ذ بوزيان موساوي. وجدة. أنكاد
تجت عنوان: “وعيُ الذات النّسائية الفلسطينية: “لذة النص”/ “عنف النص” الروائي بين الواقعية و الفانتاستيك”.
ذ. بوزيان موساوي وجدة المغرب
توظئة:
أ ـ بطاقة تعريف: “مقاش” عنوان رواية للكاتبة الروائية الفلسطينية سهام سليمان أخليل ( سهام أبو عواد). الكتاب من الحجم المتوسط (156 صفحة). صدر عن “دار دجلة، ناشرون و موزعون”، عمان/ الأردن (الطبعة الرابعة 2017). تصميم الغلاف: محمد خضير. الأردن.
ج ـ حيثيات منهجية: لماذا تمّ اختيار مقاربة الرواية تحت هذا العنوان:
“وعيُ الذات النّسائية الفلسطينية: “لذة النص”/ “عنف النص” الروائي بين الواقعية و الفانتاستيك”.؟
نقرأ في عمق الرواية:”طفولتنا مختلفة (…) طفولة لا تملك دمية، لكنها تملك قضية.” (ص. 24)؛ و “مقاش” رواية “غضب” يسكن الذات كما مصير/ قدر محتوم: “ثورة مُستدامة” لأجل قضية “أمّ” هي الأرض، هي الوطن، هي فلسطين؛ نقرأ:
“تغتالني رؤية وطني على هذا الحال، و عيون الأطفال الحائرة تهزمُ روحيي،و أستشيطُ غضبا كاّما رأيتُ كم هي مستباحةُ أجسادنا و كرامتنا و أرضنا. صوّر تتكذّس كلّ لحظة في دماغي، حتى ظننتُ أنّ ذاكرتي ستخرجُ يوما عن طورِها… فترفُضني ! لكن، ما بيدي حيلة، فأنا لا اركض وراء تلك الصّور؛ بل هي من يسبح في ذاكرة حياتي اليومية…” (ص. 44).
هي إذن “رواية القضية” (Roman à thèse)؛ و غالبا ما يتعامل معظم النقاد مع هذا النوع من الكتابة الأدبية على أنها “وثائقية” (documentaire)، أو “ملتزمة” (engagée)، أو حتى “راكبة موج” (embarquée على حدّ تعبير الكاتب الوجودي ألبير كامي). فيهيمنُ الاهتمام بالمضمون كأفكار و مشاعر و مواقف على حساب جمالية الكتابة الفنية الأدبية التي تُميّزُ “جنس الرواية” كعمل أدبي عن كتب التاريخ أو الفلسفة أو علم الاجتماع أوعلم النفس، أو السياسة أو الإعلام، إلخ… لذا ركّزنا عنوان هذه القراءة النقدية التطبيقية في رواية “مقاش” على المتن باعتباره نصّا/ مقروءا في أبعاده الفنية الجمالية ، نستأنس بِمقولتَيْ “لذة (أو متعة) النص” (Le plaisir du texte كما سمّاها رولان بارت)، و “عنف النص” كما في النظريات الحديثة ل “تحليل الخطاب” (محاضرات جون لانغواي أوسطين نموذجا)، و عند ريفاتير…
و استأنسنا كذلك بوعي الروائية سهام أبو عواد نفسها بأن عملها الروائي “مقاش” أدبيّ محض؛ الرواية وُلِدَت بعد “مخاض” متأثرة بشعراء “الغربة” و “الاغتراب” نقرأ:
“أصِبتُ حينها بصداع غريب، لمْ يكن عارضا أو بردا أو حتى ألما من ضرس سيفارقني، بل كانت طفلتي التي أظنّها قد دخلت مرحلة مخاض الخروج؛ فأدخلتني عوالم الشعر و الشعراء الذين احتجزتهم الغربة على حدود الوطن…” (ص. 14).
هو إذن سؤال “الشعرية” (La poétique)، كما جاء عند تودوروف، و تعني في نظره ” تلك الخصائص المجرّدة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي أي الأدبية…”؛ و سؤال “الأدبية” (La littérarité) كما طرحه ياكوبسون ، و هي تعني حسب تصوّره “كلّ ما يجعل من عمل معيّن عملا أدبيا…”.
