وحيد اللجمي أستاذ الجماليات و فلسفة الفن السيميولوجية بالجامعة التونسية
خيم هدوء مخيف على المكان، تنقطع الموسيقى القادمة من بعيد أو أنه لم يعد يسمع منها سوى أصداء خافتة، كل شيء ركن إلى السكون، إنه الهدوء الغريب الذي ينتشر فجأة في أرجاء المقبرة في كل مرة دون أن يجد لذلك من سبب وجيه، يتسرب ذلك الهدوء إلى داخله في كل مرة أيضا ليتحوّل كامل جسده إلى كتلة من صقيع.
دنت منه المرأة أكثر فأكثر حتى كادت أن تلامسه، وقالت له بصوت مرتجف وخافت :
– الأموات كما الأحياء يا ولدي.. لا يخلدون للراحة أبدا.. كنت أعتقد أنني أسكنتها دارها الأخيرة.. ولكنني أدركت أنني أخطأت.. من واجبنا أن نساعد أمواتنا.. فقد تلزمهم الظروف القاسية على البحث على مساكن جديدة.. مثلنا تماما نحن الأحياء.. لا نركن أبدا للراحة والإستقرار.. أمواتنا رحّل.. وعلينا نحن أيضا الترحال معهم.. مماتهم تعب وحياتنا معاناة..
رفع رأسه وخيل إليه أنه يستمع إلى صوت آثينا وهي تنطق بالحكمة الالهية المطلقة، نظر إليها محدّقا وكأنه يستفسر عن تلك العبارات، هي قاسية قساوة المشاهد التي من حوله، موجعة كوجع الأرواح التي فارقت أجسادها وتركتها عارية يابسة كالصخور.
تأمل جيدا وجهها النحيف، حزن عميق يسكن تجاعيد وجهها، عيون غائرة ذابلة، مسحة من الألم تحجب ما تبقى من الرأس المغطى بكامله، بعض من خصلات الشعر العابثة الرّاقصة على إقاع صوت الرياح تأبى أن تبقى متخفّية تحت ذلك اللحاف الأسود وتأبى الخضوع إلى قانون الممنوعات والمحرمات.
أراد أن يسمع من ذلك الكلام الكثير وانتصبت جميع حواسه تطلب المزيد، جميل أن تسمع الكلام الجميل حتى وإن كان يعبّر عن عصارة آلام الكون بأسره.
تمالك نفسه وقال لها:
– نعم إنه لأمر فظيع..
أخذ وقتا قصيرا متقطّعا وكأنه يبحث عن عبارات تليق بتلك العبارات التي كان يسمعها منذ حين ثم قال :
– ماذا تقولين أيضا في ذلك الزمن الطويل الذي قضيناه في إعداد وثائق وتراخيص لنقل أمواتنا من مقبرة إلى مقبرة.. ؟ أعتقد أنه ذات الأمر قد حدث معك..؟ خلت نفسي من كثرة ما تعقّدت المسألة أنني أطلب ملائكة الرحمة لإعادة أمواتنا إلى الحياة من جديد..
دنت منه أكثر وأكثر وكأنها لم تسمع ما كان يقول، وبصوت خافت يتصنّع الرقّة قالت :
– هل لديك سيارة..؟
صعق ممّا سمعت أذناه، بدا وكأنه يبحث عن مصدر آخر للصوت دون صوت هذه المرأة، أعاد النظر إليها وعلى وجهه علامات الحيرة والاستغراب، فلعلّه أخطأ الاستماع أو أنها علامات الهلوسة قد أصابته فجأة.
هو المكان المناسب حقا ليصاب بالهلوسة، فيسمع ما لا يسمع ويرى ما لا يرى، ولكنه كثيرا ما تردّد على مثل هذه الأمكنة حتى أنه اعتاد عليها ولم يشعر يوما واحدا بأنه فقد مداركه أو أنه مال إلى الجنون أو الهذيان، هو يعلم جيدا بأن مثل هذه الحالات الغريبة إنما تصيب الأشخاص الذين يعيشون وسط المدن المزدحمة ومع الأحياء وليس في المقابر ومع الأموات، الأموات لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرّا ولا نفعا.
