الأستاذة: لطيفة الغراس / المغرب
بقلعة صلاح الدين الأيوبي،يوجد سجن نقلَنَا عبر التاريخ بين الإمس واليوم وقد تغيرت الزنازن شكلا وبقيت مضمونا،زنازن بالأمس مظلمة ضيقة،تذكرنا بسجون تاريخية في الأندلس ولندن ومكناس حيث لا زال ( حبس قارة) وقد ترامت أطرافه خارج أسوار المدينة في دروب ودهاليز، وامتد لكيلومترات طالما تاه في دروبها المغامرون،قبل أن تغلق بعض مساربها.
توجهنا بعد ذلك لمتحف السلاح،حيث ينتصب في مدخله تمثال إبراهيم باشا(1789-1848)،وقفنا أمام أسلحة ثقيلة توثق للسنة1973.
وعدنا للتاريخ عبر الصور الفوتوغرافية،أرخت المقاومة المصرية الشعبية ضد الهيمنة البريطانية( كومندو بريطاني في محاولة لاقتحام مبنى المحافظة في الإسماعيلية،مع صور من صحيفة: المصري،وتخص المعركة مع صور لقادة هذه المعركة وبينهم الممثل المصري صلاح ذوالفقار).
تابعنا مسيرتنا الاستطلاعية اتجاه مسجد الرخام،له باحة رخاميةجميلة وأعمدة بين اللون الرمادي والأبيض.
قاعة الصلاة بالمسجد كبيرة مدهشة بثريات جد كبيرة كانت تحمل الشموع وتحفظها بإطارات زجاجية.
المحراب في غاية الجمال وروعة الشكل الهندسي ودقة التركيب الذي يعكس مهارة الصانع المصري.
غادرنا المسجد لنطل من الأسوار على القاهرة القديمة ومعالمها،وعلى ورشات التنقيب المستمرة بجانب القلعة،تظهر منها أقواس وشبه غرف،من آثار المرحلة التاريخية العظيمة.
كنا نود زيارة المتحف الكبير الجديد ولكن للأسف لا زال لم يفتح أمام الزائرين،وربما لعدم إتمام عمليات تهم نقل التحف التاريخية ومعالم التاريخ الفرعوني المصري.
كان المساء قد حل ولنا حرية السياحة دون مرافق،وبالتالي أخذنا سيارتي أجرة وتوجهنا نحو (مول) كبير يتكون من عدة طبقات وقد زادته الإنارة جمالا،حيث أخذنا وجبة العشاء بمطعم جميل وبمجرد ما علم صاحبه أننا مغربيات،بدت على وجهه سعادة كبيرة فهو يعرف المغرب وقد زار الدار البيضاء سابقا.
كنا نتحدث طبعا باللهجة الدارجة وكانت بجانبنا مائدة بها أسرة ليبية كثيرة العدد ،بين الجد والجدة والأولاد والأحفاد،وسرعان ما تقدم الأب مناليبلغنا تحياته وتقديره للمغاربة،وكأننا نجتمع على مائدة الجامعة العربية،إلا أن الود بيننا أكبر وأكثر.
عدنا لقواعدنا سالمين وفي الصباح توجهنا لزيارة مسجد الحسين وأزقة السوق القديم حوله.
كان بعض التجار يتوصلون معنا بالأنجليزية،وبمجرد ما نخبرهم أننا من المغرب،حتى تلين ملامحهم بابتسامات وترحيبات.
السوق العربي القديم يتشكل من دروب وأزقة ،تُعرض فيها البضائع التقليدية والحديثةوهذا نشاهده في كل الدول العربية وكذلك في بعض المدن التاريخية عبر العالم.
التاجر المصري مهذب، لبق، حلو الكلام مع نوع من الإلحاح على تقديم سلعته وواجب الضيافة وهو مشروب الكركديه.
توجهنا لزيارة مقهى نجيب محفوظ ولكن الحارس أخبرنا بأن فوجا سياحيا من غير العرب،قد حجز المقهى.
خرجنا من السوق إلى الساحة قرب المسجد ودخلنا مقهى المالكي وهو مقهى شعبي تأسس منذ القرن الماض. تكالب علينا باعة من كل صنف ومعهم بعض السلع ،كان بودنا أن نسترضي بعضهم باقتناء بعض الأشياء ولكن هذا غير ممكن،ومع ذلك فقد استطاع أحدهم أن يقنعنا بمعروضاته وبشدة إلحاحه.
كلنا كانت لدينا رغبة في التعرف على الأقمشة القطنية المصرية،لما للقطن المصري من جودة عالية،فتوجهنا نحو حي العتبة،هذا الحي شديد الازدحام وهو يشبه كثيرا بعض أسواقنا المغربية الشعبية. تجولنا ودخلنا الأزقة، بعد ما شاهدنا تجار الجملة،ليشتري بعضنا بعض الأثواب من التجار الصغار،كل هذا ومرشدنا يحرسنا ويوجهنا.
كانت الليلة الأخيرة في زيارتنا لبلدنا الشقيق مصر،وعند عودتنا للفندق كان الليل قد أرخى السدول وعلينا تناول وجبة العشاء والخلود للنوم،لنستعد لحزم حقائبنا.
إخترنا مطعما لبنانيا بفندق هيلتون هيلوبوليس لتناول طعام العشاء،وكان اليوم هو عيد الحب،وبالتفاتة كريمة قدم لنا صاحب المطعم ورودا وزعها علينا تحية منه، وهي حركة ستبقى ضمن ذاكرة كل منا عن مصر المضيافة ودماثة أخلاق أهلها.
جاء الصباح ومشاعر كل منا، بين اشتياق لبلدناوبين إحساس اننا لازال في مصر أشياء جميلة لم نشاهدها.
زرت مصر وهاجس عظمة التاريخ الفرعوني يسكنني،لم أكن أشاهد بعض مساوئ العربي في مصر ،فلنا كذلك منها في بلدنا ،ولم تكن الغاية التبضع بصورة مَرَضِيَة ولا مشاهدة أقارن فيها بين السياحة في دول غربية وبين دول عربية،كنت أشاهد عظمة مصر القديمة وأتذكر معها حضارة بعض الدول العربية،قبل اندحارها وتقهقرها،لأسباب متشابكة متداخلة يذكرها التاريخ..
وإلى رحلة تانية إن شاء الله أزور فيها مدنا مصرية أخرى.
ADVERTISEMENT