أ د أحمد بقار جامعة ورقلة الجزائر
اللصوص الذين يتربصون بالغافلين كثر ، و أكبر من أن يحصيهم عد ، و بخاصة في وقت الناس هذا ، فمن اللصوص الذين يقتلون العمر استنزافا : الشباب مع الفراغ ، و الصديق الأحمق .
و يعرف اللص أنه يأخذ منك الشيء الثمين بحيلة في غفلة فيك أو منك ، و عند الانتباه تصاب بالذعر و الخوف و الندم أيضا على أنك لم تحسن حفظ أشيائك و الانتباه بحزم إليها ، هكذا هم اللصوص دوما ماديهم و معنويهم يأخذون منك أثمن ما فيك أو ما عندك .
و أجمل ما في مراحل العمر مرحلة الشباب ؛ هذا الحيز الزماني الجميل من حياة كل مخلوق ؛ فهو مناط كل خير في قابل الأيام إذا ما أُحْسِنَ التحصيل فيه بكل فضل ، و إلا يا خيبة الرجاء و يا سوء المنتظر ( بضم الميم ) .
كم ذا يحذر أولو الفضل على اغتنام سانحات القوة و الشدة في مرحلة الشباب و عدم الاستسلام فيها للص الفراغ الذي يقتل العمر و يستولي على جواهره الثمينة ، فلكلَّ غالٍ جواهرُهُ التي ينبغي استغلالها و المحافظة عليها .
الأصل في الحياة الجد و التعب و المكابدة ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ، و الذي يستسلم للفراغ ينافي حقيقة وجوده في هذه الحياة ، فحتى حياة الحيوان لا تعرف للفراغ سبيلا .
تخيل معي – يا حفظكم الله – شابا مملوءا قوة و جلدا يمكنه من أن يفلق الحجر نصفين ، لكنه يجبن و تأخذه سنة الفراغ و سطوته ، فحتما سيعود تفكيره و جهده بكل ما يحطم هذا البناء و يدمر روح الجمال الساكنة فيه . يفكر هذا كل صباح إن كان ينام أصلا أين سيقضي ساعات يومه ، فهؤلاء صورهم شتى :
– هناك من يذرع الشوارع طولا و عرضا .
– هناك من يستقيم تمثالا في كرسي بمقهى تأكل الطير من رأسه .
– هناك من تسول له نفسه الخبيثة أن ينتقم من مجتمعه بكل وسيلة متاحة ، و ما أكثر من استغلهم أعداء الخارج و الداخل جنودا ضد أوطانهم و أهليهم .
– هناك من يدمر جسده بكل موبقة يجدها كيفما كان مفعولها .
– و هناك – و هم فئة غالبة – من تجعلهم سنة الفراغ الرهيبة يغرقون اهتاما مبالغا فيه بأجسادهم ، و تتبع كل صغيرة و كبيرة فيها ، فيسكنهم بذلك هوس المرض ؛ إذ يرون كل حركة أو رعشة فيه رسول مرض خبيث سيغزوها و يدمرها .
أما عن الصديق الأحمق مع الفراغ فسيكون الدمار مضاعفا للروح و الوقت ، فالصديق الأحمق لا ينفع نفسه حتى ينفع من يصادقه ، فهو كما الغراب الذي قال عنه الشاعر العربي القديم :
إذا كان الغراب دليل قوم ما دلهم إلا على جيف الكلاب
فكم ذا ترى هذا النوع من الصداقات لا تهتم سوى بالمظاهر لبسا و حلقا ، و لا يُمْلُونَ النصائح إلى بعضهم إلا في هذا و غيره مما لا فائدة فيه ، تجد الطلبة من هذا النوع يجلس لساعات في فراغ ممل يضع سماعة الهاتف في الأذن و يقلب الهاتف ما بين يمين و شمال و الأصبع صعودا و نزولا لا يرتد له طرف ، و المكتبة تكاد تنتحر بحثا عن عمارها و روادها الذين تتنفس بهم و تأنس بقربهم . و إن تحرك الواحد منهم فيشق طريقه لفًّا في ساحات الجامعة أو صعودا و هبوطا و مشيا منكسرا و إقعاء على الدرج .
إذا كنا نعول على مستقبل زاهر و جميل و محترم لا يجب أن نغفل فئة الشباب ، و أن لا نستغل الفراغ فكلاهما سلاح ذو حدين ، إما أن يكون لك أو عليك .
شكرا جزيلا للأستاذة بشرى التي تهتم بما أكتب … فكل التوفيق في مشوراك الثقافي الجميل