د / أحمد بقار جامعة قاصدي مرباح ولاية ورقلة الجمهورية الجزائرية
إن الحديث عن أدبٍ يتعلق بالمرأة أو النساء بشكل عام ، حديث يقودنا حتما إلى إشكالية المركز و الهامش ، فالمركز هو كل مقدس يحظى بالعناية و يقع في دائرة الضوء ، و يُدافعُ عنه ، أما الهامش فهو كلُّ فكر أو أدب ينشأ في العتمة ، و لا يُسمح له بالظهور في دائرة الضوء ، فالمركز ” يحظي بالرعاية السامية فتقام له المهرجانات و الأماسي و يدرج في المناهج التربوية وإجمالا ؛ هو الأدب الرسمي المتداول ” [1] ، و الهامش هو ” كل أدب لا يعترف بالقوالب الجاهزة التي يفرضها لوبي الثقافة في بلادنا سواء على مستوى معالجة المواضيع والإشكاليات الراهنة التي تفرض نفسها على المبدع أو على مستوى تقنيات الكتابة الإبداعية ذاتها فيخرج المبدع عن الأعراف والتقاليد السائدة في الكتابة ” [2] ، و لقد كان الأدب النسوي إلى وقت قريب يعد من أدب الهامش و الممنوع ، و تعددت تسمياته ( الأدب النسوي / الأدب الأنثوي / أدب المرأة / الأدب المرأوي ) ، و هذا التعدد في المصطلح و لد تعددا في الطروحات و المفاهيم ، و لكلٍّ وجهة نظره فيم يذهب إليه .
على أن الكثير من الدارسين يجمعون على أن هذا المصطلح غربي الأصل و الجذور ، تولد عن حركة التحرر النسوية في العالم الغربي ، و في عصر النهضة العربية التقطه بعض المتنورين المتأثرين بالغرب ، و يؤكدون من خلاله الدور الهام الذي بإمكان المرأة أن تقوم به ، ليطير المجتمع بجناحين .
” إن الأدب النسوي هو ذلك الأدب الذي تنتجه المرأة في سبيل تحقيق الفكر الأيديولوجي الذي باتت تؤمن به ، و هو الثورة على النظرية الأدبية الذكورية و الاعتماد على ذاتها في تأسيس أعراف أدبية جديدة خاصة بها ، و عليه فقد عملت على تهميش و تحييد الرجل عن عالم النص جاعلة المرأة بؤرة الإبداع النسوي ، فصارت المرأة هي المبدعة ، الراوية ، الشخصية المركزية الفاعلة و المهيمنة على عالم النص أملا منها في هيمنتها على العالم الواقعي بعد أن كفرت بوصاية الرجل عليها ” [3] ، و يصرح الناقد ” عبد الله الغذامي ” بقوله : ” كتابة المرأة جاءت كطارئ لغوي و كحدث جديد على ثقافة قد ترسخت تقاليدها و أعرافها حسب قواعد الفحولة ، و لم تجد المرأة بدا من أن تكتب مثلما كتب الرجل ، فتسير في خطاه ، و تستعين بمجازاته و برموزه ، و هذا لا يمكن المرأة من أن تحتل موقعا جوهريا في صناعة الكتابة ، و قصارى ما ستدركه من ذلك هو أن تكون مثل الرجل ، تتساوى معه أو تنافسه أو تتحداه ، و لكن حسب النموذج الذكوري و بناء عليه ” [4] ، هي فيم يبدو عقدة نقص جاءت من أجل فعل الاختلاف و التميز ربما .
و يحدد النقد الأمريكي الأدب النسوي في:
- الأدب النسائي : و هو جميع ما تكتبه النساء .
- الأدب الأنثوي : و هو الأدب النسائي المهمش ، و المقموع الذي أخرسه النظام اللغوي الاجتماعي الحاكم من غير أن يشتمل على رفض النسوية .
- الأدب النسوي الملتزم برفض الهيمنة الذكورية و رفض التمييز بين الجنسين ، و انطلاقا من ذلك يقسم النقد النسوي إلى قسمين :
- نوع يتولى دراسة الكتابة النسائية عموما و فهم محدودياتها و مضامينها السياسية المعنية .
- نوع ملتزم بمقاومة الهيمنة ؛ أي أن النقد النسوي يعني النقد الذي تقوم به النساء و الذي يتناول الكتابة النسائية بالتحديد [5]
يدخل هذا المصطلح ( الأدب النسوي ) مجال التداول الثقافي و الأدبي و النقدي العربي في النصف الثاني من سبعينيات القرن ( 20 م ) ، و كان للصحافة الأدبية الدور المهم في ذلك ، إذ كانت أول من طرح هذا المصطلح للتداول مشيرا إلى الأدب الذي تكتبه المرأة في مقابل للأدب الذي يكتبه الرجال ، مرتبطا في أقصى تقديراته بمفهوم الجنسانية ؛ أي أن هذا الجنس يتميز عن ذلك الجنس ، غزا هذا المصطلح هذا المجال طلبا للتميز و الاستثناء ، لهذا اضطر كثير من المبدعين و كذا الباحثين إلى وضع الأدب النسوي في مقابل الأدب الرجالي ، و هذا الطرح الانفصالي جعل الكثير من الكاتبات يثرن عليه ؛ لأنه برأيهن يوسع الشرخ ، و يعيق اندماجها في المجتمع من هؤلاء نجد ” يمنى العيد ” [6] ، و ” غادة السمان ” تميل إلى القول أن الحديث عن أدب نسوي هو حديث خاطئ و مفتعل لقضية الأدب ، كما أن المرأة توظف سلاح أنوثتها من أجل ترويج كلماتها في مجتمعات مكبوتة تاريخيا [7]، الشيء نفسه الذي يمارسه الرجل بتوظيف سلاحه المنبثق من ذكورته و حماية المجتمع لهذه الذكورية .
