الكاتب: الأستاذ منير الجابري / تونس
بدأت حبات المطر تنزل ٠ رويدا رويدا ؛ ثم سرعان ماتحولت الى سيول ٠ تسمرت وردة في مكانها ؛ تبللت ملابسها ٠
لكنها كانت سعيدة جدا والفرحة تشع من عينيها ٠ تطلعت
الى السماء فلم تر غير ومضات البرق والسحب ٠
ثم جرت كالابله ؛ لا تدري ماذا تفعل ؟!
فحبات المطر حين تجمعت أحدثت سيولا وطفقت تمزق الأرض ٠ بعد جفاف دام سنوات ٠
بدأ الليل ينشر شراعه ٠ غادرت وردة أرضها ٠الى بيتها في القرية ٠وهي تستمتع بنسمات الليل الباردة التي تلامس وجهها
محملة برائحة الأرض التى رويت لتوها ٠بعد ظمأ طويل٠
آستقبلها جيرانها بالزغاريد والطقوس الخاصة بهذا الحدث ٠
أشعلوا النار وتحلقوا حولها ٠ ثم رقصوا،على أنغام صدي المياه المتدفقة في الانهار ٠ولم يشغلهم شيء في تلك الليلة إلا الحديث عن نزول،الامطار ٠وآنهمك الجميع يحكي عن أهمية الامطار لانها نزلت مع بداية شهر أكتوبر ٠
في تلك اللحظة همست إحدي النسوة الى وردة وقالت
– لقد عاد زوجي من المدينة وحمل إلينا خبرا سارا ٠
ردت وردة- عجلي حتي تكون الفرحة فرحتين !!
-لقد قابل بعض المسؤولين عن الجهة وأكدوا له بأن يبث الخبر في القرية !!
سيأتي الى قريتنا مستثمر اوروبي ويعمل في ميدان الفلاحة
وسيأخذ الاراضي المجاورة لأرضنا وجزء من الغابة وبالتالي تكون له مساحة شاسعة ٠ ردت وردة
– ما أحوجنا الى مثل هذه المشاريع لأنها ستحول،كثبان الرمال القاحلة الى خصبة !!! ونتخلص من ديوننا التى أثقلت كاهلنا
ويصبح صوت خرير المياه وتدفقه أروع موسيقي نسمعها ٠
ويتحول حلمنا الى حقيقة ٠ سنعمل تحت ضوء القمر وأشعة الشمس ٠٠٠
نامت وردة وهي تجدف في بحر الأحلام حتي تصنع غدها الجميل ٠
ومع بداية شمس يوم جديد ٠ إستيقظ سكان القرية على صوت سيارة فارهة ٠ توسطتت القرية ونزل منها شخص طويل القامة وبيده سيقار ومعه مرافق ٠٠
إلتفوا حوله أهل القرية وكانت صدي موسيقي البلوز ينبعث من السيارة ٠ وقف في كبرياء وبدأ يخاطب السكان
-لقد جئت الى الموزمبيق لازرع الارض وسأحول هاته الصحراء الى جنة يطيب فيها العيش ٠من كان منكم لا يملك أرضا سيعمل في ضيعتي كأجير ٠ أما صغار الفلاحين سأقدم لهم المساعدة ٠بذور وأسمدة ٠٠٠
أما القرية ستشهد تطورا وذلك يكون ببناء مدرسة للأطفال ومستشفي وتعبيد الطريق ٠٠٠
كان مرافقه يترجم كلامه حتي يفهمه اهل القرية ٠٠
بعد أسبوع من زيارة رجل الاعمال ٠ قدمت الالات وبدأ العمل
فأخذ يتوسع شيئا فشيئا قضم جزءا كبير من الغابة ٠ومد قنوات المياه من بحيرة بعيدة عن القرية ٠٠٠
مرت السنة تلو السنة تحول كل الإنتاج الى اروبا ٠ فساءت أحوال صغار الفلاحين وتبخرت كل الوعود ٠بل هناك من باع أرضه له وأصبح أجيرا ٠
بيد أن وردة أبت أن تبيع أرضها ٠ مما إضطر المستثمر الى أن يكيد لها ٠ حتي تستسلم الى الأمر الواقع ٠
في صباح يوم ربيعي وقع تفجير قنات المياه التى تمر بجانب أرض وردة ٠وآشتكي بها الى السلط ٠
فزج بها في السجن حتي تكون عبرة لغيرها !!!