أراد أن يستفسر عما سمعه أو أن يصيح في وجهها ليعيدها إلى حكمتها الإلهية التي كانت عليها منذ حين، إلا أنها قاطعت صمته وهواجسه ومزّقت ما تبقى من أمل بداخله كان يطمح في سماع حكمة العقل وهي تقول :
– أنا أسكن قريبة من هنا.. قد أجد صعوبة كبيرة في الحصول على وسيلة نقل في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت وقد تستطيع أنت مساعدتي..
نظر إليها مليا وكأنه لم يستمع إلى كلماتها التافهة، كانت لديه رغبة كبيرة في أن يقول لها اخرسي أيتها الحمقاء.. كان يود سماعها وهي تنطق بالحكمة التي جرت على لسانها منذ حين، إلا أنه كان يفهم أيضا حاجتها وأملها في العودة إلى بيتها لتلتقي بالأحياء من جديد وتمارس معهم لعبة الحياة التي تعوّدت عليها بعيدا عن هذا المكان الحزين.
– طبعا أيتها السيدة..
يقول ذلك وهو متثاقل وقد عادت إليه الرغبة في ملازمة الصمت.
تبسمت المرأة وظهرت على وجهها علامات الارتياح وقالت له :
– شكرا لك يا بني ورحم الله والديك..
تقدم ببطئ ينظر حوله، يتأمّل المساحات الممتدة وكأنه يستجدى بقايا من القول الجميل، يجول ببصره في ما تبقى من القبور والحجارة المبعثرة، يتحاشى القبور المفتوحة، قبور أخرى ذابت حجارتها ولم يبق منها سوى بقايا من رمال بنّية وصفراء، لا يمكن لأي أحد أن يحدد زمان وجودها، لا أهل لها ولا أحد يبحث عما بداخلها، قبور طواها النسيان وقبور سقطت من ذاكرة الأحياء.
جاءه صوتها من جديد وهي تتّبع خطاه وتقول وابتسامة رقيقة تتماهى مع كلماتها :
– أتدري يا ولدي.. عندما رأيتك وحيدا منحنيا على القبر.. وجدت على وجهك مسحة من الجمال.. ولكنه جمال حزين.. قلت في نفسي وأنا في حيرة من أمري.. ماذا يفعل هذا الرجل الأجنبي في هذه المقبرة.. !!
ثم أطلقت ضحكة خفيفة محتشمة وأردفت تقول :
– أقسم لك أنك تشبه كثيرا هؤلاء الرجال الأوروبيين الذين أشاهدهم على شاشة التلفاز..
تقول ذلك وهي تضع يدها على فمها وكأنها تمنع ضحكات أخرى لكي لا تنتشر من جديد في ذلك الفضاء الرحب، ثم تردد بصوت منخفض لا يكاد يسمع :
– حماك الله يا ولدي .. حماك الله يا ولدي..
بقي ينصت إلى كلماتها وهي تختفي ببطئ بين طيات النسائم القوية، يلاحق بعض تلك الكلامات الهاربة، بدا وكأنه يفكّر فيما قالت، يتأمّل مليا ما حملته من معان، قد تكون جميلة تلك العبارات، من لا يحب سماع كلمات الإطراء والمجاملة..؟ لم لا يكون كما قالت هذه السيدة.. ؟ بقي يفكر ويتحدث بكل ذلك في أعماق نفسه التي أصبحت وكأنها متحفزّة لتتقمص ذلك الدور.