الأصل في أي إنتاج فنيٍّ الإبداعُ في تجرده ببعده الجمالي الإنساني ، لكن إذا دخل في مساومات و محاولة إبراز الذات و محاربة الآخر ، يضيع الإبداع بلمسته المتكاملة ، هذه تبحث عن أنوثتها التي ترى أنها مقموعة و مقهورة ، و لتثبت أنها كيان مستقل له طموحاته و آماله و آلامه ، فالكتابة بالنسبة لها فعل خلاص ، و هذا يريد أن يبقي سلطته الذكورية ، و أنه هو محور الحياة ، و أن كل تميز عنه يعد نشازا يرفضه المجتمع ، و أمام هذا التنازع ؛ هذا لي و هذا لك ، هذا ليثبت ذكورته ، و هذه لتثبت أنوثتها ، يضيع ذلك التكامل الذي يجعل من الفن إبداعا إنسانيا متكاملا و يخدم الإنسان كل الإنسان ، ” فالفكر الإنساني ينتج عن وحدة حية هي مخ الإنسان ، و هذه الوحدة تختلف في طرائق التفكير إلا لبيان الفروق الفردية ” [8] .
لم نكن نسمع قبلا بأدب ذكوري أو رجالي حتى يأتي في مقابله أدب نسوي أو أنثوي ، فالأدب كائن واحد و يتنزل من مشكاة واحدة ، هي مشكاة الفن الجميل ، و لا يضر من أي قناة خرج ؛ فجاء الأدب النسوي ليصنع فاصلا و يحدث شرخا ، و ” هكذا تصبح الكتابة نوعا من دائرة توسيع الخلاص ” [9]
لكن الطرح الأنسب بالنسبة لي أن الأدب النسوي نغمطه حقه إذا ما ربطناه بجنس الأنثى ، و من ثم سيقتصر على الجانب البيولوجي ، و إذا ما وسعنا دائرته ليصبح تخصصا قائما بذاته يكتب فيه الرجل كما تكتب فيه المرأة ، تماما مثل أدب الطفل الذي يدخل فيه ما يكتبه الطفل المبدع ، أو ما يكتب عن الطفل بشكل عام ، أو بالأدب الذي يكتب و يوجه للطفل .
الروائية ” خولة حمدي ” روائية تونسية واعدة مزدوجة الثقافة ( عربية / فرنسية ) ، من مواليد 1984 بتونس العاصمة أستاذة جامعية في تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود بالرياض متحصلة على شهادة في الهندسة الصناعية و الماجستير من مدرسة “المناجم” في مدينة سانت إتيان الفرنسية سنة 2008 متحصلة على الدكتوراه في بحوث العمليات (أحد فروع الرياضيات التطبيقية) من جامعة التكنولوجيا بمدينة تروا بفرنسا سنة 2011 روايتها الأولى الصادرة سنة 2012 تحمل عنوان “في قلبي أنثى عبرية” و هي مستوحاة من قصة حقيقية ليهودية تونسية دخلت الإسلام بعد تأثرها بشخصية طفلة مسلمة يتيمة الأبوين صمدت في وجه الحياة بشجاعة، و بشخصية شاب لبناني مقاوم ترك بصمة في حياتها .
دلالة العنوان :
يعد العنوان بنية صغرى و في الوقت ذاته محورية ، و مفتاح البدء في الدخول لعالم النص أيا كان نوعه ، فانتخاب العنوان المناسب دلاليا و جماليا يسهم في فهم خصوصية النص الأدبي ؛ لأنه علامة لسانية تسوق إلى فك مغلقاته ، و يعمل على شد المتلقي إلى النص نفسيا و فكريا ؛ فهو يحيل إلى داخل النص و خارجه ، و أول مؤشر يدفع الفضول للمتلقي و يدخل معه في حالة حوار ، ذلك أن ” دلائل العنوان لا تملك سياقا ، و إنما تمتلك فقط فضاء أكثر اتساعا من فضاءات العمل و أشد منها ازدحاما ” [10] .
العنوان في العربية مأخوذ من مادة ” عنن ” و” عنى ” بمعنى الظهور والابتداء وكذا الاعتلاء…، وعنوان الشيء سمته التي تميزه عن الآخر وتعينه وتحدده ؛ ومثل هذه الكلمة مثل الاسم الذي من وظيفته بيان الشيء أو الشخص وتمييزه عما سواه ؛ ومن أمثله الإعجاز السورة القرآنية التي تحيط بكل الآيات الكريمات معنى ومبنى كالسور البياني لكل وحدة لغوية ودلالة مضمونية تحقق التطابق لكل جزء في السورة ، كما أنها تدل غالبا على أبرز أمر قد حوته تلك السورة خلاف غيرها ، وذلك من خلال آلة التكرار والترداد لذلك الأمر تركيزا على بؤرته داخل منظومة الخطاب.
