راضية”: امرأة مغربية ممن تم ترحيلهن من الجزائر، لم تتقبل هذا التهجير القسري الذي تسبب في تشتيت أسرتها فظلت تنتظر إعادة فتح الحدود للالتحاق بزوجها الجزائري و ابنها. وان لم ترض بالتهجير فقد رضيت بسلك الطريق القصير( الدعارة) لتلبية حاجياتها من متطلبات الحياة.
فما يخص الرواية البوليسية ” زنبقة المحيط” التي تدور أحداثها بين فرنسا و مدينة الدار البيضاء التي عرفت تطورا في كل المجالات ( التوينز.. المول …) نجد ان أسماء شخصياتها أسماء جد متداولة في الوسط الحضاري حيث النخبة المثقفة تختار لابنائها وبناتها أسماء عرفت شهرة سواء في مجال الشعر ( ليلى..سلمى..) أوالدين( سارة، يوسف, خالد). والاسم المثير للانتباه هو اسم البطل التركي “كمال” صاحب المرقص الليلي , ألا يحيلنا هذا الاسم علي الحاكم التركي ” مصطفى كمال أتاتورك” الذي غير نمط الحكم في تركيا من الخلافة العثمانية إلى دولة لايكية ؟ أليس ل”كمال ” شيء من صفات هذا الحاكم: القوة و الابتعاد عن الدين في الجانب الأخلاقي منه؟
لنعد إلى منطلقنا رواية ” ابن السماء”، التي تقع أحداثها، زمنيا، بداية عهد الحماية في المغرب بإحدى قرى المنطقة الساحلية الغربية. من بين شخوصها نجد:
” لؤلؤة”، اسم مستفز بصعوبة نطقه، قليل التداول في الوسط القروي خاصة في تلك الحقبة الزمنية. كان ممكن تعويضه ب ” جوهرة” أو ” ياقوت”.
فهل يمكن القول ان شخصية البطلة تتماهى قلبا و قالبا مع هذا الاسم؟ إن كانت هذه المرأة تضاهي “اللؤلؤ” في جمالها، فبشاعة تصرفاتها من استغلال سذاجة الناس والترويج للشعوذة واللدجل ونشر الرذيلة من اجل المال و السلطة تجعلها، قلبا، في تناقض صارخ مع هذا الاسم.
اسم أخر أو بالأحرى لقب ” سيدي الساكت” الذي أطلق على ابن السماء من طرف ” لؤلؤة” حينما صار دمية بين يديها يطبق كل ما تمليه عليه في صمت. أهو رمز مصير كل رجل وقع رهينة امرأة جميلة وذكية؟ ينظر فلا يرى ويسمع فلا يبالي؟ ألا يقال إن السكوت علامة الرضا؟
أما ” علال” , اسم زوج أخت ” لؤلؤة” فنجده تكرارا لاسم بطل رواية “رجال وكلاب” مع تقاسم بعض من مميزاته: المرض النفسي. فلماذا تكرار هذا الاسم وبخاصية مشتركة؟ أله علاقة بمحيط الكاتب ؟ ألا نصادف هذا الاسم الخاص بالمغرب في رموز تاريخية: شهيد المقاومة ” علال بن عبد الله” و زعيم حزب الاستقلال” علال الفاسي” وكذالك في بعض المحطات التي نتوقف عندها في سفرنا ” سيدي علال التازي ” و” سيدي علال البحراوي”؟ وحده الكاتب قادر على تنويرنا في هذه النقطة. على كل حال فهو اسم يتماشى زمانا ومكانا مع أحداث الروايتين.
خلاصة القول، قد يتضح من هذه القراءة أن الأسماء التي يسندها الكاتب لشخوص رواياته لا تأتي بكيفية اعتباطية. فكما في المسرح حيث تكسى كل شخصية بلباس معين يتماشى مكانا وزمانا مع وقائع المسرحية حتى لا يكون انفصام في المشهد، فكذالك أسماء شخصيات الرواية.