بقلم: زهرة الغضبان / تونس
بمناسبة انتهاء السنة الدراسية أقيمت بمدرستنا حفلة لتوزيع الجوائز على المتفوقين وتكريم سيدي بشير أحد المعلمين تقديرا لمجهوداته
كان سيدي بشير هشوشا بشوشا يمسح دمعة اليتيم ويربت على كتف الفقير وكان المسؤول الاوّل على المدرسة وأثاثها ولا يترقّب مكافأة ولا شكورا وزرع فينا روح التّضامن والاخاء وكم كان وقع الصدمة شديدا على سيدي بشير لما أعلمته أن صديقي محمد انقطع عن الدراسة والتحق بورشة تصليح السيارات للعمل وكسب قوته وقوت إخوته وأمّه بعد موت والده فطلب مني سيّدي أن أدلّه على الورشة ذعر محمد لما لمح سيّدي بشير واختبأ بين السيّارات ودار بين سيّدي وصاحب الورشة حديث مطوّل وعاتبه بلطف كيف يؤجّر قاصرا عوضا عن مساعدته ولو بالزّكاة التي فرضها علينا الله وتوجّه سيدي إلى مخبئ محمد وربت على كتفه في حنوّ ومسح دموعه بكم ّميدعته وكم كان تلك الموقف مؤثّرا لا أنساه ماحييت أحسّ صاحب الورشة بتأنيب الظّمير وخلع ميدعته وأتى مع سيدي وقصدنا جميعا بيت محمد ذعرت الأم لمّا لمحت السيّارة تقصد بيتها بالذّات ونزل صاحب الورشة وسيّدي يلبس ميدعة بيضاء فراودتها الهواجس وذهبت بها مذاهب أخرى لكن صاحب الورشة طمأنها وقدم لها سيّدي بشير ودار بينهم حوار أثمر عنه أن يتكفّل سيدي بمصاريف محمد ويدفع لها صاحب الورشة راتبا شهرياّ والتحق محمد ثانية بمقاعد الدراسة.ويوم الحفلة تعذّر على والدي الحضور معي فاقترح على جدي مصاحبتي ليسترجع ذكرياته .فاستقبلنا سيدي بشير بحفاوة وسلّم على جدّي وناداه
بسيّدي ابراهيم كأنّه يعرفه وهمس لوالديه فسلّما على جدي سلاما حارا.واكتظت الساحة بالوافدين من تلاميذ وأولياء كأنه عرس.غاب سيدي بشير هنيهة ورجع يحمل هدية كبيرة ووضعها بين الجوائز ولم يكتب عليها أي اسم .افتتح المدير الحفلة وألقى كلمة بالمناسبة ورحب بالجميع وشكرهم على الحضور وشرع في تقديم الجوائز وتعالت زغاريد النسوة والتصفيق والهتاف وجاء دور سيدي بشير فقدمه المدير أحسن تقديم شاكرا مجهوداته وسلمه شهادة تقدير وسط هتاف وتصفيق.انحنى سيدي بشير احتراما للجميع ووضعها فوق الهدية التي إشتراها وابتسم للحضور قائلا :هذه الشهادة ليست من حقّي فهي من حقّ من علّمنا القيم وزرع فينا روح التّضامن والاخاء واخذ الهدية والشهادة وتقدم من والده وقبل جبينه فابتسم له الأب وأشار عليه بالمرور قائلا : الهدية لمن علمك القيم السمحاء وروح التضامن يا ولدي . اشرأبت الأعناق، أمّه ومن غيرها ؟هذا ما ظنّ الجميع تقدّم سيدي بشير من والدته ورسم بتوقيعه قبلة على جبينها فابتسمت له قائلة :أنا فخورة بك يا عزيزي لكن الهديّة هناك منهو أحق بها منّي يا ولدي . ازدادت حيرة الجميع وكثر الهمز واللّمز :من أحقّ بها من والديه؟؟؟ تقدّم سيدي بشير من جدّي وربت على كتفه ثم رسم بتوقيعه قبلة على جبينه وقال : الهديّة لمن زرع فينا روح التّضامن والاخاء. لم يفقه جدّي من الامر شيئا ونزع نظّارته ومسحها جيّدا بكمه وتفرّس مليّا في وجه سيّدي بشير وقال: سامحني يا ولدي لم أتعرّف عليك جثى سيدي بشيرعلى ركبتيه قبالته ومسكه من يديه قائلا: أنا ثمرة بذرة زرعتها بيديك منذ سنين يا سّيدي أنا ذالك الّتلميذ الفقير المدقع والتفت الينا وقال انقطعت عن الدّراسة فتكفّل سيّدي ابراهيم
بمصاريفي واسّس صندوق تضامن في المدرسة لذوي الحاجة وكنت أول المنتفعين به .وسلّم سيّدي الهديّة لجدّي وسط هتاف وانحنى له احتراما وأحسست بفخر واعتزاز أنني حفيد ذلك البطل وأخذت على نفسي وعدا ان أكرم سيدي بشير يوما والتفت إلى أصحابي فالتقت أعيننا وفهم كل واحدما يجول بخاطر الاخر صفّقوا جميعا وصاحوا بصوت واحد الهدية لمن زرع فينا روح التضامن والاخاء