ويعرّفه ليوهوك (LEOHOEK) بقوله: “العنوان مجموع العلامات اللسانية (كلمات مفردة، جمل…) التي يمكن أن تدرج على رأس كل نّص لتحدّده، وتدل على محتواه العام، وتغرّي الجمهور المقصود” بمحتواه، فالعنوان عند ليوهوك(LEOHOEK) يحظى باهتمام بالغ، نظرا لكونه “أكبر ما في القصيدة، إذ له الصدارة و يبرز متميزًا بشكله و حجمه” منتصبًا في مقدمة الكتاب، و كذا لكونه أداةً تحدد النّص، وتعيّنه “فهو رسالة لغوية تعرّف بهوية النص، وتحدّد مضمونه، وتجذب القارىء إليه، وتغويه به” وهو بعد ذلك “نظام دلاليٌّ رامز له بنيته السطحية، ومستواه العميق مثله مثل النّص تمامًا” من حيث إنّه حمولة مكثفة من الإشارات والشفرات التي إن اكتشفها القارئ وجدها تطغى على النّص كله، فيكون العنوان مع صغر حجمه نّصًا موازيا(Paratexte) ، ونوعا من أنواع التعالي النّصي (Transtextualité)، الذي يحدد مسار القراءة التي يمكن لها أن
“تبدأ من الرؤية الأولى للكتاب” انطلاقا من العنوان ولوحة الغلاف، و شكل الكتاب… »[11] ، و بالنهاية فإن العنوان الأخاذ هو العنوان الملغم حمَّال الأوجة يذهب بالقارئ كل مذهب ، و إذا كان هذا هو الحال ، فإن الأمر يحتاج إلى قارئ حذق يستطيع فك شفرات العنونة .
جاء عنوان هذه الرواية موضوع الدراسة صادما للذائقة العاطفية و الروحية و الفكرية للمجتمعات العربية ( في قلبي أنثى عبرية ) ، كيف لا و أن كل ما يتعلق بالجنس العبري يشكل حساسية من نوع خاص لهذه المجتمعات ، فأول ما يلفت النظر في هذا العنوان أنه صادم ، و لكن الشيء اللافت للنظر أن الروائية لم تقل أنثى إسرائيلية أو صهيونية أو يهودية لم لها من حمولات عدائية في الوقت الراهن – على الأقل – و لكنها وضعت لفظة عبرية ، لقربها من لفظة ( عربية ) ، أضف إلى ذلك أنها ستتحدث في روايتها عن العبريين العرب ، أو اليهود العرب ، و تحديدا اليهود الذين يعيشون في تونس الذين قدموا من إسبانيا ، و استوطنوا جزيرة جربة ، و يتعبدون في أقدم كنيس في إفريقيا هو ( كنيس غريبة ) ، و هو كنيس يعد محجا لجميع يهود العالم ، و يعيش بسلام مجاورا لمساجدها ، و اندمجوا مع السكان المحليين ، حتى أصبح التفريق بينهم أمرا يكاد يكون مستحيلا لاكتسابهم عادات و تقاليد هؤلاء الأهالي .
يتألف هذا العنوان من شبه جملة ( جار و مجرور متقدم ) و جملة اسمية ( متأخرة ) من حيث الترتيب في الرتب المحفوظة في اللغة العربية ، و الأصل ( أنثى عبرية في قلبي ) .
فتقديم الجار و المجرور ( في قلبي ) يحمل دلالة الاهتمام بالمتقدم ، و القلب مكمن كل المشاعر ، و الروائية فيم يبدو أن قلبها تسكنه هذه الأنثى العبرية على اعتبار المتقدم – بطبيعة الحال ولا شك أن سكناها بالحب ، يكفي أنها تستشهد بنص مواز في صفحة الإهداء في روايتها للشاعر المصري “أحمد بخيت ” حكيا عن سلطة القلب : ” القلب غمد الذكريات من الذي … أفضى لسيفٍ في الضلوع و سلَّهْ ؟ “
و عنوان الرواية يفتح شهية الاطلاع عليها ؛ لأنها تحمل فيم يبدو روحا إنسانية شفافة ، كما أنها لم تقل في نفسي أو في فكري أو عقلي ، و إنما قالت في قلبي و القلب بلا شك مكمن العواطف .
تعد الشخصية عنصرا بينا و مهما من عناصر البناء الروائي و كذا القصصي ، و يرجع ” فلاديمير بروب ” أهميتها إلى تلك العلاقات المتنوعة التي تربطها إلى الوحدات الفاعلة في السرد ، مضيفا أن ” الشخصية القصصية اسم ، و ما تقوم به فعل بالمعنى النحوي ، و الربط بين اسم و فعل هو اتخاذ الخطوات الأولى نحو السرد ” [12] ، ” الأشخاص في القصة هم مدار المعاني الإنسانية و محور الأفكار و الآراء العامة ، و لهذه المعاني و الأفكار المكانة الأولى في القصة ” [13]
كما تعد الشخصية الرئيسية في العمل الروائي أهم شخصية و تنبني عليها الأحداث و ترتبط بها بقية الشخصيات و الزمان و المكان ، إنها ” التي تدور حولها الأحداث و تظهر أكثر من الشخصيات و يكون حديث الشخوص الأخرى حولها فلا تطغى أي شخصية عليها ، و إنما تهدف جميعا لإبراز صفتها ” [14] ، و الشخصية أو العنصر البشري هو العنصر الأهم في العملية السردية بوصفه ” كائنا إنسانيا يتحرك في سياق الأحداث ، تبعا للوظائف التي يؤديها و العلاقات المتبادلة بينه و بين بقية النماذج المختلفة التي تشكل فضاء تركيبيا وفق المعطيات النصية … و قد ميزتها العلاقات المنطقية التي استلزمت أن تتجه إلى نماذج بسيطة التي تشبه القارئ و تنأى عن الشخصيات الخارقة ، التي لا يعرفها إلا في الخرافات و الاختفاء بالتجربة الفردية في الأدب بحيث يستطيع أن يقدم صورة حقيقية للحياة” [15]
و شخصيات رواية ( في قلبي أنثى عبرية ) تتوزع في الشكل التالي :
- الشخصية المتفتحة المتسامحة .
- الشخصية العدوانية المتعصبة .
- الذات و الآخر في الرواية .
و الشخصيات الفاعلة في هذه الرواية هي :
أحمد : شاب متدين و من شباب المقاومة اللبنانية و شرس في المطالبة بحقه .
ريما : فتاة يتيمة أوصت بها أمها قبل وفاتها إلى جارها اليهودي ( جاكوب ) ليتولى رعايتها .