لذا، ستكون قراءتنا هنا مقاربة توفيقية/ مندمجة، تُعنَى في ذات الآن (دون عزلهما) بالمضمون (وعيُ الذات النّسائية الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني)، و بالشكل (“لذة النص”/ “عنف النص” الروائي بين الواقعية و الفانتاستيك”)، عبر ثلاثة محاور: نُسمّي الأول “سينوبسيس” (Synopsis)، و الثاني: تدوين السيرة الذاتية تصوير لواقع شبيه بعوالم الكتابة العجائبية (fantastique )، و الثالث: السرد بين جمالية اللغة و عنف الخطاب.
1 ـ “سينوبسيس” (Synopsis): هو مصطلح خاص بلغة أشرطة السينما، و يعني “ملخّص” الفيلم. و استعرنا هذا المصطلح لأن جانب مهمّ من تقنيات الكتابة الفنية في رواية “مقاش” يُشبه إلى حدّ بعيد تقنيات كتابة “سيناريوهات” الأفلام؛ منها هذه العتبات:
أ ـ اختيار العنوان: عنوان يثير فضول القارئ/ المشاهد… إذ قد يتساءل أغلب القراء في الوطن العربي و خارجه عن معنى العنوان (يبدو غريبا و غامضا لغير العارفين بالثقافة الشعبية للفلسطينيين). فضول قد يدفع بالقارئ (أو بالمشاهد لفيلم) للبحث عن المعني و حتى عن دلالاته المجازية و الرمزية…
تعني مفردة “مقاش”: “قصعة الطعام الموزع على السجناء/ السجينات”… العنوان وحده إذن شبه إعلان عن تحديد “فضاء” الرواية، و أبعادها الدراميّة، كما يجعل القارئ يطرح مجموعة فرضيات قراءة تترقب إشباع فضول آفاق انتظارات ممكنة… و سنستدرك في تضاعيف الرواية أن “مقاش” يتجاوز في دلالاته الرمزية فضاء “السجن” بمعناه اللفظي المتداول، ليتم تعميمه على كلّ فضاءات الرواية، و كأن الوطن كلّه “سجن كبير” في ظلّ الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني؛ نقرأ:
ـ بخصوص “الوطن/ السجن”: “أصبح الحكم بالسجن، ساري المفعول علينا: كما هو عليها (الأمّ) فهي تنفّذه فعليا، و نن نعيشه مع وقف التنفيذ، و جميعنا نحمل علامة “… “بينجو”… ” (ص. 45) ( “بينجو” تعني باللغة العبرية “مطلوب و مستباح”) ÷وامش. ص 45).
ـ بخصوص معنى “مقاش”: “كانت السّجانة تجلب لنا “المقاش” محملا بوجبة الغذاء التي غالبا ما تكون من الأرز و الفصولياء البيضاء…” (ص. 101).
ـ و بخصوص رمزيته: “لم يكن يستوقفنا شيء (سهام و مها) سوى رائحة الطعام المنبعثة من بيوت الجيران، تلك الرائحة؛ كانت تساويني بها، فيصبح عمري خمسة أعوام (بدل 14 سنة آنذاك) ! لذا، كنّا نثب معا لنتسلق شبابيك البيوت، ليس فقط لأننا جائعتان؛ بل لهفة في استشعار ذلك الدفء من خلف الجيران، فرائحة الطعام تعني أنّ هناك أمًّا داخل البيت، و أنّ هناك أسرة…” (ص. 43).
ب ـ ” الجنيريك”: مصطلح آخر ينتمي لمعجم السينما، و بالتالي كتابة “السيناريوهات”، و “يتعلق بتحديد جميع المساهمين في العمل السينمائي في بداية الفيلم وفي نهايته، وترفقه موسيقى تصويرية…”:
تم ّ استعمال ما يُشبه هذه التقنية في رواية “مقاش” باستحضار ثلاثة عناصر:
ـ عرض خطاطة أولية جد مختصرة للوحدات الثلاث للرواية (الزمن و المكان و الشخصيات) و الآفاق المأساوية:
“في الصفحة الأولى؛ رسمتُ وحهَ أمّي، و هو يرقبُ الشمس، و تحت ظلّها، رسمتُ بيتا صغيرا و حقلا، في باحته الخلفية؛ لوّنتُ الابتسامة بثغور إخوتي، و جدلتُ الغيماتِ الجميلاتِ لتصبحَ سلّما للأحلام/ السماء، و جلستُ أرقبُها من بعيد و هي تنتشر في خيلتي كالنجمات، و ما إن فرغتُ حتى سالت الألوان كالدماء…” (ص. 19).
