ذ.الشاعر والناقد لطفي عبد الواحد/تونس
يمثل يوم 27 ماي من هذه السنة 2020 الذكرى الحادية والسبعين لرحيل أحد أعلام الادب والثقافة الكبار في تونس المرحوم علي الدوعاجي الذي قال عنه متحدثا الاستاذ والاديب الكبير محمود المسعدي في حوار اعلامي أجراه معه الاستاذ فرج شوشان للتلفزة التونسية في برنامج كان يعده بعنوان “بلا حدود” ثم نشر نصه كاملا ضمن كتاب الاعمال الكاملة للمسعدي الذي اصدرته وزارة الشؤون الثقافية في تونس تحت عنوان “رحلة العمر ص377 مايلي :
” علي الدوعاجي هو ذلك الشخص ذو العبقرية الفذة والغريبة لأن عبقريته من غير نوع العبقريات المعتادة. كان يمتاز بروح فكاهية هزلية فيها من السخرية ماقد يكون له أبعاد فلسفية سخرية من المجتمع ومن منزلة الانسان عندما يقول :
“حط الناس الكل في المسرح وخللاني في اللوج”
فهو يشكو حرمانه ويعممه على المنزلة البشرية ويعتبره حظ المحروم ويتحدث عن الفنان الذي قضت عليه منزلته أن يكون متفرجا بينما الألعاب والأفراح فوق المسرح ”
وهناك قول آخر له عن منزلة الفنان :
” عاش يتمنى في عنبة مات جابولو عنقود
مايسعد فنان الغلبة إلا من تحت اللحود.. ”
فمن هو المرحوم الأديب علي الدوعاجي؟
علي الدوعاجي هو علي بن صالح الدوعاجي ولد بمدينة تونس عاصمة الجمهورية التونسية الحالية في 04 جانفي 1909 وتوفي بسبب اصابته بمرض السل اللعين بمستشفى الرابطة بتونس في 27 ماي سنة 1949. تعلم الدوعاجي في بدايات حياته اللغة العربية والفرنسية في المدرسة القرآنية العرفانية ثم انقطع عن الدراسة في سن مبكرة لكن في المقابل واصل تكوينه العصامي واقبل على قراءة الكتب بنهم شديد وعلى الكتابة وارتياد المجالس الادبية وكانت له علاقات متينة مع أشهر ادباء عصره ومثقفيه وخاصة في فترة الثلاثينات ممن كان يلتقي بهم في مقهى تحت السور او في اماكن ومجالس اخرى ومن هؤلاء الادباء نذكر محمود بيرم التونسي والشاعر مصطفى خريف والشاعر ابو القاسم الشابي والمفكر والمصلح الاجتماعي الطاهر الحداد ومحمد البشروش مؤسس مجلة المباحث وزين العابدين السنوسي صاحب مجلة العالم الأدبي.. وغيرهم.
انتمى علي الدوعاجي إلى مايسمى بجماعة تحت السور الذين كانوا يرتادون المقهى المعروف بهذا الاسم والكائن بمنطقة باب سويقة بتونس العتيقة وهم جماعة تجد ضمنهم الاديب والموسيقي والرسام والفنان التشكيلي. اجتمعوا بحكم العادة وكونوا مايشبه جمعية اصبح لها دور هام في الحياة الثقافية وفي حركة التجديد الفني في تاريخ تونس زمن الاستعمار الفرنسي البغيض ويعد الدوعاجي من كبار رواد هذا المقهى ومن كبار ادبائه وقد برز بمواهبه الادبية والفنية المتعددة وجمع بين الكتابة القصصية والتمثيلية وكتابة الازجال الشعبية والرسم وقد خلف بعد وفاته مجموعة من الاعمال اعتنى بجمعها الاستاذ الاديب والمسرحي عز الدين المدني نذكر منها. كتاب بعنوان “سهرت منه الليالي” وهو عبارة عن مجموعة من الاقاصيص وهو عنوان لإحدى اقاصيصه والذي كان اقتبسه على ما يبدو من أغنية مشهورة للموسيقار الفنان محمد عبد الوهاب مطلعها :
سهرت منه الليالي
ما للهوى ومالي.
كتاب بعنوان “جولة بين حانات المتوسط” وهي جولة بين عدد من المدن المتوسطية وقد صدر هذا الكتاب بعد وفاة صاحبه وتحديدا في سنة 1962
كتاب تحت السور وهوعبارة عن نصوص صحفية كان نشرها الدوعاجي في جريدته جريدة “السرور”
مجموعة هامة من التمثيليات الاذاعية ومن الازجال او القصائد المكتوبة باللهجة العامية التونسية ومجموعة من الاغاني التي لحنها العديد من معاصريه أمثال شيخ الفنانين محمد التريكي والفنان الصادق ثريا والفنان الهادي الجويني الذي لحن له اغنيته المشهورة التي مطلعها :
“حبي يتبدل يتجدد
ما يتعددش كيف يتعدد
فكري يخونك كيف ماخنتي
اما قلبي يحبك انتي.”يعتبر علي الدوعاجي كما أسلفت علما من أعلام الأدب والفن والثقافة في تونس في مطلع القرن الماضي القرن العشرين كما يعتبر إنتاجه الأدبي علامة متميزة في تاريخ الحركة الأدبية التونسية كما يعتبر رائدا من رواد التجديد وقد تميز باسلوبه المتفرد في الكتابة من خلال حرصه على اضفاء الروح التونسية وعنايته باللهجة العامية التونسية في معدنها الأصيل الذي يجعلها أقرب مايكون إلى اللغة العربية الفصيحة التي تميز بها في المقابل عدد من أبناء جيله من أمثال الاديب محمود المسعدي الذي لم يخف إعجابه بصاحبنا رغم اختلاف اسلوب كنابته عن أسلوب على الدوعاجي واصدق دليل على هذا الشهادة شهادة المسعدي التي اوردتها في بداية هذا المقال وهي شهادة اعتقد أنها كانت منصفة لهذا الاديب العظيم وأضيف إليها شهادة ثانية لأديبنا الكبير محمود المسعدي حيث يقول في سياق حديثه عن جماعة تحت السور وعنه :
“أنا لم اجالسهم (ويقصد هنا جماعة تحت السور) بل عرفت منهم أمثال علي الدوعاجي الذي حاولته منذ مدة طويلة على أن يكتب بالعربية فأبى وكان محقا لأنه كان ذا نبوغ في الكتابة باللهجة الدارجة.”
وأضيف لما ذكر الملاحظة التالية فأقول إن المسعدي حين يقول عن الدوعاجي حاولته منذ مدة طويلة على ان يكتب باللغة العربية لم يكن يقصد في تقديري أن الدوعاجي كان يكتب بغير اللغة العربية بل كان يقصد تلك الميزة التي تميز بها وهي الكتابة بلغة عربية سهلة المتناول وقريبة من اللغة الدارجة العامية التونسية هذا بالاضافة الي ما كتبه من ازجال وأغان بالعامية.
رحم الله الاديب الفنان على الدوعاجي وكل أبناء جيله من الأدباء والفنانين الكبار الذين تركوا لنا مانعتز به من سيرهم وأعمالهم وابداعاتهم الخالدة..
الاديب محمود المسعدي صاحب كتاب السد