ألا يمكن أن تكون تلك هي فعلا أمنيته الحقيقية؟ ألا يكون قد مل البقاء على حالته المزعجة تلك، يسير مع القطيع، يتعايش مرغما مع واقع مرير، كل شيء حوله ينحدر بسرعة جنونية نحو السقوط، لا شيء يبشّر بالخير، يهرعون وراء التخلف والتواكل والأنانية المفرطة، يقطعون مع العقل ويزرعون الجهل، أصبح كل ذاك سمة المجتمع الذي يعيش، لا فرق فيه بين قطع الأرزاق وقطع الألسنة وقطع الرؤوس، الكل يلهث وراء ذلك الموت الدامي اللعين، يخلقون له آلهة ويبنون له النصب ويصنعون له ثقافة، يبشرون بها كأنبياء مرسلين، وكأنهم يبشّرون بجمال أزلي، لا شيء بقي صالحا للحياة في هذا المكان، تذكر أياما مضت كان يدافع فيها بشدة عن عروبته متحمسا لتاريخه المجيد أو كما كان يتهيأ له أنه تاريخ مجيد.
التفت إلى السيدة وهو لا يزال يسير أمامها بخطى هادئة، يفكر في كل تلك المسائل وفي تلك الأحداث، نظر إلى أكوام من الحجارة المبعثرة التي يمرّ بها وقد غطّت الأحراش والأعشاب الشوكية جزءا كبيرا منها، بقايا من الأوراق والأكياس البلاستيكة القديمة المهترئة والممزقة بألوانها الذابلة المنفّرة تنتشر في كل مكان وقد تشابكت بتلك الأشواك وبدت كالقناديل المعلقة في أول يوم من أيام عيد حزين، أمعن النظر إلى ذلك المشهد المقرف وقد غلّف بغبار أصفر خانق متطاير من هنا وهناك، يشيح بوجهه عن تلك الصور وقد شعر بامتعاض شديد ثم قال لها :
– عندما أسير في الشوارع العربية ولا أتعثر في القمامة.. ولا أرى المارة وهم يبصقون في كل مكان.. ولا أسمع ما تيسّر من الكلام المقزّز.. ولا أشتمّ من الروائح المقرفة التي تقطع الأنفاس.. ولا أرى قبح الطرقات والواجهات والمعلاقات..
يلزم الصمت برهة وقد بدا متشنجا بعض الشيء، تقع عيناه على أحد الكلاب السائبة، هناك، في إحدى الحفر البعيدة المهجورة، ينبش التراب باحثا عن شيء ما، يقترب ويبتعد في حركة سريعة، يلهث دون انقطاع، تتوقف حركة الكلب فجأة لينظر إليهما حيطة وتحفزا، يبدو وكأنه يراقب خطواتهما بحذر شديد، ثم يعود من جديد ليدخل في حركة هستيرية مجنونة.
أعرض بوجهه عن ذلك المشهد وهو يواصل حديثة وقد تغيرت نبرات صوته وبدا على وجهه الشحوب والفتور:
– عندما يستقر لهؤلاء الراقدين تحت التراب مرقدهم.. وعندما تكرّم عظام أمواتنا حتى لا تنهشها الكلاب، وعندما يغطي العشب الأخضر كل هذه المزابل التي تزاحم القبور وتزاحم الأموات لحودهم.. عندما تنبت الزهور وتزهو الطيور.. وتراقص النسائم العليلة المعطّرة أرواح هؤلاء بأنغامها الجميلة.. عندها أفكر في أن أكون عربيا..
ينقطع عن الكلام مرة أخرى، يشده من جديد مشهد ذلك الكلب اللاهث، لا تهدأ له حركة، ينثر التراب هنا وهناك، يبحث عن ذلك الشيء ما بين الرّكام والحفر.
ينظر من جديد إلى المرأة وهي تسير خلفه، تتلمّس ساقاه الطريق بتؤدة وتتبعه السيدة من وراءه على وقع خطواته في صمت وسكون إلى أن وصل إلى سيارته، يلقي بنظرة أخيرة على المكان المتصقّع المهجور، يفتح الباب ويأخذ مكانه أمام عجلة القيادة، ينحنـــى قليلا ويفتح الباب الذي بجانبــه ثم يقــول لهـا:
– تفضلي سيدتي..