ـ توظيف تقنية “الفلاش باك”: من 2013/2014 ؛ تاريخ خروج الرواية للوجود إلى سنة 1982 (المصادفة للأحداث المأساوية ل “صبرا و شاتيلا)، أي إلى ذكرى “اعتقال الأمّ”، و “اغتيال طفولة” سهام (ذات 14 ربيعا حينها) لتصبح أمّا لأختها مها (خمس سنوات)؛ تقنية اختصرت “آفاق الانتظار” بمفردتين صغيرتين في الحجم، ضخمتين عميقتين من حيث الدلالة: “آه”، و “لَوْ”:
“ما زلتْ تلك الطفلة الأمّ تحيا داخل جسدي الأربعينيّ و قلبيَ يعود بها إلى الوراء مُحمّلا بألفِ آهٍ و ألف لَوْ…” (ص. 11).
ـ “أغنية جنريك الرواية”: أو تصميم “مِعمار الرواية” بتقنية “المونتاج الدائري”:
و يعني “المونتاج الدائري” (في لغة السينما): تقنية ربط بداية الحكاية بنهايتها، موازاة مع “المونتاج التعاقبي” الذي يأخذ بعين الاعتبار التسلسل الزمني المنطقي للأحداث:
تبدأ رواية “مقاش” من حيث تنتهي بقصيدة الشاعر الفلسطيني/ الأردني محمد خضير : قصيدة “يا وجه أمّي” (من ديوان “قلب قزح” غناء وألحان الفنان كمال خليل، فرقة بلدنا..)؛ تفتتح بها الروائية سهام رواية “مقاش” (ص . 13 و 14)، لتنهيها بها؛ نقرأ:
“… فتفيض بي الذكريات لأدرك أن حكايتي لا تنتهي إلا بانتهاء الاحتلال، فأعود حيث ابتدأت القصة و أرتّل على مهلٍ ما قاله الشاعر محمد خضير:
يا وجه أمّي
هذه القسمات منفى
(…)
أي ضاد ٍ
في نحول الحرف يكفي
كي يصير الشعر صوتَ البندقية !
يا وجه أمّي
من سِواك؟”
2 ـ تدوين السيرة الذاتية تصويرً لواقع شبيه بعوالم الكتابة العجائبية (fantastique ):
يستوجب السياق التوقف عند عدة تقنيات سردية درامية تقايض عوالم الواقع المأساوي بعوالم تشبه الأحلام لا نشاهدها غالبا سوى في اعتى كوابيسنا (أو في أفلام رعب هوليودية)، نقتصر (لقصر المجال) على بعض تمظهراتها كنماذج جد صارخة في رواية “مقاش”:
أ ـ عن الحدث الرئيس كمعطى واقعي أليم:
على غير ما اعتدنا قراءته في الجنس الروائي، اقتصرت الروائية سهام أبو عواد في “مقاش” على حدث درامي رئيس واحد: اعتقال الأمّ (هو الحدث و القضية) داخل فضاء “سجن واحد كبير” بثلاثة أسماء: المعتقلات الاسرائلية الصهيونية، و بيت الأسرة في غياب الأمّ، و الوطن المُحتلّ: فلسطين… و ربّما انتبهت الروائية سهام أبو عواد لهذا المُعطى المتمرّد على المألوف في جنس الرواية: تعدّد الأحداث داخل “حبكة” روائية واحدة، لذا كتبت (في تضاعيف روايتها) ما يشبه الاجابة بالتلميح ما مفاده: إن لا حَدثَ أهمّ و أخطر ليستأثر بفضاء رواية أكثر من “اعتقال أمّ فلسطينية” من لَدُنِ” العدوّ الصهيوني، و لا قضية تعلو على قضية أرض محتلّة/ مغتصبة؛ نقرأ:
“في الروايات، يمكن للراوي أن يسرد الحكاية على عجل ! و في روايتها (الأمّ)، يتوقف دولاب الأيام عند كل صغيرة و كبيرة لنعاود الوقوع في الأسر للمرّة الألف، حتى غدت حكاية “الأسر و السجن” مثل ظلّ لا تغيب شمسه ! (ص. 52) (…) فقد هبطتُ إلى الأرض من قمّة هي أمٌّ تعالتْ على الألم و الخوف و الحاجة و القهر و السجن و الحياة، و تعالتْ حتى على الموت، أمٌّ ما زالت بعيدة و رهن الاعتقال، أمٌّ لم تُخلَق لتكون مُكَبَلة داخل سجن عسكري !…” (ص. 53).
