الأستاذة: لطيفة الغراس / المغرب
كثيرا ما يدفعنا الحاضر لتذكر الماضي،وإن كان ذاك الماضي يوما هو الحاضر الذي لم نكن ننظر إليه،إلا من زاوية واحدة.
بعد سنوات طويلة وعن طريق هذا العالم الأزرق،عاد اللقاء مع أصدقاء وزملاء افتقدناهم.
لطيفة حليم في غرفة صديقات أجمل العمرتصر على إعادة نسج شبكة تضم رائدات ظهر المهراز،وتفتح بيتها للقاء رائع بين طالبات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس،في سنوات عجيبة،تجمع بين النضال السياسي والاجتماعي وبين التطلع العلمي والمعرفي وتحقيق حرية التعبير وانتزاع حرية التصرف للأنثى الرائدة وليس الأنثى النمطية التي عاشت فترات،وتعودللحياة اليوم على المستوى الاجتماعي،أما العلمي فقد تطورت معرفيا وغزت كل المجالات،هي نمطية لم تكن من اختيارها بوعي ولكن بتبعية تكتسي قناع الاختيار!
أحداث تردنا لسنوات 1965!
المتأمل اليوم لواقع الجامعة المغربية عليه أن يقرأ في وثائق الأمس،ليقارن بين مستوى الوعي السياسي والعلمي والاجتماعي آنذاك وبين واقع طلابي حالي وتدريسي.!
كان اللقاء بالأمس 22 أبريل لمجموعة من الإناث ممن جمعتهن الدراسة الجامعية في فاس.
ومنهن الأستاذة عائشة العلوي لمراني،الأستاذة فاطمة دهر،الأستاذة نجاة أبو الفرج،الأستاذة ثريا الليهي،الأستاذة لطيفة حليم،الأستاذة لطيفة الغراس،الأستاذة،صخرة أبو خالد.
وثمّن اللقاء تواجد نساء رائدات لسن من طالبات ظهر المهراز،ولكن رائدات في المجال الثقافي والاجتماعي، ومنهن عزيزة يحضيه عمر رئيسة رابطة كاتبات المغرب،الأستاذة خديجة شاكير رئيسة جمعية الربوة،الأستاذة شامة عمي شاعرة وفنانة تشكيلية،الأستاذة رشيدة أفيلال متخصصة في علم الاجتماع وهي زجالة وروائية وكذلك الأستاذة نادية رئيسة رابطة كاتبات المغرب لفرع أسفي.
بعد كلمة مختصرة للأستاذة الروائية لطيفة حليم،حول الدوافع والأسباب لجمع اليوم، ثمنت تلك الفترة من حيث نوعية الطالبات،ومن حيث الجو العام الذي طبع الدراسة بكلية الآداب بفاس،وتابعت الأستاذة عائشة العلوي ما بدأته لطيفة،لتوضح بعض ملامح الكلية والحي الجامعي،من حيث المكان والموقع فقد كان الحي الجامعي وأقسام الكلية عبارة عن ثكنة عسكرية جوية،سلمت للتعليم العالي.
وكان السؤال الوجيه هو: لماذا تم نقل شعبة الدراسات الإنسانية من الرباط لفاس،وخاصة للدارسين باللغة العربية ؟
في الواقع كانت مرحلة دقيقة في تاريخ المغرب وأهم مايميزها هو الوعي السياسي للطلبة.
كانت الزعامة إذاك للاتحاد العام لطلبة المغرب( حزب الاستقلال) والاتحاد الوطني ( حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية).
كان النضال من أجل وطن أرقى وجامعة أرقى،ووضعية طلابية أرقى.
تابعت الأستاذة عائشة حديثها عن ذاك التناسق الطلابي ومخزونهم المعرفي من قراءات خاصةلكتاب طبعوا فكرنا في تلك المرحلة،من أمثال ،جان بول سارتر ومكسيم جوركي وتولستوي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ…
كانت محاضرات الأساتذة،تنقل الخبرة والمعرفة لطلبة ليسوا إناء للحشووالاجترار،بقدر ما كانوا مشاركين متمثلين لهذه المعارف.
كانت التعقيبات والتدخلات تتناول الجانب السلوكي والتطلعات نحو الانفتاح وتبني بعض التوجهات الوجودية،كان الطلبة مثلهم مثل الطالبات،يناضلون من أجل الدفاع عن حرية التعبيرورفض كل مظاهر القمع واللامساواة.
كان الانفتاح نحو الجديد في المحيط الجامعي،ورفض الكثير من العادات التي تعمق القمع والقهرللإناث خاصة وللطلبة عموما.
والغريب هذا التجانس بين طاقم التعليم من الإخوة العرب وبين طاقم مغربي أُلحقوا من الثانوي للجامعة،وهم يتابعون دراساتهم بالسلك الثالث،هذا التجانس جاء من الرغبة في خلق فضاء علمي معرفي ناجح.
