بقلم: الناقد والشاعر أ لطفي عبد الواحد
الباجي المسعودي شاعر من شعراء القرن التاسع عشرعاش زمن حكم البايات في تونس زار مدينة نابل في مناسبات عديدة ونجد في ديوانه قصيدة طريفة ركزّ فيها وصفه على منطقة وادي سحّير او وادي سوحيل وهي من المناطق الجميلة كانت ولا تزال مقصودة ومشهورة برقّة هوائها الّذي يشفي العليل حتّى انّ الاشخاص الّذين كانوا يشتكون من بعض الامراض الصدرية ينصحون بالتوجّه اليها للراحة والاستجمام يقول الباجي المسعودي في مطلع هذه القصيدة ممهدّا للوصف :
سعى بكأس الشراب من وعده كالسراب
فقلت لم لا تحنّ لما بي يا لوعتي وعذابي
ليقول بعد ذلك واصفا مظاهر الطبيعة الخلّابةفي تابل =
وان تجاهلت فادري
سلوان ذي الاكتئاب
سقى الالاه رباها
سحابا يزري بكل شراب
وأضحك الزهر فيها
جميل الربى والهضاب
وما بسحّيرها ممن
تختال بين الكعاب
وهو يشير في قوله وأضحك الزهر إلى زهر النارنج الذي يتفتح في فصل الربيع فتنتشر رائحة عطره تحملها النسمات إلى الأنوف فتنتعش بها النفوس وتنتشي ويبلغ شذاها الانهج والبيوت.
هده عيّنة ممّا قاله الشاعر التونسي الباجي المسعودي في نابل وهي لا تغني عن القول إنّ هنالك العديد من الكتابات والاشعار التي كتبها شعراء سابقون ومعاصرون في وصف هذه المدينة الطيّبة واثرها في نفوس زوّارها وابنائها وتبرز روعة ما أودعه اللّه فيها من المحاسن والطيّبات كما لايغني هذا عن الاشارة الى انّ هناك أيضا قصائد وابياتا شعرية معاصرة لشعراء معاصرين تغنّوا بنابل لعلّي اذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر الشاعر الغنائي التونسي اصيل مدينة الحمّامات المرحوم محمّد بوذينة الذي كتب اغنية باللهجة العامية وغنتها المطربة الكبيرة السيدة نعمة ابنة ازمور من معتمدية قليبية ولاية نابل ومطلعها :
الزهر تفتح في نابل
والخير مرفرف ومقابل
وكذلك الشاعر الدكتور والصديق نور الدين صمود ابن قليبية من ولاية الوطن القبلي الذي كتب عنها قصيدة مطولة مطلعها :
أكاد أحس اذا زرت نابل
بأني أزور حدائق بابل
وإضافة الى هذا أقول انّ نابل كانت ولا تزال ملهمة العديد من الشعراء والمبدعين كما كانت ايضا بالنسبة لي مصدر إلهام للعديد من قصائدي وقد ظلّ حضورها دائما في ذاكرتي وكذلك في كتاباتي عنها كيف لا وانا استحضر هذه الابيات الّتي كنت قلتها وأنا تلميذ أدرس في احد معاهدها الثانوية :
قبلة العشّاق نابل
سحرها من سحر بابل
فيض حسن يتحلى
في ربى الخضراء ماثل
هي للزوّار كون
من هناء ووداعة
أرض جد واجتهاد
أرض خصب وصناعة
حيثما تمضي تلاقي
كل أصناف البراعة
في رباها قد نشانا
وبها طاب المقام
وعلى العهد اجتمعنا
في صفاء ووئام
في بلاد علمتنا
كيف نحيا في سلام
وفي السنوات الاخيرة وبمناسبة حلول فصل الربيع واستعداد المدينة لتنظيم مهرجان عيد الزهر الذي تحول إلى عادة سنوية كتبت قصيدة أخرى عن نابل تتغنى بجمالها وتشاء الصدف أن يكون وزن أبياتها وحرف رويها نفس وزن قصيدة الاستاذ الشاعر نور الدين صمود ونفس حرف رويها وقد كنت اطلعت على قصيدته تلك بعد مدة من كتابة قصيدتي ولعل سبب التقارب مع الاختلاف في المضمون يعود الى اشتراكنا في اختيار إسم نابل واستحضار مدينة بابل المشهورة بسحرها وحدائقها واشتراكنا في عشقنا لنابل واحساسنا بجمالها والالتجاء إلى وزن البحر التقارب ومطلع هذه القصيدة التي كتبتها هو:
سألت عن السحر أين يكون
إذا لم يكن في حدائق بابل
ومما لا شك فيه أن هناك شعراء عديدين كتبوا عن نابل ووصفوها كما راتها عيونهم لم أشر اليهم في هذا المقال المتواضع الذي استغل مناسبة نشره لاقترح على اللحنة البلدية المنظمة لمهرجان عيد الزهر برئاسة السيدة المستشارة نوة قرط نشر كتاب يتضمن عددا من القصائد التي كتبت في نابل مرفقة بمجموعة من الصور واللوحات لعدد من الفنانين التشكيليين بالتعاون مع الجمعيات وفي مقدمتها جمعية صيانة مدينة نابل برئاسة الصديق زهير بالامين يكون مرجعا ووثيقة تخلد هذه المدينة الفاتنة نابل نيابوليس الفن والحضارة وتساهم في المحافظة على الذاكرة الفنية..