واقعية أغرب من الخيال، لذا يتجدّد السّرد و كأننا أمام مشاهد من قصة الخيال الغرئبي/ العجائبي/ العبثي.
ب ـ الانتقال بالواقع العبثي المأساوي إلى عالم الفانتاستيك:
و أهم تجلياته شخصية “الطفلة الأم”: من روائع الصّور التي أبدعتها سهام أبو عواد شخصية “الأم الطفلة”؛ نقرأ:
“لم يطل الوقت حتى اكتشف الجميع أن هناك طفلة تعيش في داخلي، طفلة تحمل حكاية من فلسطين… (ص. 11) (…) أطلّتْ هذه الطفلة من شرفة جبيني بِخِفّة (…) أسدلتُ لها أهدابي مِثلَ سُلّمٍ كي تهبط إلى الحياة، لكنها أمسكتْ بشرفة جبيني، و بتردّد أخرجتْ قَدَماً واحدةً لمستْ بهل الأرض المبلّلة بالمطر، ارتعدتْ، ثمّ أعادتها إلى داخل رأسي…” (ص. 12).
الطفلة ليست ابنة “سهام” الكاتبة/ الساردة/ البطلة… هي ليست أختها “مها” التي منها تعلّمتْ أن تصبح أمًّا حين احتضنتها حين اعتقل العدوّ أمّها:؛ أمومة غير متوقّعة ازتفزّت سؤال وجوديا حائرا ” سؤال صغير مزقني إلى نصفين (…) طحن تحت قدميه طفولتي التي صار عليها أن تحمل عبء تربية طفلة أخرى. هي أختي الصغرى “مها”، طفولة كانت قبل قليل في عهدة القدر، فصارت في عهدة ابتسامة أمّي التي ودّعتها قبل لحظات، لأدرك تماما أنني أصبحت كبيرة، فهل أنا كبرتُ فعلا؟…” (ص. 39)…
هي “أمينة سرّ” الحكاية، هي الطفلة سهام التي ما كبرت بدواخل سهام المرأة الأربعينية، هي الأمّ “فاطمة” المُعتقَلة/ القضية/ الوطن:
“تلك السرار و التمتمات؛ جندتني لأكون على قدر من المسؤولية، فشكّلتْ لي ذاتي الجديدة، و أعلمتني عني ما لم أكن أعلمه، و روّضت لي جسدي الصغير على فنّ التعامل مع المتغيّرات كي لا أخيب ظن أمي التي باتتْ تحملث ملامح الوطن…” (ص. 55)…. هي الحكاية (رواية “مقاش”) التي رفضت أن تولد إلا على تضاريس تشبه جغرافية وطنها؛ و لم تنفكّ عقدة اللسان لتولد الرواية، إلا على أرض الأردن، وليس في المنفى (لندن):
“سارعت “لينا” (طبيبة نفسانية لبنانية تشتغل في لندن) لتبتاع لي قلما جميلا، و دفترا مرقّطا، قائلة: ـ نحن نثق بك، و سنُذلّلُ لكِ كلّ صعب حتى تخرج هذه الطفلة الخائفة من أسرها (ص. 11 ) (…) أخرجت (الطفلة) قدما واحدة لمستْ بها الأرض المُبَلّلة بالمطر، ارتعدتْ، ثمّ أعادتها إلى داخل رأسي (ص. 12) (…) يمضي صيف 2013 ثقيلا على طفلتي التي سافرت معي مرّات و مرّات إلى فلسطين، و كانت في كلّ مرّة تؤجّج شوقها لتخرج من عنق جبيني، إلى أن عادت معي في ليلة شتوية أعتاب سنة 2014 إلى عمّان (ص. 13) (…) ومن مبنى “رابطة الكُتّاب الأردنيين” (…) خرجتْ (الطفلة/ الرواية) كاملة الموت و الولادة، فنالَ الموتُ منها حظّه… و الحياة حظّها. (ص. 15).