ندى : فتاة يهودية متفهمة و متفتحة ، هي من قامت بمداواة أحمد لما أصيب في إحدى المعارك . جاكوب : المكلف بالفتاة ريما ، احتضنها و أحبها أكثر من ولديه ( سارا و باسكال) .
تانيا : زوجة جاكوب حريصة على ولديها حرصا شديدا ، و بالخصوص تعاليم الديانة اليهودية .
سونيا : أم ندى ، إنسانة جد عصبية و متعصبة .
حسان : الصديق الصدوق المخلص لأحمد ، و رفيقه في الكفاح .
سماح : أخت أحمد و كاتمة أسراره ، و زوجة صديقه أيهم و أولدها ريما تيمنا بريما الفتاة اليتيمة الصغيرة التي ماتت شهيدة ، و تركت أثرا بليغا في نفوس كل من أحبها و خالطها .
أ – الشخصية المتفتحة المتسامحة :
و هي الشخصية التي تتقبل الاختلاف بين الأديان السماوية بصدر رحب ، و دونما تعصب ، و نجد ذلك ماثلا في شخصية ( جورج ) المسيحي زوج ( سونيا ) أم بطلة الرواية ( ندى ) ، الذي تفهم وضعية ندى اليهودية بعد دخولها الإسلام ، فاجتمع في بيت واحد ديانات ثلاثة ( الإسلام و النصرانية و اليهودية ) ، ” و في داخل عائلة سونيا ، كانت مختلف هذه المواقف ممثلة ، سونيا نفسها كانت من اليهود المتشددين الذين يطالبون بحقهم في القدس ، أرض الأنبياء ، و بطرد الفلسطينيين منها ” [16] ، تنادي البطلة ندى زوج أمها ( بابا جورج ) ، لشدة حنانه عليها و تفهمه لكل حالاتها في حياتها ، تقول ندى : ” كان عمري خمس سنوات فحسب حين تعرفت والدتي على بابا جورج … أرميني مسيحي ، و تزوجته و جئنا جميعا إلى لبنان ، حيث كان بابا جورج يعمل ، كان أرملا ، و له ابن وحيد من زوجته الراحلة … ميشال ، نشأنا جميعا أنا و دانا و ميشال على أننا أخوة و توثقت علاقتنا كثيرا … حتى أنني لم أشعر يوما أنني أفتقد إلى وجود أبي الحقيقي في حياتي ، فبابا جورج كان نعم الأب لنا أنا و أختي ، بل إنه كثيرا ما كان يعاقب ميشال بدلنا حتى لا يشعرنا بأي تفرقة بيننا” [17] .
ندى في حد ذاتها ( بطلة الرواية ) ، منذ بداية الرواية أبدت تفهما كبيرا ، و جازفت بنفسها و مصيرها في أسرتها من أجل إنقاذ أحمد المصاب في معركة مع الصهاينة الذين غزوا جنوب لبنان ، و هي لا تلوم المقاومة اللبنانية على كل ما تقوم به من أجل وطنها ، فهي و إن كانت يهودية فهي تقر أنها لا تنتمي للفكر الصهيوني ، ترى أن احتلال أرض الغير و قتل المدنيين إرهاب ، فلا غرابة و الحال هذه أن تقوم ندى بالتعمق في دراسة علم الأديان و المقارنة بين القرآن و التوراة فلاحظت فرقا شاسعا و بيِّناً ، إذ وجدت كل أجوبتها في السيرة النبوية و القرآن الكريم ما جعلها تقر بإسلامها ، و تقاوم مقاومة شرسة بعد إسلامها ، و لم تتوقف عند هذا الحد بل راحت تدعو إلى هذا الدين الذي آمنت به ، و الجميل في دعوتها لدينها الجديد ، أنها تدعو أهلها و من تحبهم بمحبة ، مخافة أن يموتوا على غير هذه الملة ، كما تعلمت ذلك من الفتاة اليتيمة المسلمة ( ريما ) .
في حوار جرى بينها و بين أحمد الجريح في مستودع بيت أبيها في بداية الرواية ، يقول أحمد : ” – آنستي .. أنت يهودية ، أليس كذلك ؟
نظرت ندى على الفور إلى نجمة داود التي كشفت أمرها منذ البداية و لم تعلق .
إذن لماذا تساعديننا ؟
رفعت عينيها في انزعاج و هتفت :
و ما شأن ديانتي بالعمل الإنساني ؟ ألا يحث دينك على الرحمة و الرأفة و تقديم يد المساعدة إلى من يحتاجها ، مهما كان انتماؤه و عقيدته ؟ أليست تلك رسالة جميع الأديان السماوية ؟
ارتبك أحمد و قد أدهشه ردها ، و خفض رأسه في خجل من نفسه ، فتاة يهودية تلقنه درسا في الأخلاق !! ” [18] ، ” يعتذر أحمد فترد عليه ندى : لا عليك .. فما يحصل حولنا ينسينا أننا نعبد إلها واحدا … و إن اختلفت التفاصيل و الملابسات ” [19].
