ذ.عبد العزيز أبو شيار
تقديم
تعتبر الرواية أكثر الفنون الأدبية انتشاراً في زماننا، وكتبها تتصدر دائماً قائمة الكتب الأكثر إقبالا، وسحر الرواية يكمن في القص والحكاية التي تضفي متعة للقارئ، وتخرجه من حال السأم والملل والرتابة، وتلهب خياله بأحداث الرواية وشخصياتها فيعيش في عالمها الخاص ويتخلص ولو مؤقتاً من خشونة الواقع المعيش.
إذا كان فن الرواية ملاذ الأدباء والفلاسفة نحو تكريس أفكارهم ونظرياتهم الفلسفية ونظرتهم للحياة وللإنسان فإن رواية “موطن الضباب “هي بمثابة استرجاع للذاكرة قليلا إلى الحياة الطلابية التي عايشها الكاتب محمد طبال والتي هي عبارة عن أحداث متناقضة تركت في ذهن ونفس الكاتب ووجدانه أثرا بالغا في كثير من نواحي الحياة من خلال تلك الحياة الطلابية البئيسة التي تمثلها شخصيات الرواية وعلى رأسهم الطالب قاسم المنتمي لوسط قروي فقير ومن دون مبالغة فقد كشفت رواية موطن الضباب معاناة الطالب المغربي وانخراطه في المجال النضالي الطلابي اليساري ضد هذا الضباب المخيم على سمائنا بكل أشكاله وسماته: ضباب الفقر ضباب الجهل والتخلف ..ضباب الظلم الاقتصادي والاجتماعي ضباب الاستغلال البشع لكل القيم الإنسانية النبيلة .
وشخوص الرواية ليست مجرد شخوص عادية ومجريات أحداث الرواية ليست مجرد أحداث عابرة في ذلك الوسط الجامعي، ولكن في كثير من الأحيان تضم بين طياتها وداخل أعماق شخصياتها آثارا ولمسات فلسفية فكرية ،ولا غرابة في ذلك فإن الأديب محمد طبال أستاذ للفلسفة والفكر الفلسفي ومن خلال هذه الشخوص الإبداعية تمكن من إبراز كثير من المشاكل والمآسي التي يتخبط فيها الشباب المغربي وبخاصة الطلبة في الجامعة مسلّطا الأضواء على الصراع من أجل محو وإجلاء تلك الهموم والمشاكل والعراقيل التي تعترضه المعبر عنها بكلمة ضباب ..والضباب رمز للالتباس والغموض وعدم وضوح الرؤيا في مجتمع متخلف موبوء من جميع الأدواء والأوبئة .
يسعى في روايته موطن الضباب إلى تقديم صورة للمجتمع أو للحياة في حقبة معينة كما تجلت له هو، ويريد من النص الروائي أن يعبر عن ذلك الواقع، بكل ظواهره، فيأتي السرد متشعباً يحمل الكثير من المنعرجات، تتشابك فيها الأحداث
يتيه في شعاب الواقع الذي يريد نقله فيتكشّف لنا تحت تأثير الأحداث الممارسات والقيم والتقاليد والثقافة التي يتبناها المجتمع.
وقد انطلق في سرده الروائي في بناء حكاية مكتملة، يتصدى لها الكاتب بإعمال خياله فيها، فيعيد صياغتها ويفصل فيها ويطابق حتى تكتمل الرواية وتلبّي المقصد والغاية التي يسعى إليها وحين نغلق الرواية على آخر صفحة فيها،نجد أننا قد استقر في أذهاننا وقلوبنا كثير من المشاعر الإنسانية النبيلة وبذلك نكون قد بلغنا المعنى الكلي الذي يتوخاه الأديب محمد الطبال من روايته موطن الضباب.
بتقديم نماذج بشرية وأحداث في مستويات متعددة ، تبعا لتشعبات علاقات الأفراد والأحداث الكثيرة التي تمر في المكان وفي الزمان ،
خلف عتبات نص محمل بالأسئلة وخلف العتبات نص ملئ بالأسماء والرموز، والأحداث هذا السؤال «أين رأس الخيط يا ترى ؟؟
يأخذنا عمق السؤال إلى متاهات السرد والروي حينما نجد متن الرواية في العنوان، أو حينما نعكس هذا على ذاك، فالعنوان مضاف ومضاف إليه، موطن الضباب والموطن هذا الوطن ويأتي المضاف إليه (الضباب )أكثر تعقيدا من المضاف، حينما نخالها حروفا في حاجة إلى أبجدية نقرؤها، ثم نخطئ الطريق لكي نجد أن هاته الأبجدية يلفها كثير من الضباب لأن الكاتب» الراوي يريد قول كل شيء في أقل شيء ويثبت لنا معايشته للتجربة وللحياة الطلابية التي يتوقد فيها الشباب والحماس من أجل التغيير نحو الأفضل عساه يزول هذا الضباب .
وحينما تجيء الرغبة في الاحتراق وكتابة الذات عبر مسافات الكلمة والرؤية، يتلاعب النص بين الهو والأنا في خضم الأحداث وازدحام الوقائع والحقيقة أن الذات واحدة سواء كان هو أو أنا ويتناغم مع القارئ في لعبة الحضور والغياب عبر مراس الموروث والمتعلم في جدلية قائمة على صراع الذات مع الذات أو ذات قالت عالمها وعاشت ألمها وأملها ، وأخرى تشتغل على النضال والحلم، وبينهما رابط من الشعور والإحساس والحب، في تواصل خفي، نقرؤها في محاولة لإيجاد حياة أخرى، سعيدة ينجلي فيها الضباب من خلال بثينة الأمل والحلم ولكن جماح الحياة في تسارعها وسرعتها، انتهت بمأساة أحلام وآمال لم تتحقق وما يزال الضباب مخيما جاثما على أعيننا وفوق رؤوسنا.
وأعتقد أن تجربة الأديب الروائي محمد طبال ليست وليدة اللحظة فلقد كتب في القصة القصيرة ذات البعد الاجتماعي .قصة “الخادمة” مثلا كما أعرفه عن قرب شغوفا بالقراءة والاهتمام بالأدب وبخاصة القصة والرواية ومما زاد في آفاقه الأدبية اطلاعه الواسع على الفكر والفلسفة قديمها وحديثها
وأعتقد أن الأديب محمد طبال بباكورته الجميلة الشيقة هذه قد فتح لنا فتحا إبداعيا جديدا يثري مكتبتنا الشرقية بخاصة والمغربية بعامة آملين أن تتلوها إبداعات أخرى في مقبلات الأيام .نرجو له التوفيق والسداد