تمسك المرأة بالباب من الخارج وهي واقفة لا تبدي أي حراك، تتمهّل قليلا ثم تقول له :
– شكرا يا ولدي.. سوف أجلس في المقعد الخلفي..
بدت على ملامحه علامات الاستغراب من جديد، أخذ وقتا قصيرا ليستعيد ما قالته هذه السيدة قبل أن يجذب الباب ويغلقه بكل هدوء ويقول لها بصوت تعلّقت بنبراته علامات الحيرة المتجددة :
– تفضلي.. خذي المكان الذي يناسبك..
امتطت المقعد الخلفي بالسيارة وهي تردد :
– أشكرك كثيرا يا ولدي.. وجازاك الله خيرا..
استقام في جلسته وهو يشغّل محرك السيارة، يذوب صوتها المردد لعباراتها المنمّقة، يأخذ طريقه ببطئ وهدوء وهو لا يزال يفكر في موقف هذه المرأة الذي بدا له غريبا، أفكار متشعّبة متداخلة تحيّره، لم يجد وهو يفكر في موقفها ما يبرر صنيعها، قد يكون الخوف من الاقتراب من الغرباء، أو هو الخوف من العيون المترصّدة، أو هو الخوف من وهم الممنوعات والمحرّمات، ولم الخوف وهي منذ ان التقت به داخل المقبرة وهي تعتبره بمثابة الإبن لها.
انغمس في كل تلك الأفكار المحيرة وعيناه على الطريق الممتد أمامه وقد امتلأ حفرا وتشقاقات، المزابل في كل مكان، يحاول يائسا أن يبتعد ما أمكن عن تلك الحفر، فلطالما تسببت في كسر الكثير من القطع من سيارته المتقادمة، لطالم فكّر بأن يقدّم قضية برئيس البلدية في منطقته، هو لا يفعل شيئا في هذه المدينة الحزينة، كل شيء يبدو متبلدا خاليا من الجمال، كان يعلم جيدا أنه لا فرق بين ما كان يراه داخل المقبرة وما يراه خارجها، الفوضى في كل مكان، أجساد منهكة، أرواح ذابلة، وجوه مكفهرّة عابسة باسرة ، قلّما تعترضك ابتسامة جميلة وقلّما تسمع عبارة لطيفة، كان يعرف أن جمال الحياة من جمال الناس وأن جمال الناس من جمال مدينتهم، ولكن لا جمال أصبح ممكنا، كل شيء تحوّل في مدينته المختنقة إلى قبح فظيع، هاجرت الطيور والفراشات أمكنتها باحثة عن مدن ومضاجع بعيدة عن رائحة الموت.
جاءه صوت السيدة من وراء ظهره خافتا مرتعشا وقد خيّل له أنه نسيها ونسي تواجدها المحيّر معه داخل السيارة.
– لقد وجدت البعض من عظام أصابعها البالية.. لست أدري ماذا أفعل بها..؟
نظر إليها من المرآة العاكسة متأملا تفاصيل وجهها، ترتفع ساقه من فوق الدوّاسة، تنخفض سرعة السيارة، وترتفع دقات قلبه، عيناه من جديد على الطريق، يلتفت إليها مسرعا دون أن تترك عيناه الطريق وبصوت متسارع يقول :
– لم أفهم.. ماذا تقصدين أيتها السيدة..؟
– لقد وجدت القليل من عظام أصابع أمي وعظام أخرى بالية ولست أدري ما عساني أفعل بها..
بكلمات متسارعة وبنبرة حادة يقول لها :
– وأين هي الآن..؟
يقول ذلك وقد بدت عليه حيرة وارتباك شديدين، كان على يقين بأن خياله قد صور له كما تعود ذلك صورا سريالية قد لا تكون لها علاقة بالحقيقة.
