لطفي عبد الواحد شاعر و ناقد تونسي
لا ادري الى اي حد يمكن أن نعتبر ظاهرة الإفراط في نشر المجموعات الشعرية ومختلف أنواع الانتاج الأدبي ظاهرة صحية وتدل على أن الإبداع بخير وان هنالك فعلا هذا العدد الكبير ممن يسمون أنفسهم شعراء وشاعرات ومبدعين ومبدعات فقد يبلغ بالواحد من أبناء هذا الجيل الجديد وكتابه ان ينشر في السنة الواحدة اكثر من كتاب وقد يصل العدد من الكتب أحيانا إلى الثلاثة و الاربعة ويغرق صفحات الفايسبوك والانترنت بدعاية مبالغ فيها لهذه الاصدارات وعناوينها والغريب في الامر أننا بدأنا نلاحظ جيدا ان هناك من أصبح يتعمد هذه المبالغة في النشر معتقدا ان نشر كتبه مع ما يرافقها من تعاليق ومجاملات من الاشخاص ومن بعض المواقع المرتزقة بحثا عن شهرة زائفة وانتشار غير مستحق في زمن انسحب فيه العديد من النقاد او تضاءل فيه النقد الموضوعي الذي يوجه ويضع اصحاب التجارب الادبية في أحجامهم الطبيعية حتى يتحولوا فعلا الى أدباء فعليين لا تصنعهم المطابع ودور النشر ومواقع التواصل الاجتماعي والغريب أنك وانت تقرأ او تطلع على بعض ما ينشر تشك احيانا في نسبة بعض الكتابات لناشريها إذا كنت بالفعل قارئا لهم ومطلعا على تجاربهم في الكتابة وعارفا مستواهم الحقيقي في الكتابة فقد تفاجأ أحيانا بشاعر لا يعرف العروض واوزان الشعر ومتعود على كتابة قصائد النثر التي اقدرها واقدر اصحابها الحقيقيين وبراعتهم يتحول بسرعة وبقدرة قادر إلى شاعر يكتب قصائد عمودية موزونة فينتابك الشك في صحة نسبتها اليه ولكنك لا تستطيع ان تثبت بسهولة للأسف نسبتها إلى غيره لأنك لا تستطيع ان تلم بكل ما كتب من قصائد شعرية وبكل الشعراء الذين اختاروا هذا الشكل من أشكال الكتابة الشعرية
خلاصة القول في رأيي وتقديري هي أن اطنان الورق التي تخصص لنشر العشرات من الكتابات المنسوبة للأدب والشعر وعشرات او مئات البرامج والمواقع على الإنترنت التي تقوم بالدعاية لها واشهارها وتهافت أصحابها على عرضها وتمجيدها لن تجعل هؤلاء الكتاب بالضرورة مبدعين حقيقيين قادرين على أن يضمنوا لأنفسهم المكانة الابداعية الصحيحة و الخلود فالمبدع لا يصنعه الا ابداعه واجتهاده وامتلاكه لناصية اللغة وأساليب التعبير الفني وبما أنى لست من المصادرين لحق اي شخص في الكتابة والنشر في عالم يؤمن
بالديموقراطية وحرية التعبير فإني أرجو أن يستعيد المبدعون والنقاد الحقيقيون دورهم فيقيمون ما ينشر ويفرزون باعتماد النقد الموضوعي النزيه والمنصف وينبهون الى ضرورة التقيد بشروط الابداع ومواصفاته وتلك مسؤولية جسيمة لكنها ضرورية وواجبة في زمن انقلبت فيه القيم والمقاييس وتدفق فيه الأدعياء والمهووسون بحب الظهور والشهرة واكتساح المواقع ووسائل النشر والاعلام