طاقم التدريس المغربي من فقهاء كبار وعلماء لهم وزنهم وأساتذة أجلاء وكان يعزز هذا الطاقم الأساتذة الذين ألحقوا من الثانوي وكان هاجسهم أن يكونوا في نفس عطاء الأساتذة من أمثال. الدكتور أمجد الطرابلسي،الدكتور صالح الأشتر،الدكتور محمد نجيب البهبيتي وغيرهم.
تذكرنا المرحوم الفقيه العالم محمد بنعبد الله والدكتور محمد عزيز الحبابي والأستاذ محمد الكتاني والأستاذ جعفر الكتاني وناصر الكتاني،ومن المفارقات هو هذا الفكر التحرري لبعض الأساتذة وبين فكر شيعي غريب علينا جعل بعض أصدقائنا يرسبون في إحدى المواد فقط لأنهم لم يضيفوابعد كتابةالإمام علي:رضي الله عنه !
كانت الدراسة في البداية بنظام الشهادات ( شهادة الأدب/ فقه اللغة/ الحضارة ) وكان من بين المواد الأساسية الترجمة والعبرية والفارسية والفرنسية والأنجليزية.
ترحمنا على الأستاذ السعداني أستاذ الفارسية والأستاذ تقي الدين الهلالي أستاذ العبريةومن بين العلماء الذين درسوا بهذه الكلية الزعيم علال الفاسي رحمه الله وكان يدرس الحضارة.
تزامنت دراستنا مع طلبة سبقونا وأتيحت لهم ظروف المتابعة خارج المغرب،وعادوا للتدريس بنفس الكلية.
ولا ننسى عميد كليتنا عبد الوهاب التازي سعود والأستاذ محمد التازي.
وبتعليقات هزلية ضحكنا على بعض الأحداث،وكذلك تذكرنا بحزن بعض زملائنا وزميلاتنا ممن اختطفهم الموت،مثل الأستاذة الحارثي سعاد،الأستاذة أبو فراس، الأستاذة جميلة الشرايبي، الأستاذ عبد الله الوزاني( أسفي) وكذلك الأستاذ الشاعر الكانوني والشاعر المجاطي وغيرهم.
كنا في دراستنا تربطنا علاقات ود واحترام مع بعض الأساتذة مثل الأستاذ محمد برادة والأستاذ إبراهيم السولامي والأستاذ محمد السرغيني والأستاذ محمد الكتاني ومحمد التازي والدكتور الهراس،طبعا بإضافة الأساتذة من العرب الأشقاء وقد ذكرت أسماءهم في البداية.
وعادت ذكرياتنا لأسماء كان ذكرها يثير الخوف لدينا حيث كانت درجة تشددهم كبيرة،مثل الفقيه بنعبدالله وقد كان يدرسنا المغني اللبيب لابن هشام.وكنا نكره درس الأدب المغربي للطريقة التي كان يُقدم بها،رغم كفاءة وعلم الأستاذ عباس الجراري !بينما نُقبل على درس الأدب الجاهلي مع محمد نجيب البهبيتي ومن الدروس التي كنا نجدها جافة هو درس الجغرافية.
كنا نعقد مقارنة بين الأستاذ عشور وبين الأستاذ كتان في التربية وعلم النفس وهذا يجرنا إلى معيار الكفاءة والعلم…!
كان درس فقه اللغة يثير لدينا رغبة تعميق المعرفة في اللسانيات،وأنا شخصيا كنت أجد جانبا مهما من العلوم الطبيعية في فسيولوجية جسم الإنسان واللسانيات وأتذكر دروس الأستاذ العلوي بعد عودته من باريس وكيف تأثرت بتخصصه وكنت الطالبة الوحيدة التي اختارت فقه اللغة في بحث الإجازة ،بينما اختار أغلب الطالبات بحثهن في مادة الأدب. وكان بارعا ومتمكنا وهو الآن رئيس اتحاد اللسانيين العرب.
ما عجبنا له هو علاقة الزمالة والصداقة بيننا،رغم اختلافنا في توجهاتنا السياسية.!
ونعود اليوم ومع الذكريات ونحن ننظر إلى تجربتنا،خلال هذا العمرفي ميدان الثقافة والمساهمة في هذا المجال.
وبالفعل رغم المعيقات والإكراهات فنحن اليوم أديبات روائيات وكاتبات وشاعرات،ولا زال في جعبتنا الكثير مما يقال حول تلك المرحلة وربما نتابع في جلسة أخرى ويحضر معنا أخريات …
أتوجه بالشكر لكل الحاضرات وخاصة للأستاذة لطيفة حليم العلوي صاحبة الفكرة ومضيفتنا الصبورة المضيافة.