ينخفض صوت المرأة، يتأمّلها من المرآة العاكسة، تمسك بغطاء رأسها بيدها لتعيد ترتيبه من جديد وهي تدسّ بعض الخصلات السوداء من شعرها المبعثر تحت الغطاء الأسود ويدها الأخرى على حقيبة سوداء كبيرة، تردد بذلك الصوت المتقطّع وبنبرة منخفضة :
– هي في حقيبتي..
تضع يدها على الحقيبة السوداء ثم تلزم الصمت برهة وكأنها ترتب حروف كلماتها :
– لقد صدق الشك الذي انتابني منذ البارحة.. لقد عرفت أن الرجل الذي ساعدنا على نقل رفاة أمي قد نسي البعض منها.. ماذا أفعل بها الآن..؟ هل أدفنها في المقبرة الجديدة..؟ أم أدفنها في حديقة بيتي..؟ أم أضعها في مخبئ ما..؟ لقد تم غلق القبر الجديد بإحكام..؟ يا لها من مأساة.. يا لها من مأساة..
ارتفعت ساقه من جديد عن الدواسة لتنخفض سرعة السيارة أكثر فأكثر حتى أنها تكاد أن تقف في وسط الطريق، ينظر إليها من جديد من المرآة العاكسة، يمعن النظر إليها، يجمع شتات كلماته التي بدت وكأنها تنفلت من لسانه :
– هل تقصدين أنني أحمل أمّك معنا في السيارة أيتها السيدة.. ؟
– لا.. لا طبعا.. ليست أمي.. ولكن القليل منها.. إنها مجرد عظام بالية..
– القليل فقط من أمك إذن.. !!
ثم غمغم بصوت غير مسموع وقد ألقى بنظره من جديد على الطريق :
– وما الفرق بين القليل والكثير !! على كل حال فكلنا أحياء وأموات في هذا المكان..
تمرّ بعض اللحظات وهو لايزال يهمس بتلك العبارات حتى قالت له :
– يمكن لك أن تتوقف هنا.. بيتي في هذا المكان..
واستدركت تقول :
– شكرا لك يا ولدي.. جزاك الله خيرا..
تتوقف السيارة جانب الطريق وتفتح الباب ثم تنزل ببطئ وهي تردّد:
– شكرا لك يا ولدي.. ورحم الله والديك.. وكل الأموات..
أغلقت الباب، نظر إليها نظرة أخيرة، ثم نظر وراءه وكأنه يبحث عن شيء ما على المقاعد الخلفية، لعلها نسيت هي أيضا شيئا من أمها، لقد رحلت دون أن يسألها ماذا ستفعل بعظام أمها المتبقيّة، لقد بقي مصير تلك العظام مجهولا بالنسبة له وإلى الأبد.
رائحة خفيفة عابرة ولكنها غريبة تنبعث من داخل السيارة، لم يتعوّد على مثل تلك الرائحة من قبل، لم يستطع أن يحدّد مصدرها ولا أن يحدّد ماهيتها، فتح النافذة، استنشق الهواء بملء صدره، فتح نافذة أخرى لعله يتخلص من تلك الرائحة المجهولة وبقي ينظر في المرآة العاكسة يتابع المرأة وهي تغيب وتتحوّل إلى مجرد أشكال صغيرة منحصرة وألوان باهتة، ثم تذوب داخل سراب.
نظراته الفاترة تودع ذلك المشهد الأخير، في حين تخترق السيارة الطريق غير عابئة بما خلّفته وراءها من أحداث، تبتعد عن المكان ويغيب كل شيء ولا يبقى من هذا اللقاء المثير سوى تلك الرائحة الغريبة وبعض من الكلمات الحائرة وذلك الحزن الدفين الذي سكن وجدان تلك المرأة.
هو يعلم جيدا أنه عندما يلتقي الغرباء اللقاء الأول سيكون حتما الأخير، عندما يجتمع أحياء لا يفقهون الكثير من أمور الأموات يكون العدم، إنها عدميّة ملغزة غارقة في أزمنة غابرة منسيّة وأخرى حاضرة فاترة.