شخصية ( جاكوب ) أو يعقوب باللسان العربي هذا الذي حمل أمانة كفالة ريما اليتيمة الصغيرة و لم يتحرج في أخذها و الذهاب بها لحفظ القرآن أو الصلاة في المسجد و هو اليهودي ، ” وقف جاكوب قرب مدخل السوق ، و عيناه معلقتان بالبوابة الجانبية للمسجد الذي يبعد عنه بضع عشرات من الأمتار ، أخرج منديلا ورقيا ليمسح حبيبات العرق التي تجمعت عند جبينه ، و هو يحول بصره ليتأمل باحة المسجد المفروشة بالرخام الأبيض و صومعته الباسقة التي ترتفع إلى عنان السماء ، و لم يكن يستطيع في كل مرة يقف فيها هذه الوقفة أن يخفي إعجابه بهندسة المسجد و تناسق أبعاده ” [20] ، و الأجمل من كل هذا في شخصيته فإنه ” يواظب على القدوم كل يوم جمعة ليصحب صغيرته إلى الصلاة و الدرس الأسبوعي ، و يقف في انتظارها دون ملل أو تعب ” [21]
ب – الشخصية العدوانية المتعصبة :
الشخصيات العدوانية المتعصبة كثيرة في هذه الرواية ، و هي الشخصيات التي وقفت على الضد من أفكار ريما الصغيرة و ندى المتفتحة . ، شخصية تانيا اليهودية زوجة جاكوب ، و شخصية سونيا أم ندى ، و ميشال النصراني ابن جورج زوج سونيا أم ندى ، هذا الأخير الذي يخاطب ندى بلهجة أكثر حدة بعد أن علم بإسلامها : ” ما الذي وجدته عند المسلمين و لم تجديه عند أهلك اليهود ؟ ألا ترين ما هم عليه من التخلف و التأخر عن بقية الأمم ؟ لو كانوا على دين حق ، لكان الله وفقهم و سخر لهم الإمكانيات المادية . لكن دينهم لم يساعدهم إلا على التقهقر و الانغلاق ! انظري إلى الشوارع المتسخة ، إلى الإدارات العامة التي تسودها الفوضى و الفساد ، انظري إلى الأخلاق و المعاملات في الشوارع ، في وسائل النقل ، و في الأماكن العامة … و مع ذلك فلبنان خيرٌ حالا من بلدان كثيرة ، لماذا برأيك ؟ لأن هنالك فئة من المسيحيين تمتلك القسم الأكبر من الثروات و تديرها لمصلحة البلاد ؛ لأن السلطة بأيدينا ” [22] ، في محاولة منه لثنيها و بعث التشكيك في قلبها و روحها ، متناسيا أن ندى قد تعمقت في دراسة هذا الدين و عرفته قبل أن تعرف أهله في زمنهم هذا ، و تعمقت حتى في دراسة الشبهات و الأباطيل التي أكيلت ضده .
تراسل ندى أحمد الذي غاب و لم تعرف له مكانا و بقيت متعلقة به أشد التعلق ، و ترسل الرسائل إلى غير مرسل إليه فتقول له تخبره عن تحمسها الشديد للدعوة ، حديثها هنا عن سارا بنت جاكوب ( يعقوب ) المقيم في جربة بتونس : ” أخي في الله أحمد ،
لم أكن أعتقد بأنني سأبدأ حملة الدعوة في هذا البيت عن طريق الصغيرة سارا . إنها فتاة مذهلة حقا . قدراتها الذهنية تتجاوز تتجاوز بمراحل عديدة قدرات الأطفال في سنها . و اهتمامها بالإسلام جعلني أستبشر خيرا كثيرا . أنها تقرأ بنهم الكتب التي أشتريها من المكتبة ، ثم تناقشني فيها بعقلانية و براعة شديدين . أحاول أن أجمع من المواد ما يكفي لإقناعها . أعتقد جازمة بأنني إن توصلت إلى إقناع سارا ، فلن يكون إقناع بقية أفراد العائلة سوى ضرب من التسلية ! ” [23]
ج – الشخصية اللامبالية : و نجدها في صورة شخصية سالم والد ندى التونسي المسلم ، الذي لا يحمل من الإسلام سوى الاسم ، هذا الدين الذي جاءه وراثة و لا يعلم منه سوى صوت الآذان و رسم الجدران في المسجد .
فبعد أن استقبل ابنته ندى من زوجته اليهودية الساكنة بلبنان بالمطار ، و قد هاله تغيرها الكبير بعد إسلامها ، ” ازدرد سالم ريقه و قال :
- ندى صغيرتي … لا يمكنني أن أستقبلك الآن في منزلي ، فزوجتي لم تتقبل بعد فكرة قدوم ابنتي من زوجتي الأولى للإقامة بيننا ، لذلك فإنك ستذهبين مع عمك جاكوب الآن . إنه رجل طيب و سيعاملك جيدا … و في هذه الأثناء سأعمل جاهدا على إقناع زوجتي باستضافتك ” [24] .
و ها هي ندى تتحدث عن والدها سالم اللامبالي بها و المتحاشي لرؤيتها تقول : ” لن أذهب بعيدا ، ها هو والدي المسلم يقيم على بضعة شوارع من هنا ، هل تراه يفكر فيَّ أو يسأل عني ؟ أو ليس تخليه عني أيضا (( شرّا )) ؟ و هل يختلف في ذلك عن أمي و شقيقتي ؟ بل أدهى ! لو كنت ظللت على اليهودية لكنت تفهمت دوافعه . لكن و قد أصبحت مسلمة ، فأي مبرر يسكت به ضميره لامتناعه عن رؤيتي أو الاهتمام لأمري ؟ هل يطمئن لوجودي بين اليهود ؟ لا أجد له عذرا واحدا يا أحمد ” [25] ، صورة سالم هي انعكاس لفئة كبيرة من الرجال المسلمين اللامبالين ، الذين يملكون سلوكات لا تمت لدينهم بصلة ، فقط لأنهم ورثوه وراثة ؛ أو فقط لأنهم وجدوا آباءهم و أمهاتهم عليه .
د – الذات و الآخر في الرواية :
فتحت الروائية ” خولة حمدي ” في روايتها موضوعا يعدُّ من الطابوهات في الظرف الراهن ، موضوع الآخر المعادي ، الآخر المغتصب للأرض ، الآخر المحارب المعادي للملة ، الآخر الذي نرسم له صورة جد سوداوية ، إذ تروم من خلال فتح هذا الموضوع إبراز- ربما – صورة مغايرة لوجه الآخر نبشا عن أخلاق و سلوكات و أفكار و طروحات قد يحدث من خلالها ذلك التوافق الجميل ، و نبذ روح الكراهية .