3 ـ السرد بين جمالية اللغة و عنف الخطاب:
هو صراع بين الموت و الولادة و الحياة تمّ اختزاله بين “ألف آهٍ”، و “ألف لَوْ”؛ و الصراع لا يخلو من عنف. و في رواية “مقاش” لسهام أبو عواد هو “عنف خطاب”، اكْتَوى حتى النخاع ب “عنف الأسر” تحت كمامات الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني الغاشم…
“عنف خطاب” تفرضهُ قداسة قضية، و نداء وطن؛ نقرأ:
“ففي الوطن المُحتَلّ، يعلق صدى الضحكات أعلى الجبال، و في التلال و الشواطئ (…) فتُردّدُهُ على مسامعنا كواجب وطنيّ كيْ لا ننساه، فذاكرة الوطن مناضلة أيضا و لا تخرج عنِ النّص إلا إذا تلَعْثمَ النّص… (…) لأننا لا نكتبُ الوصايا، فلا وصيّة لنا ما دمنا جميعا مشاريع شهادة…” (ص. 61).
هو “عنف مضادّ” يُوَلّدُ عنف المُعتدي: لم تكتسب “سهام” الروائية/ الساردة/ الشخصية سلوكيات العنف بالفطرة، و لا بتربية ذويها (أمها على وجه التحديد)؛ نقرأ:
“مهد طفولتنا دائما كان محاطا بالدّمى و الألعاب الجميلة، و لمْ تُحِطْهُ أمّي بالخوف؛ فهي لم تقتنِ يوما كِتابا عن الغول أو الوحش، و لمْ تسرد لنا الحكايات المخيفة، بلْ كانت حكايات نومنا في حضنها عن الأميرات و الأبطال (…) عن حبّ يملأ الكوْن أملا… (ص. 20).
عنف ليس فطريا حتى أبدا و ليس لا من شِيّم الإنسان (ولو كان عدوّا) و لا حتى من طبائع الحيوان:
“كلب قبيح (كلب الضابط الاسرائيلي)، كلب نسيّ بأنه حيوان جميل بالفطرة، فتقلّدَ دور الكلب المحتلّ تماما مثل ما نسيّ “الكابتن فريد” (الاسرائلي الذي اعتقل الأم فاطمة) كلّ إنسانيته… (ص. 31).
و حين يُوَلّدُ “العنف” “عنفا مُضادّا”، كانت “سهام” (الكاتبة/ الطفلة/ الأمّ) تتسلّح في خالات غضبها ب “سلاح الابتسامة” كما علّمَتها أمّها (فاطمة):
“تعلّمتُ دائما أن الغضب قد يحمل خنجرا أو سيف أو حتى بندقية ! لكن لم أدرك أن هناك نوعا من الغضب يحمل ابتسامة ! فكثيرا ما تزيّن ثغر أمّي بابتسامة مبهتة علقت بذاكرتي و بذاكرة المكان، و أظنّها أصابتني عدواها…” (ص. 54).
و لا يتوقّف الاصرار عند المواجهة، او عند النضال السّري، أو عند الكتابة… بل يتحوّل إلى إيمان بحتمية تحقيق المصير:
“هذه هي البداية فقط، و إنّكَ (العدوّ) قد تسرق أمّي لبعض الوقت لكنّها ستعودُ لي يوما ما، لأنها لي.” (ص. 32).
و قبل أن يتجدد لقاؤنا أعزائي القراء مع نافذة النقد، أوصي بقراءة رواية “مقاش” للمبدعة الفلسطينية سهام أبو عواد: تستحق القراءة.