بشرى عبدالمومني
كورونا ألم متسرب في أعماق النفس، خوف موزع بشكل عادل على كل أفراد المجتمع.. فالعالم بأسره يعيش حالة متشابهة، بعد خضوعه لغزو شامل من فيروس غامض فتاك يقود رحلة الانتهاك والتطفل والافتراس.
فيروس لم يترك أرضا ولا شعبا ولا حكومة إلا وجعلها تدفع الثمن رعبا وموتا واقتصادا. وبدأ العالم يعيد النظر في كل الأشياء بعد أن اكتشف أنه يعيش في وهم كبير، وحضارة كاذبة. حرب شُنت دون أن تُطلق فيها رصاصة واحدة.. فأصبح العالم بأسره أمام تحد واحد مشترك وبشكل متزامن.
فيروس ليس معروفا حتى الآن مصدره، أهو من من خلق الطبيعة أم من خلق البشر خلقته جهة شريرة لأسباب سياسيةأو اقتصادية.
وباء يزعزع اطمئنان الإنسان، ويعزله عن عالمه الخارجي، يباعد خيوط نسيج الأهل والأحبة والجيرة والصداقة، لكن المحبة لا تنظر إلى المسافات، ولا تنظر إلى التقارب الجسدي لكي تتأكد وتعلن عن نفسها. إن المحبة أقوى من شرور الأوبئة والجوائح.
والحق أن الاعتكاف في البيوت فرصة طيبة لمصادقة النفس، والحديث معها، وتصحيح مسارها، وهي فرصة قلما يجدها الإنسان ويغتنمها في دوامة الحياة المتسارعة، التي تجرفه كأوراق شجر في شلال هادر.
إن الخوف من الموت ملهم للانسان، ومحفز له على اكتشاف الحياة، وتأسيس رؤية جديدة بمعنى حضاري.. فهو يعيد للحياة نبضها، فتزداد توهجا وامتدادا.
إن رغبة الإنسان في البقاء تجعله يتمرد على الصمت، ويعلن عن الوجود ليلغي اللاوجود، كي يسمع ذاك المفقود في دواخله. ولولا هذا الابتلاء لما استحقت الحياة أن تعاش، وتحيا في عروق الإنسان، لتزهر ملامح إنسانية بكر.
إن فعل الحياة فعل مكلف جدا، فيراهن الإنسان على معانقة قضية اللحظة التاريخية الراهنة، والمرتبطة بالموت أو الحياة.
إن الإنسان يرفض هذا المصير الدرامي الأليم، مؤمنا بسنته على هذه البسيطة فيضع نفسه في صلبها، متشبثا برغبته في الحياة. علما أن كل كائن حي مآله الفناء، بمجرد ولادته يكون قد حكم عليه بالموت إن آجلا أو عاجلا.. لكن إن كان الوباء يقترح نفسه كمحور، فالإنسان يقدم ذاته كمعمر، وأثر خالد، وأساس هذا الكون ..