دخلت الى السجن وتركت أبناءها ٠كان ذلك مساء أواخر شهر أفريل ٠
لما دخلت الى الحجرة راحت تتأمل المكان ٠
فجأة أضيء نور الحجرة ٠ بدت وجوه النزيلات شديدة الشحوب ٠٠٠ورمت بصرها الى الجدران وجدت عليها رسوما مختلفة الالوان وقد طغي عليها الأسود ٠
فهي وجوه أطفال وقلوب مثقوبة ٠٠٠
كما وجدت بعض الشعارات مثل الخبز والحرية
الظلم يطبق على العالم ٠ الإنسانية في معركة متواصلة ضد الظلم !!!
دخل السجان ورمي لوردة بغطاء ثم أشار الى فراشها ٠
جلست وردة ونظرت من حولها ؛ رأت سيدة صدرها يعلو وينخفض بقوة ٠٠٠
بينما كانت شاردة إقتربت منها إحدي النزيلات ٠ وبدأت تتجاذب معها أطراف الحديث ٠ حتي تخفف عنها أثار الصدمة
مما أدخل شيئا من الطمأنينة لدي وردة ٠ وباحت لها
– ما أحوجني اليوم الى نشوة الذكريات ٠ حتي تدغدغ مشاعري ؛ لقد عشت مع زوجي أجمل لحظات عمري وصدي كلماته لن تغادر كياني ٠ قد مرض ومات ٠٠٠
تركني وانا في الرابعة والثلاثين من عمري وترك لي ولدين
وقطعة أرض لا تتجاوز خمسة هكتارات ٠ أعمل بها حتي أوفر محتاجاتنا ٠ فجأة جاء المستثمر الى قريتنا وحطم حلمي ٠
لكني سأقاوم الظلم ولن أفرط في أرضي ٠٠٠
ربط سواهر على كتف وردة ثم قالت – أيتها السمراء الجميلة
نحن مكتوب علينا مقاومة الظلم ٠٠٠
لما كنت في سن السادسة أبي كان دائما يضرب أمي بعد أن يحتسي الخمر ٠٠٠وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة قتلها
ثم آستأجر شاهدين حتي يثبتوا ان ليلة الواقعة ليس في البيت ؟!! وحين وصلت الى سن الخامسة عشر ٠ أرسلني ذات ليلة لشراء زجاجة خمر وبعد أن ثمل هم بآغتصابي لكني ضربته بالزجاجة فمات ٠٠٠
ومن يومها قررت مقاومة الظلم ٠٠٠
قضت وردة فترة السجن مع سواهر وطلبت منها حين تغادر أن تأتي الى القرية لتعيش معها ٠٠٠
عادت وردة الى القرية فوجدتها مزدانة بالمعلقات والصور في كل حائط وفي كل ركن ٠٠٠
كانت صورة احد صغار الفلاحين الذي باع ارضه لرجل الاعمال وأصبح أجير عنده ٠٠٠
سألت إبنها عن هذه الصور ٠قال
-إنه موعد الانتخابات وقد إختار المستثمر الفلاح الاعرج حتي يكون نائبا عن الجهة فهو قد قام بتمويل الحملة ٠٠٠
– هو فعل ذلك حتي يضل يحكم في مصير القرية يا ولدي
– الفلاح الاعرج لبس كسوة ويصعد على دن (برميل )حتي يراه الناس فهو قصير القامة ويدلي بخطابه ووعوده ٠٠٠
-هذه الاشياء قالها رجل الاعمال فهو كذب وضحك على الذقون ٠ إذن منذ البداية ليعلم كل شخص في القرية أن هذه الانتخابات ستكون مزور ؟!!
لان الفلاح الاعرج سيجري وحده في السباق ٠٠٠ ويفوز وتنهب خيرات البلاد ؟!!!