الاعلامي خالد السلامي/ العراق
منذ أن فُتحت عيوننا على الدنيا وجدنا اباؤنا يعاملوننا بالترغيب والترهيب فكنا نتلقى الثناء والمدح على كل عمل نقوم به فيرضيهم وقد ننال أشد العقاب اذا اغضبناهم بعمل هم يرونه غير صحيح ونحن نراه بعقولنا الصغيرة آنذاك صحيحا فنجادلهم حتى نغضبهم فتنهال علينا عقوباتهم القاسية بشتى أنواعها من الضرب إلى المقاطعة فالحرمان ممانحب. ولكننا على قلة وعينا وفهمنا لامور الحياة ونحن في بداية يُفوعنا كنا نفهم أن تصرف آبائنا لايتجاوز في غاياته حدود مصلحتنا والخوف علينا لهذا لم يخطر في بالنا أن نغضب منهم ولاعليهم ولم نفكر في مقاطعتهم وتجاوز وصاياهم.
نجحت طريقتهم معنا واوصلونا إلى ماكانوا يطمحون اليه وهم راضون عنا ونحن في كامل رضانا عنهم وهذا دليل على أن طريقتهم نفعت معنا رغم قسوتها احيانا.
وبالنظر لاحساسنا بفائدة هذه الطريقة معنا ولِحرصنا على أولادنا الذي لايقل عن حرص آبائنا علينا طبقنا نفس طريقة آبائنا معنا على ابنائنا ولكننا نسينا أن نراعي جانبا مهما من جوانب التربية الحديثة وهو انهم خلقوا في زمان غير زماننا كما في القول المأثور المنسوب للإمام على بن ابي طالب عليه السلام الذي يقول فيه ( لا تربوا اولادكم على اخلاقكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم ).
في زماننا لم يكن أمامنا سوى المدرسة وتلفاز بقناتين يبثان بثا ارضيا لايتجاوز حدود البلد مع راديو يستقبل بعض الاذاعات التي تبث باللغة العربية من بعض الدول العربية والاوربية ودول الجوار وساحة ترابية لكرة القدم نقضي فيها بعض أوقاتنا في حالة العطل أو عدم وجود واجب يكلفنا به الوالد رحمه الله في الزراعة أو البيت أو أي شيء يخطر بباله. بينما نجد ابنائنا اليوم قد تكالبت عليهم أحدث وسائل الاتصال والقنوات التي تخترق كل الحدود إضافة إلى شبكة الإنترنيت التي لم يصمد أمامها أو يعيقها اي حد. فجاءت بعض النتائج عكسية رغم علم ابنائنا انها تهدف لحمايتهم ومصلحتهم اولا وأخير فوجدنا أنفسنا أمام جيل عاص متمرد و مهمل غير مبال لا بنفسه ولا بمستقبله فصار فريسة سهلة للهجمة الالكترونية الوحشية التي استهدفت شبابنا العربي خصوصا والمسلم عموما بغية أبعادهم عن دينهم وعاداتهم وتقاليدهم واعرافهم التي كانت لامثيل لها بين الأمم من حيث الإيمان و الاحترام والطاعة والكرم وحسن الجيرة وعيادة المريض ومساعدة المحتاج ومؤازرة ومواساة الناس في مصائبهم ومحنهم وسعيهم للحصول على العلم والمعرفة.
وقد نجح أصحاب الثورة الالكترونية في تحقيق هذه الغاية فصار شبابنا الان ملازمون لهواتفهم الذكية وحواسيبهم متناسين عوائلهم واطفالهم ومستقبلهم عصيين على أهلهم ولايحسبون اي حساب لوجودهم.
إذاً ومن خلال ماتقدم يتضح لنا أن ماكان ناجحا معنا ليس بالضرورة أن ينجح مع أبناءنا وعلينا أن نقر بأن ما صَلُح معنا ليس بالضرورة أن يصلح مع أولادنا، ربما ليس بسبب قصر تفكيرنا لكننا فوجئنا بهجمة إلكترونية عنيفة اضاعت في لحظات كل مابنيناه خلال سنين طويلة.