تحاول الروائية إظهار الآخر بصورته من دون ماكياج ؛ الآخر بما يحويه من وجوه متناقضة بخيِّرها و شريرها ، تصور البطلة ندى ، و تصور من خلالها فئة عريضة من أمثالها الذين سطا عليهم الكهنة و حصروهم في زاوية ضيقة من الدين لا يجب تجاوزها من باب ( اعتقد و لا تنتقد ) ، ” كانت تحسب نفسها ملتزمة و عارفة بدينها ، لكنها اكتشفت أن ما تعرفه هو القليل الذي تعلمته على يد أستاذها ، حين بدأت بحثها بدأت المفاجآت بالظهور ! اكتشفت أن ما تعلمته من التوراة لا يعدو أن يكون بضع مقاطع منتقاة بعناية حتى لا تحدث بلبلة في نفس أتباع الديانة اليهودية ، لكنها كلما قرأت أكثر ، تفاقمت البلبلة أكثر في نفسها … التفاسير و التحاليل التي بين يديها لم تقنعها ، المفارقات بين النسخ المختلفة واضحة ، و رجال الدين يحاولون إيجاد التبريرات التي بدت في نظرها أقرب إلى المراوغات … ” [26] ، هكذا حاولت الروائية إظهار فئة ليست باليسيرة في الديانة العبرية تعاني سطوة المقدس ، فلمَّا تتاحُ لها فرصة القراءة و التعمق سيكتشف الآخر المغاير ، الآخر الذي شوهه مقدسهم و نعته بأبشع النعوت ليغدو أمامهم أضحوكة من جهة ، و عدوا لدودا من جهة أخرى .
و تصور من خلال البطلة ( ندى ) أيضا صورة الآخر الذي لم يذق طعم الفقد و العذاب بالحجم الذي يذوقه الفلسطينيون و سكان جنوب لبنان ؛ لأنهم هم من يصنع الفجيعة فكيف يطعمون ألم الفجيعة ؟ ! فبعد استشهاد الصغيرة ريما افتقدتها ندى بكل مرارة ، فيعلق أحمد عن حالة ندى المتأزمة بفقد ريما : ” كان الواضح أنها تعيش تجربة فقد الأحباب للمرة الأولى ، تكتشف معنى الشهادة التي تجهل عنها كل شيء ، ترى الموت يخطف حياة يافعةٍ لم تقطع سوى شوك يسير في رحلة الحياة ، ندى لم تتحمل فقدان ريما التي لم تعرفها سوى لفترة يسيرة ، انهارت و لبثت طريحة الفراش ، بالكاد تعي ما يحصل حولها ” [27] ، فكيف هو الحال مع الآخر ، الذين يفقدون أهاليهم تحت القصف التعسفي في كل دقيقة ؟؟
و من صور الآخر المختلف و المتعدد في مفاهيمه أيضا ، نجد حديثا عن فئة من اليهود تسمى ( الناتوراي كارتا ) ، ” و من هؤلاء طائفة ( الناتوراي كارتا ) التي يرى أفرادها أن اليهود استحقوا الحكم الإلهي الوارد في التوراة بالشتات في مختلف أنحاء الأرض ، دون الانتماء إلى وطن يجمعهم و يلم شملهم ، و لذلك فإنهم يعتبرون كل محاولة لبناء دولة يهودية قبل عودة المسيح إلى الأرض خرقا للإرادة الإلهية ، لكن هذا لا يعني أن هذه الطائفة تساند الإسلام و الجهاد و تدعمه ، فهي تستنكر استعمال العنف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مهما كان العدوان شديدا ” [28] ، بحسب الرواية يبدو مجتمعا فسيفسائيا مثل بقية الشعوب ، ففي رسالة تبعث بها ندى إلى أحمد حين وصولها إلى تونس تحدثه عن شعبها اليهودي : ” أنت تعلم ، اليهود مثل كل البشر – فهم ليسوا شياطين في نهاية الأمر- أشخاص عاديون ، لديهم قضاياهم التي تشغلهم ، المشكلة ليست في وجودهم في حد ذاته ، إنما في القضايا التي يدافع عنها قسم كبير منهم ، و الطريقة المتبعة في ذلك ، أومن بأنه ليس هنالك عرق (( شرير)) بالفطرة أو في المطلق ” [29] .
كما أظهرت الرواية أن الرجال اليهود المتزوجين أكثر تسامحا من النساء المتزوجات ، و هذا ما نلاحظه في شخصية جاكوب الذي قبل بتعايش الأديان السماوية في بيته ، على أن شخصية المرأة أكثر شراسة في حرصها الشديد على تربية أبنائها على تعاليم الدين اليهودي ؛ مما يؤكد أن حمل رضاع هذه التعاليم تتحمله الوالدات .
الزمن يرى عز الدين إسماعيل أن ” كل حادثة تقع لا بد في مكان معين ، و زمان بذاته ، و هي لذلك ترتبط بظروف و عادات مبادئ خاصة بالزمان و المكان اللذين وقعت فيهما ، و ارتباط كل ذلك ضروري لحيوية القصة لأنه يمثل البطانة النفسية ” [30] ،
إلى جانب الزمن الحقيقي أو الفيزيائي الذي يسير وفق خط سمتري ، يمكن توفر مستويين للزمن هما :
- زمن النص : و هو زمن تخيلي يختلف عن زمن الوقائع و يفارقه .
- زمن الوقائع : و هو زمن متعدد الأبعاد يحمل في الوقت الواحد أحداثا عدة .
