أ د أحمد بقار ورقلة الجزائر
ليكون هذا الفضاء الأزرق ( الفايس بوك ) مساحة مفيدة و ليست من باب تضييع الوقت ، و من أجل أن تكون فضاء للحوار الجاد و تبادل الأفكار و الرؤى و إن كانت مختلفة و متناقضة ، جاءت فكرة هذا الكتاب الموسوم ب ( فايسبوكيات . . . حرف على حرف ) التي أردتها وثيقة أراها – بالنسبة لي – سابقة غير معهودة في هذا العالم الإلكتروني الذي يُؤْثِرُ الحواسيب و الآلات الذكية ، ويتعامل بعيدا عن الأقلام و الأوراق ، فرغبت في أن أعيد ذلك لطبيعة الكتابة و الورق ليلمس و يشم و يتحسس ما كان قبلا في شاشة مضيئة .
خصصت هذا الكتاب للمنشورات التي أرى أن لها علاقة بخدمة المجتمع أو أحدثت تفاعلا أيجابيا مع جملة الأصدقاء ، و للإشارة فقد انتقيت من التعليقات ما رأيت فيه سلامة في اللغة و تقديما لفائدة أو تعليقا ذكيا رزينا غير متسرع و لا مأمون العواقب ، كما أبعدت تلك التعليقات التي تعارف عليها المعلقون و التي تسجل في أي تعليق مهما كان نوعه و هدفه ، أو أنها تعليق من باب التعليق و حسب .
حياة الناس بطبيعة الزمان و سطوته تتغير و تتحول و تتباين من زمان لآخر ، و التسجيل يبقى أقوى وثيقة مدونة تعطي و لو بشكل يسير صورة للزمن الذي دونت فيه ، فالذي يقف عند شبكات التواصل الاجتماعي تغيب بصيرته بقيد رفيع لا يستطيع فصمه عن الورقة و التوثيق ، و هكذا يجري الزمن من دون شيء ملموس يسجل ذلك العالم الذي غرق فيه الناس في كل أقطار المعمورة ، فأردنا السبق في نشر شيء عن هذا الفضاء لعله يكون وثيقة لجيل قادم يجد فيها و يسجل من خلالها ما كان يعيشه جيل سابق ، جيل آت ربما تأسره فضاءات أخرى و تقنيات مذهلة مع هذا التطور السريع قد يقف الحليم أمامها حيرانا .
” الفايس بوك ” فضاء رحب و بحر لا ساحل له يغرق فيه إلى القاع من لا بصيرة له ، فهو وسيلة لمن يعي سبل الدخول و الخروج منه ، و يأخذ منه بقدر المصلحة ، و ينشر فيه و يتفاعل مع الموضوع الجاد و الجيد ، و فيه من يتحول عنده إلى غاية و يكون محط حياته كلها تتفاعل به سلبا و إيجابا ؛ و بهذا يتحول هذا الفضاء إسارا يطوق عنقه و يأخذ بتلابيبه و يفتك بأيامه و لياليه ، و يخطفه من أعز الأشياء إليه في حياته ،
رأيت الغالبية العظمى تقف أمام سطوة الفايس البوك منبهرة بالصورة و ما فيها من جاذبية ، و أمام شريط الفيديو الخارق المدهش ، و تجري أمام الإشاعة و كشف المستور ، و يغيب أمام هذه السطوة القراءةُ الجادةُ و التعقيبُ المتعقلُ لكل منشور مكتوب يتعدى الصفحة ، و كأن المتصفحين كَلَّتْ نفوسهم من المقروء ، و غَشِيَتْ عيونهم سحائب التعب فلا تحلو لها سوى رؤية الصورة المبهرة و الفيديو الخارق ، و الاستكانة لكل سريع ، تماما كما وجبات السندويتش المعاصرة في الساحات العامة يأكلونها وقوفا و على عجل ، حاولنا كسر هذا المألوف بنشر مواضيع و خواطر و طروحات أردنا من خلالها كسر نمط المتصفحين و فتح باب النقاش و التحاور فيها ، كما اجتهدنا أن لا تكون هذه الموضوعات المنشورة ممعنةً في طول ولا شحيحةً في قصر ، فأول ما سجلناه قلة القراء و المتصفحين و المعلقين ؛ فالعزوف عن المقروء كبير ؛ فأوعزنا ذلك إلى طبيعة العصر ؛ زمن السندويتش في كل شيء ، و قد جربنا قبلا نشر الصورة والفيديو فكان التفاعل كبيرا ؛ إعجابا و تعليقا ، فجاء هذا الكتاب تجربة إخراج المقروء من الصفحة المضيئة إلى الصفحة الصماء و الحبر الأسود .
و الله ولي التوفيق