بقلم: زهرة الغضبان / تونس
للأرض فتح الربيع جناحيه المزهرتين الساحرتين على الكون واعتدل في حرارته،وهمس للأرض للأرض بكلمة سحرية فهاجت وماجت واكتست بحلة سندسية ناظرة موشاة بمختلف أنواع الزهور والرّياحين نما الزّنبق وينع القرنفل وتمايلت الأغصان وتعانقت هذا غصن أقحوان ترصعه الأزهار الذهبية ذات الألوان االمتناسقة المتوهّجة ،وهذه شماريخ الياسمين قد اختلطت بالرياحين التي يفوح عطرها من مسافة بعيدة وتربعّت غزالة الكون في السماء ترسل أشعتها الذهبية الدافئة ، فانعكست على حبات الندى المتناثرة على الحشائش ،وأيقظت الحشرات النائمة من مخابئها تستقبل الحياة وتسعى لكسب قوتها.استيقظت الأرنب شهلولة وأعدت فطور الصباح لابنها المدلل توتو وأوصته أن لا يفتح الباب لأحد وحذرته مكر الثعلب الغدار .قال الأرنوب الصغير توتو وقد عرف بذكائه بين أترابه :وكيف أخاف من حيوان لا أعرفه يا أمي صفيه لي لأكون منه على حذر اذا لاقيته ارتعدت شهلولة وقالت :ويحك يا شقيّ
أتريد مقابلته ؟ هو حيوان محتال وخبيث في حجم الكلب وله أنف طويل وذيل كبير ويحب كثيرا لحم الدجاج .صاح توتو: لقد قلت يحب لحم الدجاج يا أمي لا لحم الأرانب ولماذا نخافه إذن.صاحت شهلولة:إحذر ياولدي هو حيوان مفترس ويأكل جميع الحيوانات الصغيرة .صاح توتو :أمي عندي فكرة لماذا لا نشتكيه الى الفلاح ليريحنا من شره ؟ قالت شهلولة وقد نفذ صبرها :لا يا عزيزي إذ ذهبنا الى الفلاح سيحبسنا في القفص ويسلبنا حريتنا هيا تناول فطورك ولا تفتح الباب لأحد سوف لن أتأخر.سمع توتو زقزقة جميلة عذبة ،رفع رأسه فلمح على افريز النافذة حسونا ذهبيا يتحرك برشاقة فيهتز ذيله المخطط بالأصفر والأبيض ويتوّجه الرّمادي.صاح توتو :اه حسّون ما أجملك تفضل بالدخول حليب مغلى وجزر قال الحسّون :شكراياصديقي انا ذاهب لاستقبال الرّبيع.قال توتو:ومنهو الربيع ؟وهل يأكل الأرانب؟ضحك الحسّون وقال :هو حبيب النفوس مزيل الكابة ينثر الزهور والرياحين في كل مكان ثم طار قاصدا الغابة أطل توتو من النافذة مستعينا بكرسي فلاحت له الطبيعة الخلابة أينما أرسل بصره ولمح قطعانا من الغنم والبقر ترعى في اطمئنان والغزلان والسناجب والأرانب تلهو وترقص فأحس بالاطمئنان .قفز توتو من النافذة راميا بنصائح أمه عرض الحائط .والتحق بفراشة جميلة علها بدورها ذاهبة لاستقبال الربيع لكنه لم ير شيئا حطت على زهرة لتمتص رحيقها استغرب توتو وصاح بأعلى صوته:أين أنت أيها الربيع لقد جئت الأستقبالك في بيتي لتفرشه بالزهور والرياحين وتفرح أمي .ومن سوء حظه كان الثعلب يتربص به ،سال لعابه ووضع على رأسه اكليلا من الزهور واخر حول خصره ليخفي ذيله .وصاح لبيك جئتك لبيك وأزهاري ما بين يديك ،لا تغضب يا عزيزي أرنوب هيا دلني على بيتك لأفرشه بالزهور . وسرعان مانطلت الحيلة على توتو وسلك طريق العودة منشدا وثعلوب يتبعه متلمضا ريقه :يا فرحتي يا فرحتي هذا الربيع برفقتي جرى أرنوب قليلا ثم التفت ليطمان أن الربيع يتبعه وراوده الشك الجميع متلهفا للقائه ولم يتبعه أحد وبينما كان الثعلب يجري برز ذيله فعرفه توتو وتذكر كلام أمه ارتعد المسكين وسرعان ماتمالك على نفسه وسلك الطريق المؤدية الى مزرعة الفلاح ولما وصل طرق الباب انحنى احتراما للثعلب وطلب منه الدخول وتقديم الزهور بنفسه للعائلة وتراجع توتو ولاذ بالفرار فائزا بالسلامة .وصل توتو الى بيته لاهثا زائغ العينين مرتعش الأوصال فوجد أمه تندب حضها وقد التفّت حولها بقّية الأرانب يواسونها لفقدان عزيز عليها بعدما يئسوا من العثور عليه .ولما لمحته شهلولة احتضنته والتهمته ضما وتقبيلا وتمرر بأناملها المرتجفة على خده ولم تصدق بعد بسلامته .وقص عليهم توتو قصته مع الثعلب وقال لأمه صفي لي الربيع ياأمي لكي لاأخدع ثانية .انقبض قلب الأم واحتضنته قائلة:لا يا عزيزي الربيع يزور كل بيت فهو الجو اللطيف والنسيم العليل والأزهار الفواحة .قال توتو :ولماذا لم يزر بيتنا أنظري ياأمي الحديقة قاحلة لاتوجد بها زهرة واحدة .أدركت شهلولة هنيهة وقالت حسنا يا عزيزي سآتيك بالربيع ،وهمست لبقية الارانب فرحبوا بالفكرة وانقسموا الى ثلاثة مجموعات مجموعة تحفر الحفر والثانية تجلب من كل نوع من الزهور نبتتين والمجموعة الثالثة تجلب الماء من العين .ولم تمضي أيام قليلة حتى نبتت الأزهار أينعت وأزهرت وفاح أريجها ،حلقت فراشة جميلة مزركشة ثم ثانية وثالثة ،وغردت العصافير شادية وطنت نحلات واقتربت من الأزهار وبدأت عملية التلقيح .صاحت شهلولة :بشراك يا توتو لقد زار الربيع بيتنا .أسرع توتو وبقي يلتفت يمنة ويسرة فلم ير شيئا.ضحكت الأم وأشارت بيدها الى الأزهار والفراشات والنحل وقالت هذا هو الربيع يا عزيزي فتح توتو ذراعيه وتنفس الهواء النقي ملء صدره وقال زهرة في البيت تجلب لك الربيع وأنشد الجميع يا سعدنا يا حضّنا زار الربيع بيتنا والفضل فضل ربنا والبشر حل والسلام .وهكذا أدرك توتو خطأه لما ألقى بنصائح أمه عرض الحائط وأحس بالندم وقطف زهرة جميلة وقدمها لها عربون محبة وطلب منها أن تسامحه