أما زمن القصة ف ” هو زمن أحادي ينمو بالكلام في التوالي ، إنه زمن التزام الصياغة و تكونها في جمل تتوالى مقيمة القول ” [31] .
- زمن الخطاب : هو زمن انكساري لا يخضع زمن السرد فيه للتتابع المنطقي للأحداث ، فمثلا إذا افترضنا أن قصة ما مرت على مراحل متتابعة منطقيا في الشكل الآتي :
أ ب ج د ه
فإن سرد الأحداث في القصة يمكنها اتخاذ الخطاطة التالية :
ه ج د ب أ
يتداخل الألم مع الزمان و المكان في هذه الرواية ، فالزمان المتألم هو زمان الغزو الاستيطاني الصهيوني بامتياز ؛ و المكان المألوم فلسطين و جنوب لبنان .
ألم المكان الخطأ و الزمان الخطأ وجدنا معاناته عند الطفلة الصغيرة اليتيمة ( ريما ) ، التي عانت غربة المكان و الزمان حتى في بلدها الأصلي تونس ، عندما أوصت بها أمها قبل وفاتها إلى جاكوب اليهودي ليتحمل مسؤولية كفالتها ، فعاشت غربة المكان ؛ الذي هو بيت يهودي تختلف عاداته و تقاليده عن بيت أبيها و أمها ، أضف إلى ذلك أن تانيا زوجة جاكوب ثار جنونها لما لاحظت هذه الصغيرة أكثر تمسكا بدينها و عفتها و حجابها و حضور صلواتها في المسجد ، و بمرافقة جاكوب أيضا ، لاحظت في ذلك خطرا كبيرا على ولديها ( سارا و باسكال ) ، فأرغمت جاكوب الذي نغصت عليه حياته أن يقوم بإرسارلها إلى أخته في لبنان ، للتخلص منها .
فيضطر جاكوب مرغما على فعل ذلك ، مع إحساسه بعذاب الضمير ، و هو يتخلى عن وعده لأم ريما بكفالتها و حمايتها ؛ لكن الأقدار كانت لها بالمرصاد ؛ إذ تلاقي عنتا آخر من زوج أخت جاكوب الذي أركبها الرعب كرها و عنتا منه لرؤية تدينها ، فتدخل ريما الصغيرة في معترك ألم زمان جديد و ألم مكان جديد ، فتضطر أخت جاكوب إلى إرسالها إلى بيت صديقتها أم ندى فتلاقي منها أيضا ألما آخر . ليكون المكان اللبناني و الزمان اللبناني مصيرها المحتم ، لتموت شهيدةَ قذيفةٍ صهيونيةٍ شرسةٍ غريبةَ المكان ، و في الزمن الخطأ ؛ زمن الغزو الصهيوني لجنوب لبنان .
و أحمد بطل الرواية ، يغيبه الفعل الصهيوني عن حضور المكان و الزمان فاقدا ذاكرته لما يفوق أربعة سنوات ليعود باسم مستعار ( جون ) و دين لم يدرج عليه ( النصرانية ) ، و شخص لا يعرف أحدا ، إنه الفعل الصهيوني الذي يريد مسخ الشخص و المكان و الزمان ، ” حين استيقظ من غيبوبته ، وجد نفسه في قرية جل سكانها من المسيحيين ، علموه دينهم و اعتبروه واحدا منهم ، فاعتبر نفسه نصرانيا مثلهم ، أحيانا كان يتساءل … هل كان يدين بالمسيحية في حياته السابقة ؟ ” [32] ، النسيان و المسخ تماما كما تمارسه الأيدي الصهيونية .
نجد شخصيات الرواية يتنازعها المكان و الزمان ، فالصراع في أصله زماني مكاني في هذه الرواية ، فالزمان كلٌّ من الأنا و الآخر يرى أحقيته بالمكان زمانيا عبر التاريخ ، و بهذا الفعل الزماني نشأ الصراع على المكان ، الصراع المر الذي ذهب ضحيته خلق كثير و ما يزال عدَّادُ الضحايا مفتوحا .
على سبيل الختم ، نرى أن الرواية تتميز بالمركز الأحادي و السرد المركزي ؛ إذ لم تتغير فكرة الرواية من البداية حتى نهايتها .
لم تستطع الروائية الانفكاك من إسار الإيديولوجية التي تؤمن بها ، حيث جعلت من نفسها الرقيب الأساسي على أفكار و طموحات شخصياتها ، فصارت تفكر و تحب و تكره بلسان الروائية لا بلسانها ، و قد أظهرت الروائية ذلك في ثنايا الرواية بصوت الراوي الذي يفضحها .
الملمح العام في الرواية هو الطرح الواقعي في السرد ؛ و كأن الروائية ملزمة بتقديم الأحداث التي مرت بها شخصياتها ؛ نقلا بأمانة الأمين .
حاولت الروائية بصدق أنثوي و روح إنسانية النبش في نقاط الاتفاق و التقارب بين الأديان السماوية ، لنبذ الروح العدائية ، و إحداث المؤاخاة الإنسانية المنشودة من كل البشر .
اقتحمت الرواية موضوعا حساسا جدا ؛ قضية الآخر المختلف المعادي ، بكل جرأة ، و استنطقت المخبوء الجميل في نفوس شخصياته .
خضع المشهد الروائي عند خولة حمدي في روايتها إلى الخصوصية النسوية في التكوين البيولوجي المختلف ، حيث نلمس تغليب استعمال الأحاسيس ؛ من الشم ، و اللمس ، و الإحساس ، و النظر ، و الحلم في عالمها المتخيل ، فكم ذا حشدت كل الأحاسيس في بطلتها ندى في علاقتها و حبها لأحمد ؛ ( النظر ، اللمس ، اللهفة ، الشم ، الذاكرة المصاحبة لرجفة القلب ، الدمع السخي…) .
