الأستاذ الدكتور: أحمد بقار جامعة ورقلة/ الجزائر
تهزني فكرة جمع اللغة العربية على شساعة مشتقاتها تسمية مسميين مختلفين باسم واحد ؛ ( الساعة / الساعة ) ، (الرقبة / الرقبة ) ، ( الجبن / الجبن ) ، ( العين / العين ) . . . و لكن مع إمعان النظر و تقليب المعنى على وجوه كثيرة تجد أن لا عيَّ في اللغة و لا في غزارة مشتقاتها ، لكن تجد ذلك التوافق في جمال الدلالة و عمقها ، و فن القول و شجاعة التوظيف ، على أن الخطورة كل الخطورة أن يطيش سهم المبدع و لا يصيب كبد المعنى ، فبدل أن يصطاده لصالحه يُعْدِمُهُ ، و أمراء الكلام يتنافسون في هذا المجال .
و قد أبدع علماء البلاغة العربية بمهارة في تسميته جناسا ، و المجانسة تقتضي – برأيي – أن يفضي أحدهما إلى الآخر في صورة ما ، في معنى ما ، في شكل ما ، في دلالة ما … و لربما يتداخل أحدهما مع الآخر ، و دعنا نقف مع هذا التبادل الجميل ، و التجانس العميق بين ( عين / عين ) ، و قد جمعهما النبي – عليه الصلاة و السلام – جمعا بليغا في قوله : ” خير المال عين ساهرة لعين نائمة ” ؛ و القصد أن العين الساهرة عين الماء ، عين الساقية التي يُرسلها صاحبها لسقي الزرع أو النخيل ، ثم تنام عينه هانئة البال قريرة ، و العين هنا من باب المجاز الذي يُذكر فيه الجزء و يراد به الكل .
1. عين الماء : تحمل معنى كبيرا و عميقا و غزيرا ؛ فالعين للماء و الماء للحياة ، و لك أن تمنحَ هذه العينَ معنيين قد يكونان على اختلاف و تضاد ، ولا يلتقي أحدهما مع الآخر البتة ، فالعين إن جادت بمائها فإنه يحمل معه الحياة ببهائها و نظارتها و روائها و جمالها ، يحيي الزرع و يملأ الضرع ، و كلما أَرْسَلَتْهُ جاء معه الندى و الخير ، و إذا أرسلتِ المعصرات ماءها الثجاجَ منحتِ القلوبَ الفرحَ و العيونَ الابتسامَ و النفوسَ البهجةَ ، و لك أن تقول الضد من ذلك إن جف ماؤها ، و السماء عقم سحابها ؛ سيجف الزرع و يشحب الضرع ، و تبكي العيون حرقة إن شحت السماء ، و بالمجمل إما أن تكون لك أو عليك .
2. عين الرؤية ( البصر ) : و هي تلك المنحة الربانية التي بها تحلو الحياة الدنيا ، و بها تبتهج النفس برؤية كل جميل ، و من فُقِدَهَا فَقَدَ الدنيا و اسأل بذلك خبيرا .
عين الحبيب عين ماءٍ بما ترسله من رسائل خير و محبة تحيي القلوب و تنعش النفوس بالمودة و السلام و الرحمة ، و هذه العين كما عين الماء تحمل سلاحا ذا حدين ، و عملين يقومان على الضد كذلك ؛ العين التي تحمل الحياة لمن يحوط بها ، عين تزرع البسمة ، و تجلي صدأ النفوس ، تفرح لفرح من تحب ، و تحزن لمصابه ، و تكرب لكربه ، تبعثُ من غير لغةٍ رسائلَ الرضى و الحنان و القبول ، عينٌ قنطرتها القلبُ السليمُ و سحابُ خيرها الابتسامةُ الزاهرة تتلقاها العين المقابلة ابتهاجا .
أما العين الساخطةُ المريضةُ فهي تماما مثل عين الماء التي شحَّ ماؤها ، هي عينٌ رسولٌ للقلب الخبيث تودُّ زوال النعمة ممن تكره ، عينٌ تتَّقِدُ شررًا تقرأها العين المضادة قراءة من يحفظ ما يقرأ ؛ لا تتلعثم و لا تحتاج تهجيةً ، عينٌ يأتي معها الخراب بشتى الألوان و الضروب ، يقول الشاعر العربي القديم :
العَيْنُ تُبْدي الذي في قَلْبِ صاحبِها
مِــــــــــــــــــن الشَّناءَةِ أوْ حُـــــــــــــــــــبٍّ إذا كانا
إنَّ البَغيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــضَ لهُ عينٌ تُكَشِّفُهُ
لا تَسْتــــــــــــــــــــطيعُ لما في القلْبِ كِتْمانا
فالعينُ تَنْطِقُ والأفْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواهُ صامِتَةٌ
حتى تَرى مــــــــــنْ ضَميرِ القلبِ تِبْيانا
و بالمحصلة العينان كلتاهما حضورهما الجميل
يبعث الإخصاب ، و غيابه أرض يباب .