بقلم الأستاذة الشاعرة لطيفة الغراس/مكناس المغرب
وهو يذكرني بحديث الأربعاء لطه حسين، كنت طالبة بكلية الآداب بفاس ومن بين الأساتذة الكرام،المرحوم محمد نجيب البهبيتي،وكنت كطالبة أتعجب من هجومه على الأديب طه حسين،وكان يسفه كتابه: في الأدب الجاهلي!
طه حسين له مكانة كبيرة في ميدان الفكر والأدب،زوجته فرنسية ولا شك أن قبولها الزواج من رجل عربي أعمى،كبير الأثر في نفسيته،ويدين لفرنسا ولبعض المستشرقين بكثير من أسباب شهرته.
كنت معجبة بالدكتور البهبيتي لعلمه ولشجاعته في إبداء الرأي ،في وقت كان للأديب طه حسين الباع الطويل والوزن الثقيل في العالم العربي.
وهذه الذكريات تجرني إلى طنجة في أوج عزها وجمالها،كنانفطر بمقهى بالسوق الداخل ونلتقي بأصدقاء لزوجي رحمه الله نالوا حظهم من الشهرة فيما بعد في ميادين متعددة من أمثال الرسام القاسمي والأديب زفزاف وشكري…الخكنا من عشاق هذه المدينة ونتجول فيها ليلا بكل أمان صحبة الأستاذة فاطمة المساري وصديقتها بإذاعة طنجة،كنا نتعجب ونحن نشاهد لأول مرة بشارع محمد الخامس شرائح من سياح أجانب بلباس نسائي رغم أنهم من الذكور،كانت سياحتهم مثيرة للشبهات وللدهشة.
من خلال هذه الأجواء بدأت الأفكار المتطرفة اليسارية جدا،تصفق لأنواع من الحريات…
كنا نجد لأنفسنا مكانا بمقهى فرنسا وبمرح الشباب كان يثيرنا النظر للأستاذ البهبيتي مع زوجه وولده، يقضي الساعات في وضعية تأمل ولا يحدث أحدهم الآخر ،بينما نحن نثير جلبة وضوضاء من ضحكاتنا وتهريجنا.
بدأ نجم نجم بعض الناس يلمع ومنهم من لُمع نجمه نتيجة تعدي عتبات البوح والمكاشفة،في وقت كانت المجتمعات العربية محافظة على أدب القول،إذا ما استثنينا العصر العباسي حيث طبقت شهرة أبي نواس الآفاق بعقدة التشهير بالنفس…
وضرب القيم في التعبير الأدبي لا أدري إن كان شجاعة أو يدخل في باب الحرية وتطهير النفس،أم في باب الموضة كما في بلدان الغرب،بدعوى الوجودية والتحرر النفسي..
وهكذا وجدنا المناصرين لكثير من التنظيرات الغربية والغريبة عل مجتمعاتنا وديننا..
أتساءل كيف يصنع الغرب منا دعاة لتوجهاته بالرغم عنا؟
وهكذا انتشرت موضة الكتابة التي تفضح المستور وتفجر الواقع بطبول صاخبة تسعى لهدم الصمت وبعضهم يستعمل مبضع التعري ليخترق عوالم العهارة والشبق،هي كتابة تشي بتداخل النفس والجسد،وإن كان فقد عرفنا في تاريخنا فقهاء كتبوا عن جسد الأنثى وهناك أرجوزة مشهورة لفقيه مغربي وهناك من كتب عن العلاقات الحميمية بين الأنثى والذكر مثل كتاب الروض العطر،ولكن ما يدهشني كيف تكتب المرأة في هذا المجال وكأنها تحاول الانتصار على الكتابة الذكورية،أو المنحى كان هو رفض المنع والتخويف،وكل رجال الدين شرحوا موضوع تعدد الزوجات دون أن يعرجوا على الجانب الجنوسي لطبيعة المرأة في البيئة الحجازية الصحراوية،وطبيعة العادات قبل الإسلام.
أعود لأكمل الحديث عن الكتابة النسائية التي لا تضع الحواجز،ليس من أجل الشهرة ولا إرضاء الإعلام الغربي المبهور بمثل هذه المكاشفات الآتية من بلاد المسلمين،ولكن من أجل كشف الجوانب النفسية،لتحليل المعطيات والنتائج من أجل حياة أفضل.
أما إذا تحولت الكتابة إلى إثارة تدخل في باب العهارة ولا تتوخى رسالة إنسانية،فستكون مجرد تقليد يتوخى الشهرة بالاختلاف،خصوصا إذا وجدنا مبالغة في الوصف وكأننا أمام مشهد سينمائي خاص بأفلام البورنو،فهذا لا يدخل إلا في باب البحث عن شهرة بضرب قيمنا ،وبسند غربي يفرض علينا آراءه الاجتماعية البعيدة عن معتقداتنا الدينية.