المصادر و المراجع :
1 – خولة حمدي: في قلبي أنثى عبرية.دار كيان للنشر و التوزيع.الهرم.القاهرة.2013.
2 – أحمد ندا – أدب المهمشين بين النخبة والصعاليك. موقع : masn.20 at .com/ New article .phpsid = 9400.56
3 – أحمد إبراهيم طيبة:تطابق الصورة في متوازي الأعمال الروائية للمرأة و الرجل.مجلة الفكر. العدد 2 . 2002 .
4 – إبراهيم صبيح و آخرون:دراسات في اللغة و النحو و الأدب . دار المناهج للنشر.عمان الأردن.ط2. 1980 .
5 – جريدة الأسبوع الأدبي : إطلالات على شعر و نقد النسوية الأمريكية .العدد 981. 2005 .
6 – رحيم عبد القادر ، وظائف العنوان في شعر مصطفى محمد الغماري
7 – عبد الله الغذامي : المرأة و اللغة . ط3 .
8 – عز الدين إسماعيل : الأدب و فنونه.دار الفكر العربي.ط8.
9 – غادة السمان : القبلة تستوجب القتيلة.( حوار مع حبيب حنا ).منشورات غادة السمان.بيروت.1981.
10 – صبري حافط:الخصائص البنائية للأقصوصة . مجلة فصول . القاهرة . مجلد 2 /ع 4 . سبتمبر 1982 .
11 – محمد بن سعيد: أدب الهامش في المغرب : صورة المرأة ، موقع www :hac 2 univ .com
12 – محمد صفوري : الأدب النسوي ( إشكالية المصطلح و ثورة في المضامين )
13 – محمد لطيف اليوسفي:لحظة المكاشفة الشعرية.الدار التونسية للنشر.تونس.
14 – محمد فكري الجزار:العنوان و سيميوطيقا الاتصال الأدبي .الهيئة المصرية للكتاب.1998.
15 – محمد غنيمي هلال:النقد الأدبي الحديث.دار الثقافة بيروت . لبنان. 1973.
16 – يمنى العيد : مساهمة المرأة في الإنتاج الأدبي . مجلة الطريق.العدد 4 . شهر أفريل . 1975.
[1] / أحمد ندا – أدب المهمشين بين النخبة والصعاليك. موقع : masn.20 at .com/ New article .phpsid = 9400.56
[2] / محمد بن سعيد: أدب الهامش في المغرب : صورة المرأة ، موقع www :hac 2 univ .com / ?p=65
[3] / محمد صفوري : الأدب النسوي ( إشكالية المصطلح و ثورة في المضامين ) . ص 7
[4] / عبد الله الغذامي : المرأة و اللغة . ط3 . ص 208 .
[5] / جريدة الأسبوع الأدبي : إطلالات على شعر و نقد النسوية الأمريكية .العدد 981. 2005 . ص 11 . 12
[6] / ينظر : يمنى العيد : مساهمة المرأة في الإنتاج الأدبي . مجلة الطريق.العدد 4 . شهر أفريل . 1975.
[7] / غادة السمان : القبلة تستوجب القتيلة.( حوار مع حبيب حنا ).منشورات غادة السمان.بيروت.1981. ص121 .
[8] / أحمد إبراهيم طيبة:تطابق الصورة في متوازي الأعمال الروائية للمرأة و الرجل.مجلة الفكر. العدد 2 . 2002 . ص 227
[9] / محمد لطيف اليوسفي:لحظة المكاشفة الشعرية.الدار التونسية للنشر.تونس.ص282
[10] / محمد فكري الجزار:العنوان و سيميوطيقا الاتصال الأدبي .الهيئة المصرية للكتاب.1998. ص 69 .
[11] / رحيم عبد القادر ، وظائف العنوان في شعر مصطفى محمد الغماري
[12] / عز الدين إسماعيل : الأدب و فنونه.دار الفكر العربي.ط8. ص 152
[13] / محمد غنيمي هلال:النقد الأدبي الحديث.دار الثقافة بيروت . لبنان. 1973. ص 562
[14] / إبراهيم صبيح و آخرون:دراسات في اللغة و النحو و الأدب . دار المناهج للنشر.عمان الأردن.ط2. 1980 . ص 355
[15] / صبري حافط:الخصائص البنائية للأقصوصة . مجلة فصول . القاهرة . مجلد 2 /ع 4 . سبتمبر 1982 . ص 23
[16] / خولة حمدي: في قلبي أنثى عبرية.دار كيان للنشر و التوزيع.الهرم.القاهرة.2013. ص 87
[17] / المصدر نفسه : ص 65 . 66
[18] / خولة حمدي : في قلبي أنثى عبرية . ص 59
[19] / المصدر نفسه . ص 60 .
[20] / المصدر نفسه . ص 02
[21] / المصدر نفسه : ص 04
[22] / خولة حمدي : في قلبي أنثر عبرية . ص 518
[23] / خولة حمدي : في قلبي أنثى عبرية . ص 571 .
[24] / المصدر نفسه . ص 555
[25] / المصدر نفسه : ص 562
[26] / خولة حمدي : في قلبي أنثى عبرية . ص 439
[27] / خولة حمدي : في قلبي أنثى عبرية . ص 413 .
[28] / المصدر نفسه : ص 87 .
[29] / المصدر نفسه : ص 561
[30] / عز الدين إسماعيل: الأدب و فنونه . ص 44
[31] / يمنى العيد و آخرون:دراسات في القصة العربية.وقائع ندوة مكناس.مؤسسة الأبحاث العربية.بيروت.لبنان.ط1. 1986. ص 29
[32] / خولة حمدي : في قلبي أنثى عبرية . ص 639